أخبار فنية

 الفنان حسان اسكاف عبقرية ترحل دون ضجيج .. بقلم .. محمد خوجة..

الفنان حسان اسكاف عبقرية ترحل دون ضجيج .. بقلم .. محمد خوجة..

1640 مشاهدة

الفداء - ثقافة
الأربعاء: 4-12-2013

هو فنان متفرد و متميز: صاحب موهبة موسيقية عبقرية, مرهف الإحساس مسكون بالقلق و التوجس متطير من أشياء كثيرة لدرجة وكأنه يحاكي الجن قبل الإنس. ما قدمه على مستوى الموسيقى العربية تقلده وسام موسيقار بامتياز وكونه يمتلك مزاجية خاصة جداً فقد بقي بعيداً عن الأضواء والشهرة.

بداية مبهمة:‏

بداية حياته احترف صناعة نجارة الموبيليا ورغم الفنية الرفيعة في ما قدمه من قطع أثاث إلا أنه شعر بأنه قد ينجز ما يعجز عنه الآخرون وهو المولع بالموسيقا لدرجة الهيمان, فارتحل إلى "حلب" وهناك تتلمذ على يد الفنان الأرمني الكبير "أوهانيس كوستنيان" وكانت أقرب آلة موسيقية لقلبه هي "الكمان"، وفيما بعد أصبح من أهم الأساتذة في تعلم العزف على هذه الآلة الصعبة وبطريقة علمية، وفي "حلب" تعرَّف على عباقرة الموسيقا العربية الأصيلة وعاشرهم من مثل الفنان الكبير "نديم الدرويش" و "عبد الرحمن جبقجي". وهكذا دخل عالم الموسيقا من أوسع أبوابه.‏

عودٌ على بدء:‏

عندما عاد إلى مدينة "حماة" حاول أن يفعل شيئاً ما فانتسب إلى "نادي الفارابي" وأسَّس فرقة "التراث الفني" التي قدمت عدة حفلات في "حماة" وخارجها وعزفت له أكثر من عمل موسيقي.لقد كان النادي ملاذه فهو مثل كاهن تفرغ للعبادة, وكونه صاحب مشروع موسيقي فقد عمل من دون توقف في السعي لرفع المستوى الموسيقي في محافظة "حماة" ,فقد تتلمذ على يديه من بلدة "محردة" عازف الكمان "ميلاد جمعة" والفنان "سعيد الشيخ" وآخرون .. ومن المطربين "شادي عبد الكريم" و "طلال حداد" وعازف العود الشهير "حسين سبسبي" الذي أصبح فيما بعد عضواً في فرقة الفنان "عبد الهادي بقدونس"، ومنهم أيضاً عازف الكمان الدكتور "عماد عبد الباقي" وعازف التشلو "فايز كيلاني" الذي هجر الموسيقى.‏

صداه في دمشق:‏

لقد بدأ اسمه يصل صداه في عالم الموسيقى وخاصة المختصين في "دمشق" ولهذا تعاقدت معه فرقة "زنوبيا" القومية بقيادة الفنان "حسين نازك" مدرباً لفن الموشح وكان هذا من عام 1992 إلى 1995 ثم لمع اسم الفنان "حسان اسكاف" فعمل في "المعهد العالي للموسيقى" مدرباً للموشحات العربية إضافة لتدريسه مادة الإيقاع , وكان قبل فترة قد درس في "معهد سبينة للموسيقى – بدمشق" وهناك قدم مؤلفاته الموسيقية وأكثر من فرقة قد عزفت مؤلفاته فتجاوز اسمه موقعه كمدرب وأستاذ للموسيقا لينتزع صفة ملحن بامتياز.‏

ألقه العربي:‏

تبنت الدكتورة "رتيبة الحفني" سماعي نهاوند للفنان "حسان اسكاف" في "مهرجان الموسيقى العربية "الذي يقام في "القاهرة" فعزفت له الفرقة السيمفونية المصرية هذا السماعي في دار الأوبرا وهذا إنجاز عظيم أن يوضع اسمه بالبروشور إلى جانب اسم الموسيقار الكبير "رياض السنباطي"، فالدكتورة "رتيبة" هي مديرة المهرجان. وكذلك فرقة السيمفونية السورية قد عزفت له سماعي حجاز.‏

ما سبق يجعل من اسمه اسماً مهماً في عالم الموسيقى، وهذا سبق فني له لم ينله أيُّ فنان سوري من قبل.‏

مؤلفاته الموسيقية:‏

له أكثر من ثمانية سماعيات منها: سماعي حجاز وسماعي نهاوند وإضافة لونغة عدد اثنان منها لونغة نهاوند ولونغة عجم ولحَّن عدداً من الموشحات، والعبقرية التي يحملها لحن هذه الموشحات هي أنها قائمة على إيقاعات مركبة وغير معروفة في عالم تلحين الموشحات, منهاـ كما أسماهاـ "الأحد عشر الحموي والإثنا عشر الحموي".‏

هكذا هو الفنان "حسان اسكاف" يبتكر ويجدد في الموسيقى، يكره التقليد والسائد، شغوف بكل جديد. ومن سمع مؤلفاته وخصوصاً سماعياته يتلمس بروحه وقلبه كماً هائلاً من الروعة والجمال خلال سكبه لهذه الألحان.‏

عالمه ذاتيٌّ خاصٌّ جداً:‏

عاش حياته تسكنه هواجس شتى دائم القلق، وكثيراً ما كان يبدي سخطه على هذا الزمن الذي لم ينصفه ولم يعطه إلا القليل القليل، ربما هو صاحب مزاج خاص ولهذا تراه متذمراً أحياناً من كل شيء وأي شيء وتارة أخرى في غاية الرقة والعذوبة. هو فنان يحمل بداخله طفلاً صغيراً يفرح لابتسامة عابرة وينفجر لأمر آخر. ورغم كل هذا الألق والتفرد الذي أبدعه لم تتبنه مؤسسة أو هيئة ما تحفظ له ولنا هذا الإرث الفني، وللعلم فإن مؤلفاته الموسيقية كاملة موجودة بحوزة المطرب الحموي "شادي عبد الكريم".‏

حماة والإبداع:‏

سمعت مرة مقولة فحواها: "حماة مقبرة لمبدعيها" خصوصاً .. أو تحديداً(مطرب ـ عازف ـ ملحن) طبعاً لن أدخل في نقاش سواء أكانت هذه المقولة على صواب أم على خطأ ..ولكن ما أنا متأكد منه أن مبدعي حماة من كتاب وشعراء وفنانين ومسرحيين وموسيقيين لايعرفون كيف يُصدِّرون إبداعهم إلى خارج مدينة "حماة"، ومن دخل عالم الشهرة والأضواء منهم من ارتحل عن مدينة "حماة" من مثل الفنان المطرب الملحن "نجيب السراج" والفنان التشكيلي "حمود شنتوت" وكذلك "صفوان داحول".فهؤلاء قد دخلوا عالم الأضواء والانتشار عندما استقروا في "دمشق".‏

تجربة ثرية:‏

إن عالم التلحين عالم مغرق في النرجسية والعبقرية،فالذي يبدع جملة موسيقية رائعة تحمل في تفاصيلها السمو والألق فحكماً هو موسيقار. من منا لا يذكر لحن أغنية "شوبيصعب علي" للملحن الفنان "إبراهيم جودت" وغناء "مها الجابري" .. مثل هكذا لحن خلَّد صاحبه وكذلك الأمر في أغنية "ياعيني على الصبر" للموسيقار "رياض البندك" .. وغناء الفنان الكبير "وديع الصافي" حتى قيل بأن الموسيقار الخالد "محمد عبد الوهاب" قد قال: "تمنيت أن يكون هذا اللحن لي". ولنقرَّ أمراً مهماً وهو أن المطرب في الحقيقة هو حامل اللحن فإذا كان ذا شهرة كبيرة فحتماً نال الملحن الشهرة. ولعلَّ الحظ لم يواكب مسيرة الفنان "حسان اسكاف"، فكل ما أبدعه للأسف بقي في دائرة ضيقة.‏

وهكذا غيب الموت مبدعاً لو قُدِّر له شيء من الحظ فحكماً هو موسيقار له شأنه الكبير.‏

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية