مواضيع للحوار

‏ الكاتب المسرحي عدي المختار ومسلسل أحلام السنين

‏ الكاتب المسرحي عدي المختار ومسلسل أحلام السنين

434 مشاهدة

‏ الكاتب المسرحي عدي المختار ومسلسل أحلام السنين  

#مسلسل _احلام _السنين .. اضاع الحلم الذي كنا نحلم فيه !!

#بقلم _عدي _المختار

 

#بداية لا بد ان اسجل اعتراضي على مثل هكذا اعمال، لم يجتهد فيها الكتاب والمخرجون العراقيون على طول تاريخ الدراما العراقية، ليخرجوا لنا اعمالاً كبيرة، تبقى خالدة في ذاكرة المتفرج العراقي والعربي هذا من جهة. ومن جهة اخرى لان الدراما العربية اليوم تطورت كتابياً وإخراجياً اكثر بكثير من ذي قبل، حتى بات المشاهد العربي لا تهمه مثل هكذا اعمال او تستهويه، وبالتالي في مثل هكذا اعمال ننتجها ونحن نفقد منذ اول لقطة عاملين مهمين (عمل متكامل + تسويق درامي)، ومع هذا لا بد ان يكون لنا راي كمتفرج عراقي، يطمح بدراما عراقية حقيقية، حتى ولو بعد حين. ـ وكجنوبي ـ أرى في مثل هكذا اعمال، اساءة للجنوب.

المشكلة التي لا بد ان نقف عندها طويلا هي ان كل الاعمال الدرامية التي تناولت حياة أهالي الاهوار في جنوب العراق لم تخرج من رحم كتاب أبناء هذه المناطق اطلاقا, بل كل الذين كتبوا عنها هم أبناء المدينة الذين يسمعون بها ولربما يزورنها للنزهة أحياناً, لم يكن احد منهم ابن الهور ومحنته وأحلام البسطاء الفطريين فيه، وهذا ما يتضح جلياً بحكايات المسلسلات واللغة الجنوبية الهجينة التي يكتبها كتاب الدراما، والتي تترنح ما بين لغة الريف والبداوة، وهذا دليل واضح على انهم ليسوا أبناء هذه المناطق، وغير قادرين على تقديم واقعها بشكل حقيقي.

فضلا عن أن من كتبوا هذه المسلسلات، يكتبون بروح المتحضر الناقم على الريف، وتقاليد العشيرة التي يصفونها بلا شعور بالرجعية، لذلك أساء البعض من كتاب الدراما ممن حاولوا الدخول لعالم الجنوب، دون أن تكون رئتهم معبأة برائحة تلك المناطق بشكل يؤهلهم ليكونوا انعكاسا لواقعهم الجميل والمر أحياناً, وبشكل أو باخر فهم أساءوا للتاريخ الشعبي وتراث هذه المناطق وحقيقة الحياة فيها. ولنا أمثلة كثيرة من هذه المسلسلات التي سبق وأن انتقدناها ونبهنا صناع الدراما إلى ضرورة كتابة واقع هذه المناطق عبر احترام تاريخها وعدم المساس بها لضرورات درامية. هذا لا يعني أن فيها يكمن العدل والخير كله، لا بالتأكيد، لكن ليس بهذا السوء الذي تقدمه الدراما العراقية بمنهجية تخريبية، معلنة تتجدد كل مع سباق رمضان الدرامي؛ فالتوزان الدرامي في خلق صراع حقيقي في الكتابة يجعل المتلقي يفهم أن ليس كل زعيم قبيلة ظالم مثلا؛ فهنالك في القصة زعيم آخر لا يظلم عنده أحد، وهكذا, وإلا أنا اسأل سؤالا مهما: اعطوني مسلسلا دراميا واحداً على طول تاريخ الدراما العراقية، قدم شيخ العشيرة كما يجب، وكما هو في الحقيقة: الإنسان الحكيم، العادل الذي يفكر طويلا كي لا يظلم؟!

لماذا ما زالت تعشعش في رؤوسنا فلسفة الرقيب التي كانت توجه بضرورة أن يقدم ابن الريف إما مجرما أو عميلا وقاسيا، وجب قتله، أو مهرجا للضحك عليه على خشبات المسارح؟

 هل تحكم أماكن الريف فقط هذه الصراعات المستنسخة من الدراما الصعيدية؟

 هل فكر هؤلاء الكتاب يوما بمعالجة قضاياهم، مثلا الجانب السياسي والنضال في تلك المناطق وقضايا الحب والرصاص، بعيدا عن الإساءة لرموز العشيرة ورجالات الدين؟

 طبعا، للإنصاف باستثناء مسلسل (سنوات النار) و(امطار النار) اللذين كان فيهما هم حقيقي لأبرز تاريخ مهم من حياة الأهوار، أيام النضال السياسي فيه إبان حكم ((البعث)) للعراق.

ولكي أكون موضوعي في الطرح، أسجل هنا ملاحظاتي عن مسلسل احلام السنين، تأليف "شوقي كريم حسن"، وإخراج "علي ابو سيف"، وبطولة الكبير "محمود ابو العباس"، ومجموعة من الفنانين لصالح قناة (MBC عراق)، ورب سائل يسأل لماذا الآن التقييم، قبل ان تحط الحلقة الاخيرة اوزارها؟

 الجواب هو أن الكتاب واضح من عنوانه لذا أقول:

فيما يخص النص فمع كل احترامي لكاتب العمل إلا أني أرى فقرا واضحا للنص، فهو يعكس قصة مملة وفجة، اعتدنا على استنساخها من دراما الصعيد في مصر، والتي يكون فيها العمدة هو الظالم، وهو الناهي والآمر وسط صراعات كبيرة، إلا أن ما يميز دراما الصعيد تعدد الخطوط الدرامية في المسلسل، بعكس ما قدمه لنا مسلسل "أحلام السنين" الذي تدور أحداثه في فلك شيخ العشيرة وظلمه للناس, وهنا ووفقاً للدلالات الزمنية المفتوحة للمسلسل، فأن الكاتب وقع في إشكالية كبيرة كبقية من كتبوا عن هذه المناطق، بتقديم شيوخ العشائر كمحور شر وكأنما مخطط له في الدراما العراقية الإساءة لشيوخ العشائر وترسيخ تصور نمطي عنهم لدى المتلقي العراقي والعربي بانهم دعاة شر وظلم (لا حظ ولا بخت)، بلهجتنا العراقية الدارجة. فالشيخ هنا ظالم لا يحترم أبناء عشيرته، ولا رجال الدين حتى. ويمضي خلف نزعاته العدوانية ودائم التقريع للقاصي والداني بألفاظ غير محببة.

وهنا نسأل، أيضا، لماذا يسمى شيخ العشيرة بصاحب (البخت)؟

وعلينا هنا ايضاً ان نوضح:

 في الحقب الزمنية التي قصدها المسلسل، لا يتسلم المشيخة إلا أصحاب العقول الحكيمة وأغلبهم كانوا يطلق عليهم (فريضة)، تحل عنده كل المشاكل، فضلا عن أن السيد الذي ينتمي الى آل بيت النبوة (عليهم السلام)، أو رجل الدين يكون لدى الشيخ والقرية محط احترام وتقدير، ولا يسير خلف الشيخ في تلك الفترة، بل دائما ما يقدمه الشيخ عليه بالسير أو الأكل للتبرك به. والدليل أن نشب صراع ما بين قبيلة وأخرى حالما يخرج هو ببيرغه، يقف الرصاص، وهذا متداول الفعل حتى يومنا هذا. لو كان الزمن ما بعد التسعينات، لربما نقول أن السلطة منحت مشيخات لمن لا يستحقها، وبالتالي نعم هناك نوعية من هؤلاء الشيوخ. أما ذلك الزمن الذي قصده المسلسل، فهذا مستحيل، ومن يسمع بالشيوخ الاقطاعيين فليقتفي أثر حياتهم، فهم منحوا مقاطعات من الحكومة آنذاك لزراعتها، ولا يتعدى ظلمهم متابعة الجهد والعمل والتعب دون التدخل في حياة الناس الخاصة. إذن ماذا نكتشف هنا؟

 الجواب ببساطة:

الدراما العراقية في كل مرة تقدم شيوخ العشائر بطريقة معيبة جدا، لا تليق بهم وبتاريخهم. هذا لا ينفي وجود البعض منهم، قد أساء لمشيخته، لكن تتبعه جيداً، لا تجده ممن تولى المشيخة قديما بل من مشيخات الصدفة التي منحتها السلطة في التسعينات. وكنا نتمنى في كل مسلسل عن الأهوار، أن يعدل الكتاب كفة الميزان، ويطرح شخصيات ـ بالمقابل ـ مختلفة وهذا يعني أنها تعطي انطباعا عن أن ثمة شيخا حقيقيا وآخر لا، بدلا من النظر بعين واحدة وبأحكام مسبقة عن المشيخة والريف، لا تنسجم مع الواقع الحقيقي لهما.

وفي الحكاية الفاظ لا تنسجم مع الريف اطلاقاً، فابن الريف في الفترة الزمنية التي حددها الكاتب لا ينطق كلمة (انجب) وخاصة شيخ العشيرة لان كلمة (هوس او اش) كانت تكفي آنذاك لفرض هيبته، التي ترتعد منها القلوب هيبة وخوفاً، فهل هي خطط منهجية لتقزيم رموز المجتمع أمام المشاهد العربي؟

أين الكتاب عن أسماء عشائرية مهمة، قارعت الاحتلال العثماني والبريطاني، وكل الحكومات الطاغية على طول تاريخ العراق السياسي المضطرب؟

كما أني أطالب الكاتب بمراجعة موضوع القطار، لسببين؛ الأول، في الفترة الزمنية التي يتحدث عنها، لم يكن هناك قطار في مناطق الأهوار، إلا في القرى القريبة من المدن الكبيرة. كما أنه لم يطلق عليه عند أبناء الريف بكلمة قطار بل (الريل), والكثير الكثير من الكلمات والأجواء التي غابت عن مخيلة الكاتب، وهو معذور بذلك، لأنه ليس من مكة ليدري بشعابها. أما المرأة في الجنوب يا سيدي المؤلف، فلها احترامها الكبير، ولم تهن أي امرأة في تاريخ الجنوب كله في مضيف، كما قدمتها حضرتك، أو تجلس في مضيف بفصل. المرأة لها مكانتها وحشمتها, وأدعوك إلى زيارة الجنوب والعيش فيه لتتعرف إلى نسوة نعدهن علامات بارزة في تاريخ الجنوب والريف، فلماذا كل هذا التقزيم في الدراما العراقية، دوما لرموز الجنوب؟!

فأي رسالة تريدون ان تبروقها للآخر عن المستوى الموهوم الذي تطرحونه عن جنوبنا الاصيل؟!

وهل تعرف يا سيدي الكاتب مدى التضحيات التي قدمها الجنوب وأبناء الأهوار أيام ((البعث)) وأيضا في ملاحم الدفاع عن العراق بمواجهة ((داعش))؟!

 ولو أنصت أحدكم قليلا خلال التصوير لاستمع الى الأنين الموجع الذي كان ينساب من بيوتات الطين التي ودعت أحبتها شهداء. أما الإخراج فمع كل تقديري واحترامي لمخرج العمل، إلا أني وجدت الكثير من الهفوات التي لم تخلق المتعة والفرجة الجمالية لدى المتلقي، وهو يشاهد عملا دراميا، لم يأت بجديد في الإيقاع والصورة؛ ففي عالمنا العربي بات اليوم كل مخرج له لون خاص في الإخراج، وبتنا نعرف هؤلاء المخرجين من المشاهد الأولى، حتى وإن لم نقرأ أسماءهم في تتر المسلسلات. هذا لأن المخرج العربي اجتهد كثيراً في أن يضع له بصمة بصرية في إخراج الصورة للناس، حتى أنك ترى في كل مشهد من أي مسلسل عربي صورة جمالية أو لوحة بصرية، تم الاعتناء بفضائها، لينسجم مع الأداء وعمق الحوار. وهذا ما يغيب عن معظم مخرجينا العراقيين (للأسف). طبعاً باستثناء المخرج الراحل "عدنان ابراهيم" والمخرج المتجدد "حسن حسني"، فلهما خطان واضحان في الإخراج، يميزهما عن أقرانهم المخرجين. وهنا لا بد أن أوضح المشاكل التي وقع فيها المخرج بعين المتلقي البسيط:

- غياب تام لملامح المخرج في عملية الإخراج بصورة عامة؛

- رتابة في إيقاع التصوير تصل إلى حد التعب وأنت تشاهد العمل؛

- فقر تام في المعالجة الإخراجية وخير دليل إخراج مشهد الحريق في الحلقة الأولى مشهد أكل الدهر وشرب عليه؛

- المشاهد صورت بتكرارية مملة، ألفها المشاهد العراقي في أعمال كثيرة أخرى؛

- المشاهد بدت ميتة، لا تنبض بتقنية الصورة، وجمالية المكان ومتعة الأداء؛

- غياب تام لسلطة المخرج على أداء الممثلين وتفاعلهم مع النص وترك الحبل على اجتهاد الممثل، ما أضر بالعمل بشكل كبير؛

- الاستلام والتسليم بين الممثلين في لقطات المسلسل، لم تحمل البساطة والانسجام، وكان الممثل يقول كلمته وكفى أو قل غياب الـ(Mix) في الحوارات، مما يجعلك تشعر أنك في دبلجة عراقية سيئة؛

- اهتم المخرج بحكاية العمل ولم يهتم بتفاصيل العمل وفضائه العام، فلم يظهر لنا جمالية المكان أو حياة الناس، إنما اقحمنا مباشرة بالدم والنار والحقد والكراهية، وهو خطأ مشترك، يقع على الكاتب والمخرج معاً.

- لم يستطع المخرج، الوصول للواقع حتى في اللهجة المستخدمة في الحوار؛ ففي الأعمال المصرية تجد مختصين في اللغة الصعيدية يتابعون ويوقفون مشاهد، ويعيدون لقطات على خطأ واحد، وهذا غائب تماما في العمل، ولم يتقن كادر العمل اللهجة باستثناء كل من (محمود ابو العباس – انعام الربيعي – حسين حجاج)، أما الآخرون فكانت اللهجة لديهم تترنح ما بين البداوة والحضر.

خلاصة القول..

تواجد قامات إبداعية كبيرة يتلهف لرؤيتها المشاهد العراقي في الدراما كأمثال الكبير "محمود ابو العباس" وثلة من المبدعين الآخرين ومجموعة من الشباب المبدع الذين فتحت الأبواب لهم مؤخرا ونتمنى لهم التوفيق. لم يعصم العمل من الوقوع في حقل من الأخطاء الملغومة التي ذكرناها, لذا كان على القناة وهي خطابها (عراقي – عربي) أن تنتج أعمالاً ترقى للمشاهد العربي كتابة وإخراجاً لتكون علامة بارزة بين النتاجات العربية الأخرى، بدلا من أعمال رمضان التي بينت ثمة عقم واضح المعالم في تجديد الرؤيا الدرامية لدى القناة. كما على الكتاب أن يغادروا التعريق الدرامي أو الإساءة للبنية المجتمعية فيما يخص دراما الريف لأن الضرورات الدرامية، لا تبيح لك المحظورات العرفية، وتشويه تاريخ كبير من الطيبة والفطرة والمواقف والبطولة والشهادة في مناطق الريف، إلا أن تعدل في إبراز الخير والشر بمستوى واحد من الشخوص كما ذكرنا آنفاً. أما المخرجون فيجب أن يكونوا على قدر عال من التحدي في عملية إخراج عمل ما. أما أن يضاهي النتاجات العربية الدرامية، أو الجلوس على التل أسلم.

يا سادة ... إن البنية الاجتماعية العراقية في شتى بقاع العراق في الريف والمدينة في الجبل أو السهل وأيضا الدراما العراقية، كلها معادلات غير خاضعة للمغامرة غير المحسوبة، أما أن تكون حقيقيا أو أن تكون كلماتك خيطا من زيف، استغل في معادلة خفية للإساءة.

للأسف حلمنا كثيراً بــ(احلام السنين) لكنها كانت الأحلام التي أضاعت حلم أهم من كل هذه الأحلام والتمنيات، ألا وهو إنتاج عمل درامي يليق بالأهوار, لذا نجدد دعوتنا التي اطلقناها سابقا بضرورة وجود لجان في المحافظات لقراءة النصوص قبل أن تدور عجلة التصوير فيها، لتلافي الإساءة لتاريخ هذه المدن. وأقولها ـ بصراحة ـ لصناع الدراما ـ كتابا ومخرجين وجهات إنتاج ـ كفى تشويها للجنوب وأبناء الجنوب بهذه السموم المسماة دراما.