حوار مع مبدع

 محمد قارصلي .. نحن لا نملك ثقافة بصرية

محمد قارصلي .. نحن لا نملك ثقافة بصرية

1968 مشاهدة

 " محمد  قارصلي" .. نحن لا نملك ثقافة بصرية

ملحق  الثورة الثقافي
29/12/2009
حوار: أنور بدر

ثلاثون فيلماً وثائقياً تحت عنوان «مقامات الشام» نفذها  الدكتور "محمد قارصلي" معداً ومخرجاً بحرفية سينمائية،  استطاعت أن  تشدنا إلى متابعتها أو أن تعيدنا إلى جماليات السينما الوثائقية والأفلام التسجيلية  التي كادت أن تغيب عن مجال متابعتنا واهتماماتنا الفنية والسينمائية في زحمة  الانشغال بالدراما التلفزيونية، وغياب الثقافة البصرية التي تشتغل على الواقع أو  عناصره من أجل إعادة إنتاج الجماليات البصرية. وربما يكون هذا أحد أهم دوافعنا  للقاء "الدكتور قارصلي" معد ومخرج هذه السلسلة الوثائقية من الأفلام، علماً بأنه سبق  وأنجز كمخرج أكثر من مائة فيلم سينمائي قصير ومتوسط وطويل حتى تاريخه، إضافة إلى  مسلسلات تلفزيونية وثائقية وروائية، كما أخرج أكثر من عشرة عروض مسرحية، وله قرابة  خمسة وأربعين نصاً درامياً ما بين المسرح والسينما والتلفزيون. وقد حازت أعماله  المسرحية والسينمائية العديد من الجوائز التقديرية سواء في حقلي التأليف الدرامي أو  الإخراج.‏

 د.قارصلي أرجو  أن تعطينا فكرة عن أفلامك «مقامات الشام»؟‏

••  المقام  بالدرجة الأولى هو الضريح الذي يقام لشخصية اعتبارية دينية أو سياسية أو عسكرية،  لذلك نلاحظ أننا في هذه السلسلة لم نتوقف عند المقامات الدينية الشائعة في مجتمعنا  فقط، بل بحثنا عن مقامات أخرى ذات قيمة سياسية أو عمرانية أو عسكرية.‏

وكان المقام  بالنسبة إلينا هو المدخل للحديث عن هذه الشخصية وعن عصرها وما حققته على كافة  الصعد، فعلى سبيل المثال لا يمكن مناقشة "صلاح الدين الأيوبي" كعالم دين، بل كعسكري  ولاحقاً كسياسي بارز أسس دولة قوية، بل ربما كانت من أقوى الدول في عصرها، إذ  استطاعت أن تقف في وجه الاجتياح الصليبي للمنطقة.‏

كذلك كان "عمر بن  عبد العزيز" بالنسبة إلينا شخصية سياسية وإصلاحية أكثر من كونه مجرد خليفة أو رأس  الدولة الأموية لفترة من الزمن. فكثير من الخلفاء مرّوا دون أن يتركوا بصمة في  التاريخ. والبصمة الإصلاحية "لعمر بن عبد العزيز" هي التي دفعتنا لاختيار هذا المقام  كمفتاح للحوار حولها وحول عصرها. ولدينا نماذج أخرى كمقام «النبي هابيل» مثلاً،  تكتسب أهميتها من اعتبارها توثيقاً لأول جريمة في تاريخ البشرية، وأول ندم سجله هذا  التاريخ أيضاً.‏

 ربما لا نستطيع  الآن الحديث عن أهمية كل فيلم من هذه السلسلة، لكننا نشير إلى نمط آخر من الأهمية  التي بدأت تكتسبها هكذا أماكن في كل أنحاء العالم، وأقصد ما يتعلق منها بالسياحة  الدينية، وأعتقد جازماً أن هكذا أفلام وثائقية يمكن أن تروج لهذه السياحة الدينية،  التي تبدي الدولة مؤخراً اهتماماً ملحوظاً بها.‏

 بعض الشخصيات  كانت إشكالية في التاريخ الإسلامي، كيف تجاوزتم هكذا عقبات؟‏

 •• بداية كنا  مهتمين بالجدل الذي يثار دائماً حول هذه الشخصيات بالمعنى التاريخي، فما سبب إقامة  أربعة أضرحة للخليفة "عمر بن عبد العزيز" مثلاً؟ وكيف يفخر الناس بوجود حاكم عادل  ونظيف مثله؟ وقد كنا حريصين في تتبع مسارات هذا الجدل كأن نأخذ جميع وجهات النظر،  فاستضفنا باحثاً تاريخياً، إلى جانب الباحث الإسلامي، كما استضفنا في بعض الحالات  مختصين في فن العمارة أو الفن الزخرفي لإظهار القيمة الجمالية والفنية لبعض  المقامات.‏

كما حاولنا أن  نستعرض كل القراءات الممكنة للشخصيات التي تحتمل أكثر من قراءة، ففي مقامات «الباب  الصغير» أو مقامات «آل البيت» كان لدينا أكثر من باحث تاريخي وإسلامي، تحدثوا  جميعهم عن أهمية هذه الشخصيات بالنسبة إلى الإسلام عموماً وإلى كافة المسلمين  أيضاً.‏

 لماذا اخترت  صيغة الأفلام الوثائقية، في حين تتجه أغلب المحطات التلفزيونية إلى صيغة البرامج  الحوارية أو الدعاوية؟‏

 •• الفكرة في  البداية كانت فكرة برنامج تلفزيوني يُسجل في الأستوديو، لكنني ونظراً لأهمية هذا  الموضوع، ولانتشار العديد من البرامج الحوارية الجافة، قررت أن أحولها إلى مجموعة  أفلام وثائقية، والفيلم الوثائقي كأي فيلم آخر يحمل بنيته الدرامية وقيمته الجمالية  أيضاً، وقد سعينا لإضافة عنصر طرافة إلى هذه الأفلام للخروج من جمود المادة  التاريخية، إذ استخدمنا في كل فيلم مقدماً له، هو طالب "أجنبي" يدرس "اللغة العربية" في   "سوريا"، وكأننا بذلك نقول: انظروا إلى هذا الموضوع من وجهة نظر إنسان يكتشف آثارنا  وأوابدنا ومقومات حضارتنا حتى تفاصيل نسيجنا الاجتماعي المعاصر.‏

 

 ولكن الأفلام  الوثائقية لا تلقى ترويجاً إعلامياً، ولا إقبالاً ضمن وسائط الاتصال البصرية؟‏

 •• لأننا لا  نملك ثقافة بصرية بكل أسف، ولم نعتد مشاهدة الأفلام القصيرة، أو متابعتها إلا على  هامش العروض السينمائية قي دور العرض والصالات التي كادت تنقرض في "سوريا"، ومعها  افتقد مواطننا أي علاقة ممكنة بالأفلام الوثائقية، حتى القنوات الرسمية التي كان  يفترض بها أن تشكل بديلاً بهذا الصدد أو أن تسد هذه الثغرة في ثقافتنا، نلاحظ بكل  أسف أنها لا تفرد مساحة لهذه الأفلام.‏

من هنا يزداد  اعتقادي بأن هذه السلسلة من الأفلام قد تساهم في استعادة جمهور كدنا نفقده، في  استعادة ثقافة بصرية كادت تتوارى تحت وطأة الأعمال الدرامية التي تشغل مشاهدنا في  أغلب الأوقات، مع أن المسلسلات الرديئة تأخذ ذلك المشاهد في واقع افتراضي أو متخيل،  بينما هذه الأفلام الوثائقية تصور الواقع وتضيء مظاهر منه قد لا نتوقف عندها في  كثير من الحالات، خاصة وأنها تنقل هذا الواقع لنا بطريقة فنية.‏

ودعني أستطرد من  مثال شاهدته مؤخراً على قناة «الجزيرة الوثائقية» وهو سلسلة أفلام بعنوان «على طريق  النولدز» التي تحكي عن أنواع المعكرونة في شتى أنحاء العالم، لكنها من خلال هذه  المادة تلقي تلك الأفلام الضوء على ثقافة وعادات وتقاليد وتاريخ كل بلد من هذه  البلدان، المدهش أنني تقدمت بفكرة مشابهة تتعلق بصناعة «الخبز» في "سوريا"، حتى قبل  أن أشاهد «على طريق النولدز» حيث يوجد في كل منطقة من سوريا خبز خاص بها، وطريقة  إعداد خاصة أيضاً، وهذا يعكس تنوع أساليب الحياة في المناطق "السورية"، لكن أحداً لم  يهتم للموضوع.‏

من هنا نقول  إننا اعتدنا مشاهدة الفيلم الوثائقي فقط على هامش العروض السينمائية، وليس كفن قائم  بذاته، وما زال الفيلم الوثائقي في عالمنا العربي يعامل كشيء نافل أو غير ضروري،  وهذا انعكس بالطبع على تمويل هذه الأفلام، فالجهات المنتجة سواء كانت رسمية أم خاصة  لا تمول هذه النوعية من الأفلام إلا بالحد الأدنى، بينما العالم المتطور صناعياً  بات يستخدم الأفلام الوثائقية ليس فقط لأهداف معرفية أو ثقافية، بل لأهداف تعليمية  وإرشادية وتوعوية في كافة مجالات الحياة.‏

 مثال آخر يحضرني  الآن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تكتشف وجود عشرات الأفلام الروائية  والمسلسلات الدرامية التي اشتغلت عليها كموضوع، لكننا بكل أسف لا نجد  إلا القليل من  الأفلام الوثائقية التي تهتم بهذه القضية، وإن وجدت فهي غالباً ما تكون بدعم أو  تمويل خارجي، مع أن الوقائع التي يمكن رصدها في أي مخيم للاجئين "الفلسطينيين"، أو  الحالات المعروفة للأسرى أو الشهداء والمعوقين نتيجة القصف والغارات "الإسرائيلية"،  وانعكاس كل ذلك على حيوات الكثير من الأسر، هو برأيي أهم وأشد تأثيراً من أي متخيل  يمكن فذلكته عن هذه القضية.‏

 كيف استطعت أن  توظف التقنيات السينمائية في عملك بأدوات تلفزيونية؟‏

••  لكل فيلم  روائي أو وثائقي توجد لغة أو منظومة جمالية تحمل الفيلم، وقد حاولت في هذه السلسلة »مقامات الشام» أن أشتغل على لغة خاصة بها، وهذه اللغة تدخل في كافة التقنيات  المستخدمة سينمائياً، رغم أنها نُفذت بتقنيات تلفزيونية، فأسلوب المعالجة  السينمائية أضفى على هذه الأفلام الصفة الفنية، وهذا أيضاً انعكس في شكل المعالجة  والموسيقا التصويرية، كما انعكس في التصوير المتميز وفي البناء المونتاجي  والإيقاعي، وكل هذا بفضل فريق إبداعي شارك في صنع وإنجاح هذه السلسلة، وفي جميع  الأفلام التي بلغت الثلاثين، رغم أن كل فيلم منها له ما يميزه جمالياً وفنياً، بحسب  الموضوع أو الشخصيات المستضافة، وصولاً إلى مواقع التصوير.‏

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية