مواضيع للحوار

المعالجة الإخراجية لثنائية الحب والكراهية في العرض المسرحي

المعالجة الإخراجية لثنائية الحب والكراهية في العرض المسرحي

2408 مشاهدة

المعالجة الإخراجية لثنائية الحب والكراهية في العرض المسرحي

الفصل الثالث والرابع

أ . عباس عبد الغني

 

 

الفصل الثالث

 

1  مجتمع البحث : يشمل مجتمع البحث المخرجين والمؤلفين اللذين اشتملت على عروض مسرحية عالجوا عبرها ثنائية الحب والكراهية وهذه العروض قدمت   في مدينة الموصل وهم عينة البحث نفسها .

 

2 – عينة البحث : -    1 – مسرحية ( من ..ممن.. ولماذا؟ )

تأليف رعد فاضل

إخراج د. جلال جميل

 

2– مسرحية ( المغول )

تأليف د . عماد الدين خليل

إخراج : غانم ألعبيدي .

 

3-:- مسرحية (انتقام..هاملت)

تأليف وليم شكسبير

إعداد وإخراج  عباس عبد الغني.

 

3 – أداة البحث : اعتمد الباحث على المشاهدة والملاحظة من خلال الأقراص الليزرية وماكتب من نقود في الصحف والمجلات  و المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري .

وكان المعيار الذي اعتمده الباحث في التحليل هو:

1:- النص.

2:- الديكور.

3:- الإضاءة.

4:- الممثل.

5:- الموسيقى.

 

4 – منهج البحث : أعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي في تحليل عيناته.

 

5 – تحليل العينات :

العينة رقم (1)

مسرحية ( من..ممن..ولماذا؟)

تأليف رعد فاضل (1)

إخراج د. جلال جميل (2)

 

فكرة العرض:-

تتمحور الفكرة التي أنطلق منها العرض في مخاطبته للذائقة الإنسانية من مفهوم المشاركة التي دعا إليها المؤلف  داعيا المتلقين لمشاركته همه الذي أطاح بكيانه الإنساني  شاطراً إياه إلى شطرين , الأول إنسان والآخر دمية يتناوبان الحوار ويتجاذبانه فتدور بينهما حوارات عدة تتآلف حيناً وتتناهض حيناً آخر في لمسات شعرية حوارية تنتهي بدعوة الشخصية للمتلقي أن يتبادلا المواقع ليؤمن المتلقي بما تعانيه الشخصية في أعماقها جراء مايحصل على أرضه من مآسِ كان الخاسر الأكبر فيها الشخصية نفسها التي اعتلجت بداخلها مشاعر الحب والكراهية ...انه الإنسان.

التحليل:

أسس المخرج العرض ضمن وعي معرفي التمس فيه الجوانب السردية التي خاطب عبرها المتلقي , مقسماً هذه الحوارات التي الفت العرض إلى ثنائية كان بطلها الحب والكراهية , فالحب أسر قلب الشخصية اليتيمة في العرض لأنه خاطب المتلقين بلون معادل لما يخاطب به الأخير صنوف المآسي التي يتعرض لها كل يوم  في مشهد يحمل الكراهية حيناً والحب حيناً آخر , فالعرض احتوى على هذه الثنائية من الحب والكراهية المتحولة في نسبتها ضمن محتوى جمالي يخدم الرؤية الإخراجية التي جعلت من الخشبة شبكةً كبيرةً اعتلجت فيها أفعال عدة لملمت من المنظور الإنساني في المجتمع لتعيد تأطيره في وحي من الفاعلية الإنسانية , لقد كان العرض على وعي تام بأن ثنائية الحب والكراهية ظواهر ثقافية مكتسبة  ونابعة من موروث ميثيولوجي بغض النظر عن الثقافة التي ينتمي لها المجتمع , هذا الوعي خاطب المتلقي بقصيدة الحوار المعتمد على المستعمرة الجسدية تارةً , وبعقيدة الحوار القائم على الصمت تارة أخرى .

إن ولادة الكراهية لدى الشخصية جاءت من نظرته للسلطة التي افترش تحت لواءها ,قيدت حركته محولة إياه إلى دمية أصبحت شطره الأول والشطر الآخر الإنسان نفسه هاذين الشطرين ناقض احدهما الآخر كما يناقض الحب الكراهية  مع الأخذ بنظر الاعتبار قانون تبادل الأدوار الذي جعله المخرج ميتوفا3 للشخصية على طول العرض .

انبثقت لدى المخرج أهداف عدة التمست تحقيق الحب وجعله المنتصر لأنه ابتعد عن أي جانب نفعي , فالشخصية وثقت كل مدلولاتها المشفرة بان يكو ن الفرد بموضع المواجهة يوما ما , هذا الفرد ربما سيكون الشخصية نفسها التي على الخشبة ,فعملية التكرار التي خاطب بها الشطر الثاني من الشخصية (الدمية) المتلقين جعل الفضاء المتباين للشخصية يعكس المبرر للكراهية التي خلقت في نفسه النظرة السلبية للمجتمع وفي الوقت نفسه صاغ المخرج بصورة انزياحية الحب في الشخصية الإنسانية التي مثلت الشطر الأول للشخصية باعتبار أن الحب لايولد إلا في كينونة إنسانية , وان الدمية مهما احتوت على عناصر الجمال فلا يمكنها أن تحتوي العناصر المعقدة التي تؤلف الحب والكراهية معا , بل جعل الدمية محتويه على الكراهية عبر لغة التخاطب التي حملت مشاعر من الحقد والضغينة  أصبحت محصلة للكراهية فيما بعد , ومن الطبيعي أن يكو هناك ديالكتيك ممتع بين الشخصية نفسها التي جمعت بجسدها الدمية والإنسان معاً.

المخرج  كان على وعي في الجانب المتمثل بالشِعْر والذي وضع على عاتقه وبشكل واعٍ بان الشعر ليس هو الواقع حتى وان استخدمت أحيانا المباشرة في دعوته للمشاركة بآلامه التي جسدها الممثل تلك أللآلام التي لم تكن مغيبة عن تمرد ملاقح لدور ديناميكي .كأنه يحمل صخرة سيزيف من اجل أن يحول الحياة من سكونيتها إلى ديناميكيتها.
يتحدث الممثل عن إمكانية أن يشاركه المتلقي الذي جاء ليتلقى فعلا بصريا معيناً في تجربة أصبحت كعادة روتينيه في حياة البشر ,دعوته كانت أن لايكتفي المتلقي بالتلقي فحسب بل دعاهم للمشاركة في الآلام التي تورق الممثل الذي اوجد نفسه ليكون المتلقي فلولا الممثل لما كان المتلقي يتخلص من روتينه الذي أصبح من مجمل سردياته التي تتلمذ عليها في حياة اكتملت بلوعة المرارة المجة.
إن صراع ثنائية (الحب والكراهية) في العرض عبرت  عن الفكرة التي مفادها أنه من الضروري خلق لغة مسرحية ذات لون جديد تشترك فيها جميع الوسائل الفنية والدرامية ليؤكد العرض انه انطباع رؤيوي مزج بين الممثل الذي انشطر إلى وجهين لعملة واحدة خالقاً الفضاء الإبداعي في تشكيل بصري .
إن الأفكار في العرض تحولت إلى صور ملموسة فالأفكار مهما كانت بديعة ، ومهما كانت عظيمة : فإنها لا تُنَال قيمتها الحقيقية إلا إذا انتقلتْ من حَيِّز الفكر المجرَّد إلى حَيِّز الواقع المَلْمُوْس ، حيث تُصْبح حقيقة يَسْتَفيد منها من يَحْتَاجها ، فالأفكار لا تُرَاد لنفسها ، بل لما يَنْتُج عنها من الثمار .
اندمج الممثل بالتشكيل السينوغرافي الذي صممه المخرج في أيقونة منفردة حاكت مستويين :
المستوى الأول :تشكيل الممثل بإظهار البراعة المستترة فيه .
المستوى الثاني:جماليات حركة التشكيل في الفضاء المسرحي .
فقد جسد لونين من الشخوص تباينت تداعياتهما ليكشف عن سياق حيوي جمالي ذا معنى تراجيدي انفلقت منه أفعال عاطفية وعقلانية متمارية منها إشارات الفعل المسرحي السمعبصري لكن المايك(4) خذل الممثل في أن يحافظ على هدوءه ليبدأ بالصراخ في مناطق استدعت أن يحتفظ بهدوئه ولعل السبب يرجع إلى قصور واضح في المعالجة الإخراجية التي لم تؤد  وظيفتها في الوجه المعتاد. فبذلك ظهرت الكراهية بقوة كان من المفروض أن لايعتمدها المخرج عبر الصراخ الذي جعل المتلقي في حالة شعورية لاتتعاطف مع الممثل الذي سيطرت عليه الملاحظات الأدائية الغير مدروسة من لدن مخرج العرض,
أثث مخرج العرض  المكان بشبكة اوحت بإشارات موتيفية عدة شكلت فعلاً غير متناغم مع الفعل المسرحي وتصميمات الإضاءة التي تسربلت من الخيوط التي أثثت الخشبة لتوحي أن هناك بروقاً عدة للنور الذي يتنقل في نفوسنا ليعبر عن ماهية كل لون فينعكس على النفس البشرية فيحررها من انعتاقها المثبط للمعرفة الحسية.وهذا جعل المتلقي في حالة شعورية تنم عن كراهية للوضع
استخدمت الموسيقى كلون منطلق من الجانب الشعبي للحدث فالعود أوحى بطقسية المكان العراقي الذي امتلأ بالعاطفة.
إن العرض حمل ثنائيتان تجسدتا في الحب والكراهية الحب الممزوج بلوعة العاطفة لهذا الوطن الذي أصبح ثمرة سهلة للاحتلال ومن ثم الكراهية التي تصدرت حوارات الشخصية التي انطلقت لتفصح عن ماهيتها التي تضمخت بلوعة السكوت الطويل .

 

2: مسرحية ( المغول )(5)

تأليف : د . عماد الدين خليل (6)

إخراج : غانم ألعبيدي (7)

 

فكرة العرض : - تتأسس فكرة العرض على القصة المشهورة التي تستند على الغزو المغولي للموصل , حيث تستهل المسرحية باجتماع ( الملك الصالح )بـ(شهاب الدين ) و     ( علم الدين ) ليطلب منهم المشورة ويخبرهم بقراره النهائي المتمثل بمواجهة                  ( المغول ) , وبأنه سيذهب بنفسه إلى المماليك ليطلب منهم العون والدعم , ويجد الدعم لرأيه من ( علم الدين ) لكن ( شهاب الدين ) يعارض هذا التوجيه باعتبار أن عليهم أن يتعضوا من كل الإحداث التي وقعت  على كل من واجه المغول , لكن إصرار ( الملك الصالح ) على المواجهة يدفعه للذهاب إلى ( مصر ) ليطلب العون من المماليك , ويستمر حصار المغول للموصل أياما عدة , ويرجع ( الملك الصالح ) بعد أن أخذ وعداً من ( الظاهر بيبرس ) بالدعم لجيش الموصل ضد المغول وينتظر الجميع المدد لكن المغول يتمكنون من اختطاف ولد       ( الملك الصالح ) , كرهينة وبعدها يذهب إليهم  ( الملك الصالح ) ليطلع على شروطهم , ويأخذ منهم عهداً أن يتركوا المدينة بسلام عند دخولهم لها وخاصة بعد علم ( الملك الصالح ) أن المدد من جيش مصر قد لاقى عدواً في الطريق فاشتبك معه بمعركة حامية الوطيس ويعد ( المغول ) الملك الصالح لكن لا عهد عند المغول فيدخلون الموصل ويقتلون أبناءها ويستبيحون نساءها لتسعة أيام متواصلة ويشطرون أبن ( الملك الصالح ) شطرين , ويقتلون الملك الصالح شر قتلة .

التحليل : - حاكى المخرج النص الدرامي محولاً إياه إلى عرض أخذاً بنظر الاعتبار الدقة التاريخية في انتقاء الشكل المبني على المضمون , فجاء العرض محتوياً لكل التفاصيل التي أضاءت الجو السائد في الموصل حينها , منطلقاً من تفصيل محوري على أهمية الأخذ بنظر الاعتبار أن الأعداء لا عهد لهم فلا ينبغي للمسلم أن يثق بعدوه الذي نكل به لمرات عدة , فكما هو معروف أن المغول قد نقضوا العهود لدى غزوهم لدمشق وبغداد , فكيف إذ دخلوا    ( الموصل ) ويبين العرض الدرس الأخلاقي الهام في تنشئة الفرد حين بث الكراهية في  الفرد لعدوه كما ألزمه محبة و ضرورة أن يكون متنبهاً من عدوه وأن يعد العدة والعدد , يقول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاُ يلْدَغ المؤمن من جحْرٍ مَرتين) وقد اقترب المخرج في تجسيده للنص إلى عرضه بالطريقة التقليدية ( الاستانسلافسكية ) حيث نلمس في العرض تأثيرات مباشرة للبناء التقليدي الذي بدا واضحاً إلا من عدم التصاعد في وتيرة الحدث فأصبح الممثلون مغيبون عن الحدث وكأن الإحداث تسير في واد والممثلون في واد أخر , لكن تركيز المخرج جاء ليؤكد على الواقعة التاريخية وأهميتها في اقتباس الدروس الأخلاقية والوعظية , فالتركيب البنائي للنص ألقى بظلاله على العرض ليؤكد بأنه على الفرد تقع مهمة التفكير المنطقي والاستدلالي والاستنباطي لمقدرات الأمور فلا يجاري شيئاً إلا وكان هذا الشي في الصالح العام أولاً ليضمن وبكل وضوح أن لا تقع عليه وعلى المجتمع أي مكروه , فقرار ( الملك الصالح ) جاء في بادئ العرض ليؤكد أن المواجهة هي الحل السليم لهذا الوضع وبهذا أنطلق إلى مصر لطلب النجدة , لكن طول فترة الحصار والتأثير السلبي لهذا الحصار الاقتصادي على نفوس المسلمين في الموصل الصغيرة أرسى بظلاله على الوضع العام للمدينة وبهذا كان لهذا التأثير أضعافاً لمعنويات الناس داخل المدينة وبالتالي التأثير على عملية وقوفهم في وجه المغول و ودفع ذلك إلى أن يغير( الملك الصالح ) من قراره ليذهب المغول ويقابل ( صندغون ) قائد جيش المغول ويفاوضه مقابل فك الحصار على المدينة لكن ثمن ذلك كان دخول المغول المدينة , ويأخذ ( الملك الصالح ) عهداً  من المغول بأن لا يدنسوا المدينة ولا يمسوا أهلها بسوء , ويتفق الطرفان على ذلك , وحين دخول المغول إلى الموصل , يعيثون في الأرض فساداً فلا تأخذهم لومة لائم في عملية استباحة وقتل مستمرة ولتسعة أيام متواصلة تنتهي بقتل الملك الصالح .

أن الجانب الأخلاقي في هذا العرض جاء ليؤكد أن المواجهة كانت هي الحل الفيصل لهذا الأمر وأن التمسك بحبل الله هو الحل الوحيد لتثبيت القلوب على الوحدة , وضرورة خلق الحب بين صفوف الجيش لبعضهم البعض واعز مهم للمواجهة وخلق الكراهية للعدو سبب مهم لدحر المغول, فالعرض هنا قدم أجوبة متواصلة تثير القلق تارة لكنها تمنح سعادة الاكتشاف واعتماد المخرج على هذا الفكر الذي طرحه المؤلف عبر الحقائق التاريخية منحه القدرة على أن يكون مفكراً  داخل العمل الفني فجاء الوصول إلى هدف المسرحية سهلاً وواضحاً لا ينتابه أي ضرب من الغموض , كما أنه قدم العاطفة وشفافية الروح مزاوجاً بين الفكر والعقل وجذوة الروح ليجعل المسرح في منآى عن أن يكون متحفاً للشمع بل جعله لفيفاً لعواطف عدة كان بطلاها الحب والكراهية.

لقد بين المخرج عبر معالجته للعرض إن الجانب ألحميمي الذي يخلق المحبة جاء متوافقا مع التقارب الذي أسسه الممثلون بعضهم مع بعض , في حين كانت الإضاءة الفيضية لولباً مميزاً لوأد الكراهية بين أبناء الموصل الذين كان همهم الأول هو مجابهة المغول ,فجاءت اغلب الإضاءة فيضية لتنير ما غار في داخل النفس البشرية التي خشيت الظلام خشيتها للمغول المتاخمين على أسوار الموصل, في حين لعب الديكور بإضفاء الصفة التاريخية الطرازية على العرض بائتلافه مع الزي الذي جسد الشخوص وحملها معالم الصيرورة التي تكاتفت لتكون يداً واحدة بوجه المحتل.

المعالجة الإخراجية لثنائية الحب والكراهية في العرض انطلقت من ثلاث مستويات:

1:- المستوى التعبوي للفرد .

2:- المستوى الديني.

3:- المستوى العقائدي.

فالمستوى الأول بث العزيمة في نفس الفرد عبر تثقيفه واطلاعه على ما يبتغيه المغول والشيء الذي سيحدث لو أنهم دخلوا أسوار نينوى. في حين سيطر المستوى الثاني على الجانب الديني الذي أكد على ضرورة الدفاع عن الأرض إن داهمها الغزاة وهنا جاءت محبة الفرد لوطنه بفعل كبير خلقت كراهية للمحتل وبالتالي ولدت  لديه دافعا لمواجهة الغزاة, والمستوى الثالث إكمال للمستوى الثاني في تثبيت الجانب العقائدي الذي يعد بناءً مكملاً للمستويين وبالتالي فأن المعالجة الإخراجية للمستويات الثلاثة وضحها المخرج عبر الديكور والإضاءة ومن ثم الموسيقى جاعلا الممثل المتسيد على هذه العناصر , إلا أن القصور الواضح  في المعالجة بدا واضحاً  عبر تقسيم مساحة المسرح لتعرض الفعل بجوانبه المتعددة فالتركيز كان على وسط المسرح في حين أن استثمار المساحة بكاملها كان من الممكن أن يخلق حميمية بين الناس الذين اكتضت بهم الخشبة داعين إلى المواجهة فالتوزيع للمجموعات جاء عشوائياً مما خلخل التركيبة التي بدأ بها العرض في بث الحب الذي يوحد المجاميع ويخلق القوة في قلوبهم عبر المستويات الثلاثة التي اعتمدها المخرج في معالجته .

 

مسرحية انتقام هام...لت.(8)

تأليف :(وليم شكسبير)

إعداد وإخراج:- عباس عبد الغني.(9)

 

فكرة العرض:

الحب والكراهية ثنائيتان متلازمتان في مسرحية (هاملت) الحب للسلطة والكراهية للزوج الذي وهب وبكل محبة السلطة وما فيها لهذه الزوجة المكونة من ولد اسمه هاملت وزوجة اسمها (جرتولد) تبدأ المسرحية بهبوط شبح الملك على الحرس الذين يحرسون القصر الملكي  وتصلهم إشارة منه انه يود أخبارهم بشيء مهم وهنا ينقل الحرس الخبر للأمير هاملت الذي سرعان ما يكون في مكان الحدث وفي ليلة من الليالي الطويلة يظهر له شبح أبيه ليخبره بمقتله على يد أخيه وزوجته وهنا يقع الخبر وقع الصاعقة على هاملت الذي يبدأ بعد العدة للمواجهة وهنا يبدأ بالتحضير لمسرحية تحوي نفس الأحداث من مقتل ملك على يد أخيه وبمشاركة زوجة الملك التي تخون عهدها للملك وبالفعل يكتشف صحة ما قاله الشبح وهنا تبدأ المواجهة لينتقم من قتلة أبيه ويحول حبه لأوفيليا إلى كراهية مطلقة ليغدو انتقامه مليئاً بالعنف  حتى تصل النتائج إلى انه يموت بسبب انتقامه.

التحليل:

ثنائية الحب والكراهية اشتغل عليها (المخرج) في معالجته للعرض لما تحمله من معان عدة في ثناياها , كما التمس عبر النص ثنايا متعددة للحب منها طرفي المحبة المتواصل المنقطع والمتجسد بشخصية (هاملت) و شخصية (اوفيليا), اللتان مثلتا الجانب الوحيد للمحبة في النص والعرض  وواجهتا الكراهية بكل مافيها من بؤس ولؤم في الشخصيات الأخرى لتشتغل مفردة الحب كمعادل موضوعي للمعاني الإنسانية الصادقة في العرض ولتكون الجانب الجميل في اعتلاج الأحداث وتصادمها ,تلك الأحداث المتمثلة بالحب المزيف الذي كان من الملكة (جرتولد) للملك المقتول والحب الصادق للملك لزوجته الخائنة التي قابلت الحب بالكراهية التي نتج عنها فعل سيء هو الخيانة والقتل وهنا يجد الباحث أن أي كراهية ينتج عنها فعل سيء وأي فعل فيه محبة ينتج عنه فعل ايجابي , المحبة والكراهية فعلان متضادان ينتجان أفعالا متضادة إن اصطدما ينتصر احدهما على الآخر وغالباً ما يكون النصر حليفاً للحب ,لكن هنا في هاملت كان النصر في بادئ الأمر حليفا للكراهية التي ألقت بضلالها على المحبة بين هاملت وأمه تارة وبين هاملت واو فيليا تارة أخرى لكن الكراهية هذه انتصر عليها حب هاملت لوالده الملك ورغبته بالانتقام خير دليل على المحبة الكبيرة التي يكنها هاملت لوالده, وانتصار حقيقي للحب على الكراهية.

يبدأ الفعل المتضمن للكراهية باشتغاله وإعطائه( موتيفا) للملكة لتقترف القتل وماترتب على ذلك من خيانة للزوج والسلطة وهنا جعل المخرج المعالجة عبر عملية الفصل بين الشخصيات التي أدت المسرحية والتباعد بين هاملت وأمه من جهة وهاملت وعمه من جهة أخرى ولد فعل الكراهية لكل واحد منهم تجاه الآخر ,في الجانب الأخر الحب بين هاملت واو فيليا اللذان جمعهما الترابط النابع من الاحترام المتبادل منتجين جنيناً صغيرا اسمه الحب لم يقاوم عملاق الكراهية الذي ألقى بالحب جانبا ليستحوذ على قلب هاملت واو فيليا هاملت الذي قتل خطأً والد اوفيليا مما زرع الكراهية في قلبها تجاه هاملت وهاملت الذي كان هدفه الأوحد أن ينفذ انتقامه والانتقام خطوة ثانية تأتي بعد الكراهية التي لاتكون في مكان يعيش فيه الحب, والكراهية عند هاملت لأمه نتج عن محاججته إياها ومحاولته القصاص منها وبما أن الكراهية درجات فأنها بلغت مستوىً أعلى لها تجاه عمه القاتل وبالتالي كان قتله لعمه من أولوياته التي واكب على أن يقوم بها بعد أن تصارع مع شقيق اوفيليا وأصاب احدهما الآخر وكانت الإصابة كفيلة بمقتلهما خصوصا أن هاملت خسر أحب إنسانين على قلبه اوفيليا التي انتحرت غرقا وأمه التي ماتت مسمومة جراء شربها لكأس مسموم كان من المفترض أن يشربه من يد عمه وهنا يزداد فعل الكراهية في قلبه فيهجم على عمه ويرديه قتيلا ليحقق بذلك وعده لوالده الملك الذي سلمه السر والتمس في قلب هاملت المحبة التي تكون كفيلة باجتثاث كل ما من شأنه تأخير هاملت عن مهمته التي ولدت من الحب الكبير لوالده وإيمانه بهذه المحبة هو إيمانه بالظلم الذي وقع على أبيه الملك.

لقد أسس المخرج عبر الإضاءة التي قسمت المسرح إلى بقع عدة مشاهد متفرقة جمعت بين الأحداث الكثيرة المتصارعة في العرض بدءاً من لحظة رؤية الحرس للشبح مروراً بعملية القتل التي حدثت سينمائياً في معالجة أراد لها المخرج أن تكون على مرآى من عين الممثل نفسه فيؤدي هذا به إلى أن يجعل من الفعل الذي اقترفه ذنباً يلاحقه ودليل إدانة ضده .

بينما لعب الإكسسوار المتمثل بالسيوف التي برهنت على مصداقية الحب حين انتقم من القاص المجرم الذي الحق الأذى بكل من جمعهم الحب متمثلاً بأوفيليا وهاملت والأخير ووالده ومن ثم هاملت الأب وجرتولد الملكة , فجاءت معالجة المخرج للإكسسوار لمحة من لمحات إثبات الحب والكراهية .

 

الفصل الرابع

النتائج ومناقشتها

1 – جعل المخرجون الثلاثة من ثنائية الحب والكراهية اللتان تكونان  في حياة الفرد وتجعله ه يتصارع مع مجريات الأمور في الحياة عبر معالجة التزمت بمعايير عدة منها الممثل نفسه والإضاءة والإكسسوار .

 

2 – أسهم المسرح باعتباره وسيلة مهمة من وسائل خلق ثنائية الحب والكراهية في الفرد , لاقترابه الفكري من المجتمع فهو يستقي موضوعاته من المجتمع ليعيد تركيبها في إطار فني مستساغ عند المتلقي فيدخل كواعظ أخلاقي يقوم ويؤسس الجانب الديني كما في مسرحية (المغول), ويأتي كمؤسس اجتماعي سياسي في مسرحية ( انتقام هاملت ) وينطوي على الجانب الخلقي الثقافي   كما في مسرحية ( من ..ممن ..ولماذا؟) .وجميعها تحمل الحب والكراهية حسب ما تقتضيه الفكرة المطروحة.

 

3 – جاء في عرض مسرحية ( المغول ) تاطير للمنحى الاجتماعي الديني لتأسيسه للمسيرة التربوية وكان للبرمجة الاجتماعية في عرض ( من..ممن.. ولماذا؟) فضل كبير في ولادة الكراهية لدى الشخصية التي تحول نصفها إلى دمية بفعل الدعوة الدائمة للمتلقي للمشاركة لكن دون جدوى.في حين ولادة الحب لدى (هاملت ) جعل الكراهية ذات مستوى عال  مما دفعه للانتقام من قتلة أبيه.

4 – احتلت ثنائية الحب والكراهية عبر تقديمها لـ(من..ممن..ولماذا؟ ) في رفد الجانب التعبوي للفرد , بينما جاءت الشخصية المتمثلة بهاملت لتسهم في عملية البناء الإنساني للفرد وعدم جعل أهواء الشخص تسيطر على أفعاله التي قد تلقي به بالهاوية وتدمر كل ماحوله من حب, إلا أن الحب اتخذ له معنى مكتملاً في مسرحية (المغول) عبر إيمان الفرد والمجتمع إن الحب يقضي على الكراهية أن كان الهدف عاماً فجعل المجتمع يتحد لمواجهة المغول.

5: للحب أثراً مميزاً على المسرح وموضوعاته التي تملأها التراجيديا والملحمية لمافيه في ملامسة ودغدغة للمشاعر الإنسانية التي تنحوا باتجاه العاطفة التي جُبل عليها الإنسان .

 

6: المسرح يعتبر المنظومة الحيوية التي ترسل إشعاعاتها إلى المتلقي لتثيره إلى مجسات يهدف لها مسبقاً لتؤثر وتتأثر في الجو الذي تعوم فيه الإحداث خالقة محبة وكراهية تختلفان في النسبة لدى المتلقي.

 

الاستنتاجات:

1:- وظف المخرجون الثلاثة السينوغرافيا بما تحتويه من إضاءة وديكور وممثل في سبيل خدمة معالجتهم الإخراجية التي حولت عروضهم إلى حالة صورية مفهومة أمام المتلقي الذي أيقن بضرورة هذه العوامل مجتمعة لتلقي العرض وفق منظومة التلقي التي تصارعت فيها ثنائية الحب والكراهية.

2:- المعالجة الإخراجية في المغول جاءت بوعي ديني أولا لأن النص احتوى على حادثة تاريخية ألقت بظلالها على الحدث فعملت على قولبته ليكون الحب هنا حبا للوطن في حين أن المعالجة في هاملت حملت مدلولاً أخر فالحب هنا هو حب الأب لأبنه والعكس ومن ثم المحبة التي ولدت الكراهية فمحبة هاملت لأبيه جعلته يكره أمه لأنها هي من سببت المعاناة للملك الأب وبالتالي فالحب الذي كان يحمله في قلبه انقلب إلى كراهية تامة لكل من حوله.

 

3: في مسرحية ( المغول ) تم الأخذ بنظر الاعتبار المنحى الاجتماعي الديني لتأسيسه للمسيرة التربوية ولسرده لحداثة تاريخية ألمت بكل ما تحمله من آلام على الأمة  وكان للبرمجة الاجتماعية في عرض ( من..ممن.. ولماذا؟) فضل كبير في ولادة الكراهية لدى الشخصية التي تحول نصفها إلى دمية بفعل الدعوة الدائمة للمتلقي للمشاركة لكن دون جدوى فالإنسان الذي كان يوما يحمل مشاعر فياضة تحجر وتحول إلى دمية بسبب الوضع الذي قيده ليكون في هذا الموقف.في حين ولادة الحب لدى (هاملت ) جعل الكراهية ذات مستوى عال  مما دفعه للانتقام من قتلة أبيه فالحب حمل معه كراهية لأن إخلاصه في حبه لأبيه المغدور جعله يؤمن بأن الكراهية هي من ستجعل أبيه في راحة كما أن هذه الكراهية ستكون الدافع الأقوى له لأن ينفذ انتقامه.

4:- استخدم المخرج في عرض المغول الممثل كمادة أساسية مستنداً على النص ليجعل من العرض حالة خاصة احتوت على الحب للوطن والكراهية للعدو باعتبار الحالة هنا تاريخية لها من الحقائق ما لايحتمل التزييف في حين جاءت المعالجة في من وممن ولماذا لتوضح أن المحبة تأتي من الناس وللناس فالكراهية مهما عاشت لن تولد إلا الكراهية لكن المحبة ستولد الحب وهذا ما جعل الشخصية تتجه نحو الشبكة التي جعلها المخرج معالجته الوحيدة في العرض مما أسهم في قتل كل المفردات الأخرى التي كان لها دور في توضيح دوافع الحب التي جعلت الممثل يخاطب المتلقين ليشاركوه همه , في حين اعتمدت المعالجة في هاملت على الجسد والحركة مع الموسيقى في إعطاء الملامح الأساسية للشخوص التي تصارعت فيما بينا  انطلاقا من مفردتي الحب والكراهية وهنا كان لزاما على الممثلين أن يعوا الجانب الحركي ويرحلوا الجانب السردي باعتبار أن هاملت حكاية معروفة ولذا فأن الجانب القصصي جاء واضحا للمتلقي رغم عدم وجود الحوار .

 

الهوامش:

 

1: شاعر عراقي موصلي له كتابات شعرية عدة  من مواليد الموصل 1958.

 

:2ممثل ومصمم إضاءة عراقي من مواليد 1950.وأكاديمي له بحوث ودراسات عدة في مجال المسرح من تأليف وتنظير وإخراج.

 

3: الموتيف من الموتفيشن.ترجمة عن الكلمة الإنكليزية motive, أي الدافعية . الباحث.

 

4: المايكروفون جهاز تضخيم الصوت .

 

5: عرضت على قاعة مسرح الربيع في الموصل عام 1995.

 

6: مؤرخ وأستاذ في كلية الآداب في الموصل له كتابات عدة في مجال المسرح والتاريخ. من مواليد 1933 .

 

 

7: مخرج عراقي موصلي من مواليد 1954 له أعمال مسرحية عدة.

 

8: عرضت المسرحية على قاعة الاجتماعات الكبرى في جامعة الموصل ضمن المهرجان السنوي السادس لكلية الفنون الجميلة بتأريخ 22/4/2007.

 

9: مخرج  أكاديمي عراقي مواليد 1975 تدريسي في كلية الفنون الجميلة جامعة الموصل.له كتبات في مجال التأليف المسرحي والنقد  وله تجارب إخراجية عدة أبرزها مسرحية الجمجمة التي مثلت العراق في مهرجان المونودراما الثالث في اللاذقية.

 

قائمة المصادر والمراجع

 

1: ابن منظور, لسان العرب, المجلد الثاني ,(بيروت:صادر للطباعة والنشر, 1955).

2: أردش, سعد, المخرج في المسرح المعاصر,(الكويت:1979,سلسلة عالم المعرفة, المجلس الوطني للثقافة ).

3: أخرجه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة في الإيمان وحسنه الألباني.

 

4 : الخواجة هيثم , مسرح الطفل وأفاق المستقبل , مجلة كواليس , العدد 13 , يناير 2005 ,.

5 : الصباغ , د . رمضان , عناصر العمل الفني, ( القاهرة : 1999 , دار الوفاء) .

6 : اليازجي,خليل , المروءة والوفاء , ( بيروت : 1984 , المطبعة الأدبية ).

 

7: ايفا نز ,جيمس,روز,المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى الآن, ترجمة:فاروق عبد القادر,(القاهرة:1979,دار الفكر).

8: بروك , بيتر, النقطة المتحولة, ترجمة :-فاروق عبد القادر, (الكويت:1990,سلسلة عالم المعرفة).

9: -تنف ,ليوبومير , عطيل ضد عطيل, ترجمة:- عقيل مهدي, مجلة الثقافة الأجنبية (بغداد:-2005, العدد الثاني).

 

10 : جميل , جلال , إشكالية التأليف في المسرح الشعري , المسرح في الموصل , ( الموصل : 2001 , مطبعة جامعة الموصل ) .

 

11 : دغمان , سعد الدين , الأصول التاريخية لنشأة الدراما , ( بيروت : 1973 , جامعة بيروت ) .

12ٍ : عبد الرحيم , محمد , المسرحية بين النظرة والتطبيق . , ( القاهرة : 1966 , الدار القومية للنشر ).

13:  عبدا لحميد,سامي, معالجة الحبكة في الدراما الإذاعية (مجلة الأكاديمي,عدد 10, 1995).

14: عبد الغني , عباس,تأريخ المسرح الإغريقي,(العراق:2008,مكتبة الجيل العربي).

 

 

15 : فاركاس , لويس , المرشد إلى فن المسرح , , تر : د . مرسي سعد الدين ( القاهرة : 1988 , الهيئة المصرية , العامة للكتاب ).

 

16 : فرج , الفريد , ليس بالفن وحده يحيا المسرح, , مجلة التضامن , العدد 98 , مارس , 1985.

17 : فيشمان , موريس, تدريب الممثل, ترجمة: نور الدين مصطفى,(القاهرة: ب,ت).

 

18 : قاسم,أحمد , المسرح الإسلامي , , ( القاهرة , 1981 : دار الفكر ).

19 : هلتون, جوليان, نظرية العرض المسرحي,ترجمة :نهاد صليحة,(الشارقة:2001,مطبعة الشارقة).

20: مجموعة من العلماء , الأحاديث القدسية ,(القاهرة: 2001,مؤسسة المختار لنشر والتوزيع).

 

الإنترنت:

 

21: الشبكة الدولية للمعلومات الانترنت, http://en.wikipedia.org/wiki/Love. الشبكة الدولية للمعلومات الانترنت, http://en.wikipedia.org/wiki/Hate

22 : الجاف,د. فاضل , رقصة الموت , الشبكة الدولية للمعلومات موقع مرافئ ,15 تموز 2008.الساعة 8 كرنج.

 

23: المسند,محمد, وهم الحب, الشبكة الدولية للمعلومات الإنترنت, http://www.saaid.net/.

24 : عبد اللطيف , عبد العزيز, الحب في الله والبغض في الله, الشبكة الدولية, موقع الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف, www.alabdullatif.islamlight.net

25: خليل , د . فاضل , ايجابية التلقي في المسرح

( مسرحيون : 2006 )

[1] - See the internet <<http/www.google.com >> 3: G m t

26: طاهر ,خضير,الحب والكراهية وعقيدة تناسخ الأرواح, الشبكة الدولية للمعلومات,الانترنت, http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2007/4/228561.htm.

 

27  : الشبكة الدولية للمعلومات الانترنت, http://en.wikipedia.org/wiki/Love.

28: الشبكة الدولية للمعلومات الانترنت, http://en.wikipedia.org/wiki/Hate.

29: صالح ,قاسم حسين, الكراهية والتعصب, الحوار المتمدن نشرة الكترونية ,العدد 2218 ,12/3/2008., http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=127860

 

 

المصادر الأجنبية

 

30 – E , Klinger , Modeling Effects on Achievement Imaginary , journal ( London : 1967 ) .

 

 

31:- Kay, Paul. "What Is the Sapir-Whorf Hypothesis?". American Anthropologist, New Series, Volume 86, No. 1, March, 1984.

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية