قالت الصحف

أ . الناقد سعد القاسم عين على القارئ

أ . الناقد سعد القاسم عين على القارئ

1934 مشاهدة

عين  على القارئ

منوعات

الثورة : 14170
الثلاثاء 16-3-2010م
أ . الناقد سعد  القاسم

قبل سنوات كنت  شاهداً على تعارفي بين اثنين من النقاد كان أحدهما قد انتهى للتو من قراءة نص كتبه  الآخر فاستدار إليه قائلاً بلهجة لا تخفي استعلاءها:

أنا لا أكتب  بهذه اللغة البسيطة.‏

فما كان من  الثاني إلا أن أجابه دون تردد: لقد احتجت إلى سنوات حتى استطعت أن أكتب بهذه اللغة  الواضحة.‏

استعادت الذاكرة  هذا الموقف مع خبر رحيل الدكتور "فؤاد زكريا" .وكانت قد استعادته قبل ذلك بسنوات حين  التقى الراحل جمهور "دمشق" في مكتبة الأسد خلال الأسبوع الثقافي لقسم الفلسفة في ذلك  اللقاء أكد "د0 زكريا" انحيازه لجانب الوضوح في الكتابة راداً الغموض فيها إلى أحد  ثلاثة أمور ، أولها العجز اللغوي للكاتب ، وبالتالي عدم قدرته على استخدام اللغة  لإيصال فكرته أو أفكاره. وثانيهما رغبة الكاتب في إظهار تمايزه على القارئ من خلال  استخدام صياغات يصعب على القارئ إدراك ما ترمي إليه. وثالثهما التباس موقف الكاتب  وهنا يكون النص الغامض ترجمة لهذا الموقف الملتبس..‏

ويشهد تاريخ  الدكتور "زكريا" على أنه كان أميناً لموقفه هذا ، فأفكاره ومواقفه كانت تقدم نفسها  جلية واضحة مهما واجهت من صعاب ، وهو ماأكسبه احترام حتى خصومه الفكريين والسياسيين، وبعضهم كان يستند إلى دعم قطاع واسع من الرأي العام ومع ذلك لم يجد الراحل حرجاً  في مساجلتهم، مستنداً إلى ثقافته الموسوعية، وتفكيره العقلاني، ومنهجه العلمي،  ولغته الفلسفية الواضحة ،حتى قيل في رثائه أنه «الرجل الذي غامر بإنزال الفلسفة من  عليائها التاريخي الموروث إلى صخب الشارع ومعاركه الصغيرة والكبيرة في نزقه العربي  الشهير». ويمكن إضافة إلى ماسبق القول إنه أحد أكثر الفلاسفة العرب المعاصرين شهرة،  وتكفي دلالة هنا أن كتابه "التفكير العلمي" قد بيعت منه عشرات آلاف النسخ في البلاد  العربية، وهو أمر غير عادي بالنسبة لكاتب فلسفي، يفسره فقط للكتاب ذاته وقدرة صاحبه  الهائلة على استخدام لغة واضحة مقنعة.‏

يمثل تقديمه  لكتاب "التفكير العلمي" نموذجاً عن لغته الواضحة تلك فيقول: «أصبحت حياة المجتمعات  الحديثة في سياستها وحربها وسلمها وجدها ولهوها، منظمة تنظيما علمياً منضبطاً  دقيقاً ولم يعد في وسع مجتمع لديه أدنى قدر من الطموح أن يسير في أموره بالطريقة  العفوية التي كانت سائدة في عصور ماقبل العلم، واذا كنا في الشرق - بوجه خاص- نسمع  بين الحين والحين أصواتاً تحن إلى العهد التلقائي، في أي ميدان من الميادين، فلنكن  على ثقة من أن أصحاب هذه الدعوات إما مغرقون في رومانسية حالمة، وإما مدفوعون  بالكسل إلى كراهية التنظيم العلمي الذي لاينكر أحد أنه يتطلب جهداً شاقاً، وإذا  كانوا غير مقتنعين حتى اليوم بجدوى الأسلوب العلمي في معالجة الأمور، وإذا كانوا لا  يزالون يضعون العراقيل أمام التفكير العلمي حتى اليوم فليفكروا لحظة في أحوال  العالم في القرن القادم الذي سيعيش فيه أبناؤهم .ومن هذه الزاوية فإني اعد هذا  الكتاب محاولة لإقناع العقول - في عالمنا العربي - بأن أشياء كثيرة ستفوتنا لو  امتثلنا للاتجاهات المعادية للعلم، وبأن مجرد البقاء في المستقبل، دون نظرة علمية  وأسلوب علمي في التفكير، سيكون أمراً مشكوكاً فيه».‏

ومع أن الراحل  قد اشتهر بكتاباته الفلسفية، فإن الثقافة بتنوعها مثلت الميدان الأرحب لعطائه .وكان  أول كتبه "التعبير الموسيقي" وقد صدر عام 1956، وأحد الكتب التي ترجمها "الفن  والمجتمع عبر التاريخ" وهو مرجع لا غنى عنه لكل مهتم بالثقافة الفنية. وقد تجلى  اهتمامه الثقافي بتأسيسه سلسلة "عالم المعرفة" التي ظل مستشاراً لها حتى رحيله  . وتذكر "هدى الرحيل" أنه قال لها في بداية عملها معه في هذه السلسلة: «"ياهدى" لازم  يكون عندك عينان: عين على النص والمحتوى ، وعين على القارئ الغلبان».‏

mailto:skasem@scs-net.org 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية