قصة قصيرة

أبــــــــــــــوة  ... بقلم الأديب القاص محمد عزوز

أبــــــــــــــوة ... بقلم الأديب القاص محمد عزوز

1540 مشاهدة

فتش في جيوبه لعله يعثر على قطعة نقدية يأكل بها شيئاً ما لهذا اليوم، فلم يظفر بشيء، فكر بما سيفعله فما أفلح ، فهو لم يعد يجرؤ على الطلب من صديقه أو أخيه، لأنهم سيصدونه كالعادة، وقد يتعرض لإهانة صار يحس أن الجوع أهون منها ..
نظر إلى وجهه في المرآة فعابه ذاك الشعر الذي طال واتسخ، حتى صار من المعيب أن يظهرأمام الناس بهذا الشكل ..
معدته الفارغة لا يراها الناس، ولكن مظهره الخارجي يراه كل الناس، وفي هذا الحي يعرفه الجميع، يعرفون ماضيه ..أيامه التي خلت .. وعليه أن يحافظ على شكل لائق على الأقل .الطعام سيتدبره من هنا أو هناك ، لكن قص الشعر كيف سيتدبره ..؟
صار يخجل من حلاّقه ( أبو سعيد ) لأنه قص شعره عنده أكثر من مرة ولم يدفع له، على أمل الدفع في مرة قادمة .
خطرت له فكرة اللجوء إلى حلاق الحارة المجاورة ( أبو خليل ) .. سوف لن يتذكره، لقد قص شعر رأسه عنده ذات مرة أيام العز، وهو شاب طيب ومسامر لطيف، وقد يتمكن من تمرير لعبة ما عليه استعرض لعبة خطرت في ذهنه، تردد، اللعبة تحتاج إلى شريك، ماذا لو اكتشف ( أبو خليل) هذه اللعبة ...؟ هينة .. سيتذرع بأي حجة أخرى تجود بها قريحته حينها ...
ارتدى ثيابه ، وتوجه إلى الحي المجاور، وهناك اختار ولداً أشعث الشعر كان يلعب قريباً من صالون الحلاقة، مد إليه يده قائلاً :
ــ تعال معي إلى الحلاق ( أبي خليل ) .. سيحلق لك شعرك الطويل، ويضع لك عطوراً ..
تردد الطفل في البداية، فعاد يقدم له إغراءاته :
ــ هذا الحلاق لطيف جداً، لديه دائماً ضيافة .. سكاكر .. شوكولا ..
تردد الطفل من جديد ثم إنقاد إليه أخيراً، لأنه تذكر أن ( أبا خليل ) هذا كان يقدم له قطعتي سكاكر عندما كان يأتي مع أبيه إلى الصالون .
ألقى سلامه ، فرد ( أبو خليل ) بحبور كعادته رغم أنه لم يكن يعرف هذا الوجه تماماً، هو ليس غريباً .. حاول أن يتذكره فما أفلح ، وقرر أن الحوار معه سيعرفه به كعادته مع الكثيرين .
كانت كرسي الحلاقة فارغة، فصعد الرجل إليها طالباً من الصغير أن ينتظره لأنه سيبدأ هو بالحلاقة .
أذعن الولد لرغبة الرجل دون أن ينبس ببنت شفة، وبدأ يتسلى بمراقبة معالم وجهه في المرآة المقابلة، والإنتقال منها إلى مختلف التحف واللوحات التي علقها ( أبو خليل ) في الزوايا وعلى جدران الصالون .
لم يتأخر الحلاق بتقديم ضيافته للولد الذي أحس أنه لم يكن غريباً عن الحي أيضاً، فانتعش ذاك وبدأ يتلذذ بمص قطعة السكاكر .
وحاول ( أبو خليل ) محاورة الرجل للتعرف إليه، إلا أنه كان يجيب على الأسئلة باقتضاب تام .
تململ الولد بعد لأي، لاحظ الرجل ذلك وخاف أن يهرب فتفشل خطته، فناداه قائلاً :
ــ مالك يا ولد .. ؟؟ هل نعست ..؟؟ أبوخليل لديه ضيافة أخرى سيقدمها لك بعد قليل ..انتعش الولد عندما سمع بالضيافة مجدداً ، والتصق بكرسيه ، وأسرعت يدا الحلاق بالعمل .
وقبل أن يعود الطفل إلى التململ ، كان الحلاق ينزع المناشف عن رقبة الرجل ..


ــ نعيماً ...
ــ أنعم الله عليك ...
وساعد الرجل الطفل على الجلوس على الكرسي، ومد يده إلى علبة الضيافة، ناوله قطعـــة سكاكر أخرى، والحلاق يستغرب جرأته في ذلك .
ــ سأبتاع من البقالية المجاورة علبة تبغ وأعود إليكم .. لا تخف يا ولد ..
قالها الرجل بثقة تامة وخرج ..
وانتهت حلاقة الطفل ولم يعد الرجل .
استغرب ( أبو خليل ) الحالة، وخمن أن الرجل تأخر لإنشغال طارئ، فطلب من الطفل البقاء حتى يعود والده..
ــ هو ليس والدي ..
ــ ليس والدك ...!! من هو إذاً..؟؟
ــ أنا لا أعرفه.. أدخلني معه وقال لي أن لديك سكاكر وشوكولا ..
ضحك ( أبو خليل ) مطولاً، وعرف أنه كان ضحية ثقة في غير محلها، وواسى نفسه :
ــ كيف لي أن أتأكد من أبوة الرجل للطفل وقد دخلا سوية، وتسمر الطفل ولم يعترض على شيء رغم أنه كان واعياً .
وتمتم :
ــ لكن الرجل ليس غريباً على أية حال ...

قصة : محمد عزوز

من مجموعته القصصية الثالثة " قرط خدوج " الصادرة في دمشق 2004

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية