أخبار أدبية

أدب الأطفال عند نزار نجار والعلاقة بين الأجداد والأحفاد

أدب الأطفال عند نزار نجار والعلاقة بين الأجداد والأحفاد

2012 مشاهدة

أدب الأطفال عند نزار نجار والعلاقة بين الأجداد والأحفاد  

 

جريدة الوطن

 الخميس 31-12-2009

 صبحي سعيد قضيماتي

 

 

عندما نعبّر عن فخرنا واعتزازنا بأديب من أدبائنا الذين لا ننكر إسهاماتهم القيمة في حقول أدب الأطفال والكبار، فذلك لا يعني أن هذا الأديب أو ذاك منزه عن النقد الذي نعتبره حواراً ضرورياً لبلورة القيم الحقيقية، التي يكتنزها النص، وتحتاج إلى قارئ حصيف، من الطراز الرفيع، لتعرف هذه القيم، والتعامل معها، بطريقة تليق بمكانتها الحقيقية.

إننا بحاجة إلى نقد حقيقي يواكب حركتنا الإبداعية، لهذا ندفع إنتاجنا الأدبي الموجه إلى الأطفال، إلى ساحة الحوار، البعيد عن المجاملات الرخيصة، وبعيداً عن الحقد والغيرة والحسد. فكما يقول موليير: (كلما زاد حبنا لأصدقائنا، قل تملقنا لهم).. كما أننا نأمل ألا نزيد إعجاب الأديب بنفسه، مهما بلغ هذا الأديب من الأهمية. ونذكّر بمقولة سقراط الرائعة: (لا شيء أضر بالإنسان من رضاه عن نفسه، فإن رضي عن نفسه اكتفى).. إننا نسعى بهذه الندوات إلى تحريض المبدع لمزيد من العطاء، وإلى مزيد من الارتقاء الفني، في حقول الإبداع. لكن هذه الأهداف، لا تمنعنا من التعبير عن إعجابنا، وتقديرنا لأدبائنا، من خلال حوار هادئ عميق، حول القيم الاجتماعية والتربوية والفنية، التي قدموها لنا في حقول الأدب والشعر.

 وأود أن أستشهد بقصة للأديب "نزار نجار"، بعنوان ( طفلة اسمها رزان ) نُشِرَت في كتاب أسامة الشهري، للتأكيد على أهمية الأدب، ودوره الكبير في عالم التربية والثقافة. في هذه القصة يسلِّط الأديبُ الضوء على أولى وريقات مشاعر وأحاسيس طفلة، تصعد إلى الحياة، وتكبر كغرسة بديعة، تزداد جمالاً وبهاءً. وتشعر بأنها تكبر، وهي إلى جانب جدتها، التي ترى فيها أجمل غرسة. وتنمو مشاعر وأحاسيس "رزان" الصغيرة، في منزل جدتها، حيث الحب الدافق، والحنان الغزير للأحفاد، الذين نرى فيهم أغلى ما تراه العيون، وأثمن ما تضمه القلوب. في هذه القصة، نعيش مع أحلام "رزان"، ونطوف مع خيالها الخصب، وهي تحلم، وقد صار شعرها شلالاً كستنائياً، تزينه شرائط خضراء بلون سهول الوطن، وبشرائط زرقاء، بلون سماء بلادي. هنا تجتمع العناصر التي يهمنا الحديث عنها في عالم الطفولة.. حيث نعيش مع الغراس والبلاد والسماء، بحضور الجدة، التي أرى فيها، الكائن الأهم، في أي موضوع يقدم للأطفال، في زمن يتراجع فيه دور وفاعلية الجدة، في الأسرة، التي بدأ التلفاز يسيطر عليها، ويتحكم بثقافتها، ونشاطها الاجتماعي والتربوي والفكري. العنصر المهم في هذه القصة يكمن في الأحلام التي انتعشت بين أحضان الجدة. وسؤالنا: (لماذا خص الأديب رزان بالزيارة لجدتها دون سواها من الأشقاء؟).. ثم تعود "رزان" إلى منزل والديها، لتوزع الملبس على أشقائها، مبتهجة بما تحمله من هدية تنقلها من جدتها إلى أشقائها. وهنا نشعر بالأسى. فأحداث القصة تجري في زمن تعيش فيه الجدات وحيدات، بعيداً عن أحفادهن وأولادهن. وهذه مأساة، قد لا يشعر بها بعضنا، ولكن هذه المأساة تدل على تفكك الأسرة، وابتعادها عن جذورها الطبيعية.

فلماذا تكون العلاقة بين الأحفاد وأجدادهم، مقتصرة على زيارة يقوم بها طفل واحد فقط دون إخوته؟.

لقد اضمحل وتلاشى دور الجدة والجد في المنزل، وانمحى دورهما، التربوي والمعنوي، واحتلت آلة صماء، مكانهما، تضخ ما يسمى الثقافة الميتة، المحرومة من نبض الحياة، ومن التواصل الروحي الحميم. ففي مثل هذه الظروف يشعر الطفل بفراغ روحي كبير، ويفتقر إلى ذلك الحنان الدافئ، الذي يرافق خطواته الأولى في الحياة. لذا نرى "رزان" في هذه القصة، لا تجد من يرعى طاقتها، فنجدها تعبث بكتب والدها دون أن تدرك مدى الأذى الذي تقترفه يداها. ولا يمر موضوع الأذى هذا، دون أن يجد الأديبُ له وسيلة ـ أي يجد له (الدواء)، لإيقافه، والتغلب عليه. ويجد الأديب هذا الدواء في تشجيع الطفل، ومنذ نعومة أظفاره، على الاعتذار، والتعبير عن الأسف، تجاه كل موقف نواجهه، نرتكب فيه الأخطاء ونسبب الضرر.
وبعد أن شهدت "رزان"، مدى اهتمام والدها بموضوع الكتب، وبعد أن أدركت مدى الضرر الذي سببته لوالدها، يستمر الأديب بتتبعه لخطوات الطفولة، بكل ما تمر به من عثرات، وكل ما تحظى به من تشجيع ودعم. فتصل بنا القصة إلى الأم، وهي العنصر الأهم في الحياة. وقد اختتم الأديب قصته بلوحة واقعية قاسية، تمثل العديد من الأمهات، ممن يقتصر دورهن على اللوم والتأنيب، والتقريع في بعض الأحيان، دون أن يظهر دورهن التربوي بوضوح.

فعلى الرغم من أن الأديب يسعى إلى تقديم صورة مشرقة عن الطفولة ممثلة "برزان"، إلا أنه أيضاً، ينقل لنا بعض السلبيات في حقول التربية. ففي هذه القصة ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى- مرحلة الحنان والتفهم والتناغم المشترك، بين الجدة والحفيدة.

والمرحلة الثانية- هي مرحلة العبث والخطأ، ومن ثم التشجيع على الاعتذار...

ثم نأتي إلى المرحلة الثالثة، حيث يظهر دور الأم الذي لم نره على أكمل وجه، بل رأينا فيه تقصيراً، كما نراه في الواقع المعاش. وبذلك نقول إن القصة قدمت لنا الواقع بحلوه ومره، وبسلبياته وإيجابياته... وهذا ما أتمناه أنا شخصياً من الأديب. فليس مهمة الأديب أن يقدم لنا الواقع مضمخاً بالمسك والعطور، بل عليه أيضاً ألا ينسى السلبيات والثغرات في هذا الواقع. والأديب "نزار نجار"، لا يقترب- على حد علمي- في أدبه من الطفل (الملاك) الذي لا يخطئ أبداً، بل يرى في الطفولة مشروعاً إنسانياً، يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، لكي يكون قادراً على السير في الطريق الصحيح.

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية