أخبار فنية

أستاذة الفنون ثراء دبسي الرصينة

أستاذة الفنون ثراء دبسي الرصينة

647 مشاهدة

أستاذة الفنون ثراء دبسي الرصينة

#الياس _الحاج‏

أيام ..

#البورتري بريشة المبدع Issam Ismandar

 

#كنت أبن العشرين سنة يوم دخلت أول مرة قاعة البروفات الخاصة بالدراما الإذاعية، ثم استديو الدراما لبدء تسجيل مسلسل " حكم القاضي " من تأليفي وإخراج الكبير "هشام شربتجي" .. كانت يومها عينايا معلقتان نحو سحر حضورها الأنيق، وأذنايا مشنفتان تطربان بنبرة صوتها الآسر، وكأنني غير مصدق أنني أجلس على مقربة من النجمة الكبيرة صاحبة اللغة الجزلة، والتي أنتظرها منذ طفولتي لأستمع وأستمتع بروعة أداء لفظها المحكم للقواعد والإحساس الرهيف .. ذلك الصوت الذي يعتبر الأول على مستوى الدراما في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون .. وتعتبر صاحبته من أوائل المبدعات في المسرح السوري، ومن أوائل رائدات الدراما التلفزيونية.

أما عن تجربتي معها كنجمة أولى للعديد من المسلسلات التي كتبتها، منها : مسلسل " المهاجر "، مسلسل " قلوب في مرآة صغيرة "، مسلسل " من يدفع الثمن "، مسلسل " الشرك "، مسلسل " جيران البحر "، مسلسل " أوراق النواطير "، مسلسل " حامض حلو لفان، مسلسل " جزيرة الأسرار "، مسلسل " سر القصر المسحور "، مسلسل " كوكتيل أحلام "، مسلسل " عشرة عمر "، مسلسل " غرباء " .... وغيرها من المسلسلات والتمثيليات المفردة التي شاركت أيضاً كممثل في معظمها فقد تعلمت الكثير من أسرار فنونها، وأعتبرها منذ أن عملنا معاً في مطلع الثمانيات مرجعاً ليس لغوياً وحسب وإنما مهنياً وأخلاقياً، ومدرسة في حضورها الاجتماعي اللائق باقتدار، الأمر الذي منحها الثقة الدائمة بنفسها والمثابرة على دأبها المستمر في مسيرة النجاح والتميز، وخاصة في حرصها في كل حوار معها كممثلة أو كمخرجة كبيرة، على فكرة رسالة الفن والتأكيد على أنها ليست مجرد مهنة يتكسب منها أهل الفن، لكل ذلك استحقت أن أطلق في فيلم سابق عنها لقلب ( الرصينة ) التي عرفتها عن قرب أستاذة للفنون كممثلة كبيرة ومخرجة استثنائية، صاحبة الاهتمامات الفكرية والإنسانية عبر سيرة حياة حافلة بوجهات النظر التضمينية والفلسفية المجازية حول مهام الفنان في تقديم مختلف المحاولات الجادة لإنجاز كل ما هو ممتع ومفيد للمشاهدين والمستمعين في أعمالها الانتقائية والتي جعلتها تعيش القناعة والسعادة معاً، في حين تتحدث بروح عالية عما وصلت إليه الدراما السورية من نجاح وازدهار تصدرت من خلالهما المشهد الدرامي العربي بمستوى فني وفكري راق ومتفرد .

** خلال أيام إنجازي سلسلة حلقات ( زهراوي الشوك ) التي أحاور من خلالها أستاذنا الرائد المؤسس الفنان الكبير الراحل "عمر حجو"، استوقفني طويلاً حديثه عن صفاتها وصفات شقيقتها الفنانة الكبيرة "سناء دبسي" ممثلاً عائلتهما بكرم أهل حلب التي ولدت فيها ودرست في مدارسها مشاركة وهي في سن مبكر في مختلف الأنشطة الفنية المدرسية .. ثم التحقت مع شقيقتها بمسرح الهواة حيث مارست العديدة من المواهب الفنية من تمثيل ورقص وغناء ..

وكم كانت لحظات لقاء أستاذنا "حجو" بها مؤثرة حين دخلت برفقته مع االكاميرات غرفة بروفات الدراما الإذاعية التي كانت تقوم كمخرجة كبيرة في الإذاعية على التدريبات لأحد الأعمال، وما أن وقع نظرها عليه حتى أسرعت بترك أوراقها والنهوض لتقبل يده، فيما هو قبلها من رأسها معتبراً أنها ابنته التي كانت ورغم صغر سنها يشهد لها مسرح حلب تألقها في مختلف الأنشطة المدرسية والتجارب المسرحية الأولى .. والتي جعلتها تحلم في قادمات أيامها ببصمة مختلفة في هذا المجال .. وفي ذلك الحوار المصور عادا إلى بعض أعمالها في حلب : مسرحية الحرب، لبندر المهندس، ومسرحية غداً تشرق الشمس تأليف وإخراج الدكتور زهير أمير براق الذي حدثني بحكم صحبتنا كثيراً عنها وعن خصالها منذ أن كان مدرسها لمادة التشريح في تلك المرحلة، ومنذ أن قدمت أولى عروضها على مسرح دار الكتب الوطنية في حلب.

** في عام 1960ومع انتقالها إلى دمشق كان لا بد من البحث عن مكان تستحقها موهبتها، فكانت إلى جانب شقيقتها الأستاذة "سناء"، من أوائل الفنانات اللاتي شاركنا في تأسيس المسرح القومي السوري، ورغم صغر سنها فقد تم تعينها أنداك كممثلة محترفة في المسرح، مشاركة في عروضه الأولى، مستمرة ولسنوات في تقديم العديد من الأعمال الهامة في مسيرة المسرح السوري والعربي .. منها: أبطال بلدنا، البرجوازي النبيل، احتفال خاص ليبرسيدن، الحياة حلم، الأشجار تموت واقفة، الشيخ والطريق، دخان الأقبية، الغريب، الشاعر والأميرة، وغيرها من الأعمال، والتي كان أخرها ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، من خلال مشاركتها في مسرحية ( الساعات الأخيرة في حياة السيدة حكمت ).

** أسست أستاذة الفنون "دبسي" شهرتها الواسعة بمهارة عالية، بدأت معها مشوارها الفني الراقي مع تأسيس التلفزيون العربي السوري من خلال مشاركتها الأولى عام 1960 في تمثيلية «الغريب» الذي يعتبر كما هو مسجل في ذاكرة التلفزيون العمل التلفزيوني الأول المقدم على الهواء مباشرة، ويتحدث عن الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها .. ومن إخراج المبدع الراحل "سليم قطايا" .. وتوالت الأعمال التلفزيونية التي شاركت فيها السيدة الرصينة والقديرة "ثراء دبسي"، محافظة على اختيار شخصيات تضيف لرصيدها الفني مضامين ورسائل إنسانية لم تتخلى عنها يوماً ومن أعمالها ذكر : مسلسل «ساعي البريد» عام 1963 إخراج "سليم قطايا"، ومسلسل «خان الحرير» عام 1995 من تأليف "نهاد سيريس" و إخراج "هيثم حقي". ومسلسل «حي المزار» عام 1997 إخراج "علاء الدين كوكش". ومسلسل «أهل وحبايب» عام 1999، ومسلسل «ثلوج الصيف»1999 بدور أم ليلى، ومسلسل «القدر المحتوم»2001، ومسلسل «البيوت أسرار» 2002.. مسلسل «أيامنا الحلوة» 2003 تأليف "حسن سامي يوسف" و "نجيب نصير" وإخراج "هشام شربتجي"، ومسلسل «بهلول الشاعر» 2003 ، ومسلسل «أبو الطيب المتنبي»2004 بشخصية جدة المتنبي، ومسلسل «أمهات» عام 2005 للكاتب "أحمد حامد" و المخرج "سمير الحسين"، ومسلسل «كوم الحجر»2007 بدور أم جلال ، ومسلسل " الرجل سين " لكبير المخرجين "علاء كوكش"، ومسلسل «ابن قزمان» عام 2008 بشخصية زبيدة، ومسلسل «أصوات خافتة»2009 بدور أم جابر .. وصولاً إلى مسلسل «مغامرات طارق» عام 2009.. وغيرها الكثير ... ولا ننسى مسلسل " الثريا " للكاتب "نهاد سيريس" والمخرج "هيثم حقي" الذي حققت من خلاله شخصية يمكن أن تكون أنموذجاً في الأداء يدرس في مناهج الأكاديميات .

** اشتهرت بولعها الدرامي والبرامجي الإذاعي، فقدمت خلال مسيرة امتدت لسنوات مئات عناوين الأعمال بين التمثيلية القصيرة والسهرة الإذاعية والبرامج الدورية والتعليمية وبرامج ومسلسلات الأطفال، والمسلسلات الاجتماعية والبيئية والتاريخية، لذلك يصعب حصر أعمالها لكثرتها نذكر منها : مسلسل الطاحونة - مدينة النور - شهرزاد - حزورة رمضان - أساطير شعبية - ورد وياسمين وغار - خزائن العرب - برنامج هن في عيون الأدب – الحب والعبقرية ، أفاق مسرحية – حكم العدالة ، شخصيات روائية .. وغيرها الكثير الكثير ..

** تعتبر الفنانة القديرة "ثراء دبسي" من أوائل السيدات اللواتي عملنا في مجال الإخراج الإذاعي والإشراف الفني على أعمال الدوبلاج التلفزيوني، وقد مارست عملها كمخرجة إذاعية خبيرة في العديد من الأعمال القصيرة والمسلسلات الطويلة التي حصدت عنها أكثر من جائزة كأفضل إخراج إذاعي وأفضل أداء تمثيلي .. ومن أعمالها كمخرجة نذكر : مسلسل «سقطت الأقنعة ، و رمضان كريم من تأليف وبطولة الفنان الراحل "محمود جبر"، وشخصيات روائية، ومناراة انسانية للكاتبة "نهلة السوسو"، كما حصدت في عام 1998 ذهبيتين لأفضل عمل وأفضل مخرجة في مهرجان القاهرة الدولي عن مسلسل الطاحونة تأليف "حسين عبد الكريم"، وفي عام 2001 تسلمت ذهبية أفضل اخراج عن مسلسل ورد وياسمين وغار، ثم حصدت جائزة أفضل ممثلة عن العمل الدرامي ( غابة الثلوج البيضاء ) "لنهلة السوسو" .

** بالتوازي بين عملها في المسرح الذي حقق لها جماهيرية واسعة، استمرت في مواكبة العمل الإذاعي والتلفزيوني منذ مرحلة كانا بأمس الحاجة لدور الفنانة في الأعمال وإلى اليوم، فكتب عنها الكثير من المقالات والدراسات النقدية المسرحية حول مختلف تجاربها الهامة، هذا ما دفعها فيما بعد لأن تنقل خبراتها لأجيال عدة تتلمذوا على يديها في أعمال الإذاعة والتلفزيون وحتى الدوبلاج .. ولأنها لم تكن المتفردة في حضورها الراقي وأدائها الأخاذ وحسب وإنما كانت أم مثالية للكثيرين ممن دخلوا عالم الفن، فقد تردد عنها الكثر من العبارات التي استحقها عطائها للأجيال الشابة، وخاصة طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية ممن درستهم مادة الإلقاء كخبيرة محترفة ومتميزة في هذا المجال .

الكيرة ثراء دبسي ( الرصينة ) تحية وفاء

إلى ...

الحبيبة التي تشرفت بأدائها العديد من الأعمال الدرامية التي كتبتها، وكان لي الشرف بالتعلم من مدرسة فن الممثل أثناء عملي كممثل إلى جانب صاحبة التميز بصوتها الدافئ والرخيم المحبب لدى كل مشاهد ومستمع إليها، أو أثناء قيادتها للأعمال التي تقوم بمهارة إبداعية بإخراجها، والتي علمتنا في أيامها كيف تعيش بساطة جماليات الحياة بروح وسلوك راقيين أكسباها محبة الناس وشركاء درب الفن ..

الغالية التي وضعت نفسها في مكانة رفيعة منحتها الثقة الدائمة والانتقائية للأدوار التي جسدت من خلالها تنوعاً من الأداء الجاد المؤثر، منذ ستينيات القرن المنصرم وإلى اليوم .. السيدة الرصينة القديرة والكبيرة أستاذة الفنون "ثراء دبسي" تحية وفاء لجهودك الاستثنائية الإبداعية والإنسانية بامتياز ..