قصة قصيرة

أمسية أدبية ..بقلم القاص محمد عزوز ..

أمسية أدبية ..بقلم القاص محمد عزوز ..

1487 مشاهدة

                          أمسية أدبية

 

قصة : محمد عزوز

 

هاجس يومي بدا يلاحقه منذ أن هتفوا له ، وطلبوا منه الإستعداد لأمسية يشارك فيها مع شعراء آخرين :

ــ ماذا سيلقي في هذه الأمسية ..؟

ــ هذه القصيدة ..؟ لا.. تلك ..؟ ولكنها قد لاتصل ..!

إذاً علي أن أفكر جيداً ، قبل أن أقرر..

ــ لماذا لاأنتقي قصيدة من مجموعتي الشعرية الأخيرة ..؟

أعجبته الفكرة ، فتداولها مع نفسه طويلاً ، وخرج بقناعة رفضها أخيراً .

تذكر القصيدة التي صفق لها الحضور طويلاً في مهرجان الشعر السابق ، ففكر في إلقائها ..

ــ ولكن ماذا لو كان بين الحضور بعض الذين حضروا المهرجان وصفقوا لها سابقاً ..؟ 

ــ سيقولون .. ليس لديه أي جديد ..

عاد به ذهنه إلى القصيدة الجديدة .. ولكنها غامضة بعض الشيء فعلاً ..

اتصل بصديق له ، حاوره في الأمر ، وانتهى إلى مزيد من التردد ..

قرر أخيراً أن يحمل كل مافي جعبته من قصائد ، أن ينتقي ولو بالقرعة بعض القصائد ، ويترك أمر قراءتها لمدى تفاعل جمهور الحضور ..

زوجته من جانبها ، ذهبت منذ الصباح إلى مزينتها ، وقبل أن تمسك هذه المزينة بأدواتها ، قالت لها :

ــ انتبهي .. سأكون مع زوجي ، لديه اليوم أمسية أدبية ، يجب أن تختاري لي تسريحة تناسب أجواء الشعر والأدب .

ابتسمت المزينة ، لم تجب ، ولما وجدتها تنتظر جواباً ما ، أومأت برأسها موافقة :

ــ اطمئني .. لدي ماهو جديد ومناسب دوماً .

الصغير هو الآخر ، طلب من أمه أن تختار له ملابس جديدة ، وقبل أن تصده ، أعلن :

ــ ملابس العيد الفائت نفسها .

وانصاعت لرغبته دون جدال ، ربما لأنه طلب ماكانت تريده دون إعلان .

وكل المكالمات الواردة وبعض الطلبات بعد ذلك ، كانت مؤجلة :

ــ عذراً عندنا ، أقصد عند زوجي  أمسية أدبية مساء اليوم ..

وصلوا إلى المركز الثقافي قبل الموعد المحدد للأمسية بنصف ساعة ، كانوا يتوقعون أن يجدوا جيشاً من الرواد ينتظرون عند المدخل ، ولما لم يجدوا أحداً ، ظنوا أنهم في المكان غير الصحيح ، تراجع أحدهم إلى الخلف ، أعاد قراءة اللوحة ، وأعلن بصوت قوي صحة مقصدهم .

أفاق عامل المركز من غفوته ، نهض متثائباً ، أعلن ترحيبه قبل أن يتعرف إلى الوافدين .

دخل الشعراء الثلاثة وبعض ضيوفهم ، انعطفوا نحو أحد المكاتب ، ولم تشتعل مدفأة حرون فيه رغم بعض الجهد المبذول ، وإمعان البرد في مساء كانوني يصهل فيه الصقيع .

دقائق طويلة انتظروا فيها ضجيجاً مأمولاً من الصالة أو الممر أو أي مكان آخر ، وصل خلالها مدير المركز ، ينهض الأدباء الضيوف مرحبين ، بينما بدأ الطفل يرتجف بملابس عيده التي لم تكن تدفئه تماماً ، وبدأت أصابع الأقدام تنكمش هي الأخرى تحت وطأة الصقيع .

الصالة كانت أسوء حالاً ، وعندما أحس مدير المركز بحالة البؤس التي صاروا إليها اعتذر :

ــ الحقيقة أن المديرية لم توافق على شراء مدفأة للصالة ..

وعندما طلب من الشعراء في تقديم باهت ، أن يبدؤوا بتقديم أوراقهم الثقافية ، كان الجمهور الذي اقتصر على مدير المركز وآذنه وثلاث موظفات وزوجة أحد الشعراء وابنه ، يتمنون في سرهم ألا تطول القصائد ، خاصة أن صدى الصوت لم يكن يسمح بوصول الكلمات المرتجفة إلى مسامعهم .

في طريق العودة ، كان الصغير يتمسك بثياب أمه ، ويتهمها بأنها ضحكت عليه وأخذته إلى مكان آخر ..

وهي تصر أنه نفس المكان الذي حدثته عنه ، ولكنه اعترض مستخفاً بكلامها :

ــ لقد رأيتهم في التلفزيون في مكان مشابه ، يزدحمون رجالاً ونساءً وأشبالاً ، يرتدون جميعهم بذات أنيقة ،  ويهتفون ويصفقون طويلاً طويلاً طويلا  

  

                                                            18/12/2005

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية