مواضيع للحوار

أهل البر وأهل البحر .. د . فادي سكيكير....

أهل البر وأهل البحر .. د . فادي سكيكير....

1743 مشاهدة

بين سيمياء الفضاء المكاني

والمخيال السيكودرامي

الأستاذان:مفتاح خلوف و محمد زعيتري

        خلافا للدراسات السيميائية اللّغوية، والفنون التشكيلية، يواجه الباحث السيميائي المسرحي  إشكالية في بحثه تتمثل  في أنه يسير على نمطيين متوازيين لا ينفصلان، يشكلان وجهين لعملة واحدة . أولهما :النمط الذي جرى تأليفه من أجل المسرح، وثانيهما :النمط الذي يجرى إنتاجه في المسرح (العرض).لا سيما " وأن الحوار بين السيميائيين الذين يعملون على النص الدرامي بشكل أساسي لا يستوي إلا في حالة نادرة"(1)[1].هذا ما نلمسه في العرض الموسوم بـ"أهل البر وأهل البحر" الذي عاشه ركح قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ،وذلك بحضور سمو الأميرة وجدان- حفظها الله - .

        لقد اشتغل الدكتور "فادي سكيكر" في هذا العمل الدرامي على جملة من العناصر المسرحية السيميائية :الضوئية ،البصرية والسمعية . انصهرت كلها في وجدان المتلقي ،فاستطاع بسيمياء الضوء المتواتر المختلف الألوان ،وسيمياء الصوت والموسيقى ،وازدواجية الركح المجسد والمرتسم ،أن يخرج إلى الوجود عملا دراميا بلغ الذروة من حيث السيميوزيس. وسنقتصر دراستنا هنا على عنصر الفضاء وتكامليته السيميائية بين ما نشاهده وما نتخيله  وقبل أن نخوض غمار دراسة التكامل السيميولوجي بين الفضاء الدرامي والفضاء الركحي، علينا أن نضبط مفهومي" الفضاء المسرحي"، و" المكان المسرحي" فقد ورد عند العرب" المكان المسرحي"هو "المكان الذي يدور فيه العرض،سواء أكان ذلك في مسرح مكشوف بالهواء الطلق أو في مدينة"(2). أما الفضاء المسرحي الذي يقابله بالانجليزية space وبالفرنسية espace فهو،" المكان الذي  يطرحه الناس، ويقوم القارئ بتشكيله بخياله ، فتراه على الخشبة، يدور فيه الحدث وتتحرك فيه الشخصيات"(3) 

     أما الفضاء المكاني في النص الدرامي "أهل البر وأهل البحر"، فقد نشأ من فعل وجهات نظر، أو حوارات بين الشخصيات، التي تقوم باختراعات للأمكنة، إضافة إلى أن المتلقي لهذه المسرحية ، يعيد مسرحة الأمكنة الواردة، ويربطها بأمكنة في ذاته، أو يتخيلها، فورود فضاء "البر والبحر" بتداعياته الكثيرة، يجعل من المكان يتجاوز وظيفته الاعتيادية، بوصفه مكانا لوقوع الأحداث، إلى فضاء واسع تتفاعل فيه أقطاب الإرسال، والإنتاج الدلالي في هذا النص الدرامي." فالفضاء لا يتحقق إلا بتعدد وتنوع الأماكن، بالإضافة إلى وصف طريقة تحرك الشخصيات. فالفضاء يضم كلا من المؤلف، الشخصيات والقارئ"(1) .

والفضاء المكاني بأنواعه: الاجتماعي، الدرامي، الوصفي، قد وُظّف في هذا النص الدرامي  بدقة لا متناهية، إذ أصبح مزيجا من الحالات و الوظائف، يكتسي أهمية كبيرة في الفعل الدرامي، فهو مسرح للأحداث والأفعال، تدور فيه كل العناصر المسرحية، وما بينها من علاقات ، كما يمنح النص المسرحي مناخا تتفاعل فيه الأحداث، فيكون حاملا لرؤية البطل"أخطبوط وسنجابة"، والممثل لرؤية ومنظور المؤلف عن حالة الصراع التي يعيشها الإنسان بين ما هو موجود وما يجب أن يوجد .

ويتنوع الفضاء المكاني في هذا النص الدرامي ويتعدد رغم ثباته في فضاء العرض ، إذ يتغير، فيؤدي إلى تغيير أحداثها، وبالتالي الانعطاف بها نحو العقدة فالحل. ولم يكن الفضاء المكاني في " البر والبحر " ديكورا فقط، تجري فيه الأحداث، بل إن جميع عناصر الفعل المسرحي وفنياته، تكشف لنا الكيفية التي نُظّم بها هذا الفضاء المكاني. فهو مرتبط بمتخيله، وتلك الفوضى التي عاشها أهل البر وأهل البحر بعد انتشار خبر ارتباط أخطبوط وسنجابة، وزياراتها المتعددة له. ومنه فإن تحليل الفضاء الدرامي الاجتماعي والسياسي لمسرحية " أهل البر وأهل البحر "، هو الذي نستطيع من خلاله الولوج إلى أعماق هذا النص الدرامي.

[2]

ولا يتأتى هذا الولوج إلا بوجود القارئ، الذي يلعب دورا كبيرا في إنتاج فضاء هذا النص من جديد، وذلك عبر القراءات المتعددة، التي تهدف إلى فك وتحليل معاني النص، ومحاولة فهم المعنى الوظيفي لهذا الفضاء المكاني الدرامي. لذا فتصفحنا لهذا النص الدرامي، ومعرفتنا المسبقة من أن الأحداث تجري في البر والبحر على حد سواء، في مجتمع قبلي ينظر إلى المرأة على أنها ملك مادي، هي كلها مفاتيح لولوج هذا العالم، أو بالأحرى[3]محتوى النص ورامزاته، وتجعلنا نتسلح برؤية مسبقة تكون بمثابة نافذة نطل من خلالها، على روامز هذا النص ومرموزاته. فإن غابت هذه التصورات المسبقة، أو بالأحرى المفاتيح، فإن المكان والفضاء في هذا النص سيكتسي صفة الغموض أو الإبهام.

فتوظيف الكاتب للثنائية الضدية "البر والبحر" منذ بداية النص، ليس من باب الاعتباط، بل حرصا من المؤلف على أن يعطي لكل لحظة وفعل من أفعال النص الدرامي إطارا وفضاء مكانيا، فيضع الشخصية الدرامية في إطارها الحقيقي، ليستطيع القارئ من خلاله تصور حياتها وسيرورتها، وسط الأشياء والفضاءات المحيطة بها.

 و لم يجعل الدكتور "فادي سكيكر" حضور الفضاء المكاني في " أهل البر وأهل البحر" حضورا جزافيا أو اعتباطيا، بل يشكل الأرضية التي تستقبل أفعال الشخصيات، أو المرآة العاكسة لها، فمجرد قراءتنا لـلعنوان – الذي هو بوابة التلقي - يجعلنا نتصور الشخصيات وملأها لهذا الحيز، فالفضاء والشخصية شيئان يكملان بعضهما البعض.

   كما يمكننا الوقوف عند الفضاء التخيلي الذي  أضفى عليه المؤلف صفة  من الواقعية، فأصبح واقعيا أكثر. من خلال ذكره لبعض الأماكن:" الكلية" ، "الكافتيريا "،  "الجامعة "،"السجن"،"البيت"،"البلد"،"العيادة"،"البلدية"،"الشاطئ"،"البر"، "البحر"،أو بعض الكلمات الموحية بالمكان مثل أخطبوط  و سنجابة.

إن تعاملنا مع هذه الأماكن المذكورة، لا ينحصر في وصفها الخارجي، وتقديم استعراض لمواضع ذكرها، وإنما في ما تثيره من ذكريات في القارئ والمتفرج، وإعطائه تأويلات لها  حسب بيئته. وقد اعتبرها "غاستون باشلار": "أماكن راسخة في الذهن غير قابلة للإمحاء"(1)[4]فتصبح جزءا من كيانه وحياته، بل إننا عندما نمر بمشاهد الأماكن في هذا النص الدرامي، نندمج معها في حميمة مطلقة.

" فالإنسان وهو ينظر إلى الأمكنة، لا يمنع نفسه من إضفاء فكره ومزاجه، وعواطفه عليها "(1).

          إن المتلقي للفضاءات المكانية في هذا العرض المسرحي، يجد نفسه يربطها بتجاربه الماضية، فيستحضر أمكنته الخاصة والحميمية، وفي هذا يقول"برغسون" " Brigsson " : "إن المكان الذي أمضى فيه المرء طفولته ، هو الفردوس المفقود، وهو يظل في حياة صاحبه، كأنه ماسة  في عنق الأبدية.  وقد تتعدد الأماكن التي يقيم فيها الإنسان، ولكن يظل لمكان الطفولة تفرده، وسيمته الخاصة،وحميميته المطلقة"(2) . وعليه فأغلب الفضاءات المكانية الواردة في هذا النص الدرامي، تمارس تأثيرا لا يستهان به على المتلقي، فتحرك فيه ديناميكية تجعله يعيش عبره أمكنته الخاصة به.

فالمتنقل بين هذه الفضاءات المكانية المتخيلة والمتجلية، يقع فريسة لأحلام اليقظة، فتراه يوازن بين هذه الأماكن الواردة، وأماكن في نفسه، فيشرد به ذهنه وخياله ، ويحاول استحضارها، وهذا ما ذهب إليه "غاستون باشلار" عند ما قال :"إن القارئ الذي يقرأ غرفة، يعلق قراءاته، ويبدأ بالتفكير في محل إقامة قديم، إنه يبتعد عنك الآن، يصغي  لذكرياته عن أب وجدة، عن أم أو خادم، وباختصار عن الإنسان الذي يسيطر على إحدى ذكرياته"("3) . فيبرز هذا القول شدة تأثير المكان، وتداعياته المختلفة على فكر وذكريات القارئ والمتلقي، فلا يستطيع أن يفصل  بين ما يقرؤه وما يتخيله، فهي عملية لا إرادية. وحتى وإن وظف "الدكتور فادي سكيكر" في نصه الدرامي هذا أماكن خيالية من صنعه، فإنه أسماها بأسماء حقيقية معروفة عند عامة الناس، فكانت ميدانا خصبا لأحداثه الدرامية، تتمازج فيها ذوات النص الدرامي  بذات القارئ. فتكتسب الفضاءات المكانية في هذا العرض أبعادا نفسية واجتماعية وتاريخية، تقفز إلى الذاكرة مباشرة،" وبهذا يغدو المكان، تلك البؤرة  التي تمسك بالشخصيات، ولا تدع لها إلا هامشا محدودا للحرية والحركة، فيتحول بذلك إلى حالة  نفسية ذهنية"(4) .

(1) - غاستون باشلار. جماليات المكان. ترجمة غالب هالسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،  ط5 ، 2000 ،ص 39[1]

(2) – محمد جبريل . مصر المكان . المجلس الأعلى للثقافة ، مصر ، القاهرة ، ط1 ، 2000 ، ص 14

(3) – غاستون باشلار . جماليات المكان . ص 63 .

 [1](4) – فاطمة الزهراء حليمي . صورة البحر في الرواية العربية ، حنامينا نموذجا ، رسالة ماجيستير ، 1999 – 2000 ، جامعة قسنطينة ، ص 343

       وهذا ما ذهبت إليه  "فاطمة الوهيبي" . في قولها: " إن الحديث عن المكان أيضا،هو بالضرورة حديث عن الجسد، وبما أن الجسد حيزنا الخاص في المكان والعالم، فهو ما إن ينوجد  في  المكان حتى يكون  قد اشتبك  في جدل العلاقة بالمكان، بل إن مجرد الوجود، هو بداية  سلسلة من التفاعلات"(1). فالقارئ  لهذا النص الدرامي ، يجد نفسه إذا يزاحم بجسدين، أولهما جسده الميتافيزيقي  العياني، وجسده اللغوي  المتشكل بين تلك الأماكن الطافحة  بالدلالات والتوالد.

وسنورد فيما يلي دراسة تفصيلية للحيز المكاني الوارد في هذا النص الدرامي، من زاويتي الفضاء المفتوح والفضاء المغلق. و انطلاقا من فكرة أن لكل حدث حيز زماني ومكاني يجري فيه، فإن للشخصيات في هذا الفعل الدرامي حيز مكاني تدور فيه، أو لنقل إن الأمكنة في هذا النص الدرامي تتشكل باختراعات الشخصيات لها، إذن فالعلاقة بين الشخصيات والأحداث والأمكنة وطيدة جدا،وهذا يعني أنه بانعدام الأحداث والشخصيات تنعدم الأمكنة ."فالمكان هو أحد العوامل الأساسية التي يقوم  عليها الحدث "(2) ، وقد يكون الحدث مجموعة من الأفعال، التي تقوم بها شخصية ما،  فتتخذ هذه الشخصية  عالما واقعيا أو خياليا ، أو مكانا لجريانها. و ينشأ هذا المكان عن طريق  تذكر الشخصية له مثل تذكر "حامد" لمكان اللقاء بين سنجابة وأخطبوط. وفي هذا يقول "حسن بحراوي" :" فمجرد الإشارة  الى المكان كافية  لكي تجعلنا ننتظر  قيام حدث، وذلك أنه ليس هناك مكان غير متورط في الأحداث"(3) فالمكان هنا مدعاة للتخيل والدفع بالأحداث للأمام.

[5]

       ويتجلى هذا الأمر ، الذي نتحدث عنه في النص الدرامي الذي نحن بصدد دراسته في مواضع مختلفة منها. "الجامعة ،الكلية ،الكافتيريا" فمجرد ذكرها هنا، بجعله يتبادر إلى أذهاننا أنها تحقق تلازمات سيميائية.

          ولا أهمية للمكان إلا إذا وقع فيه الفعل أو الحدث، والعلاقة بينهما وثيقة، إذ أن :

" المكان هو الإطار الذي تقع فيه الأحداث" (1).ولا يمكن للفعل المسرحي أن يتم إلا في إطار التكامل  المكاني، فيرتبط كل مكان في النص الدرامي  بمكان آخر من مخيلتنا، إضافة إلى ارتباط كل مكان في النص  الدرامي  بمكان العرض ،وهذا ما يحقق تسلسل الأفعال واتساقها في النص أو العرض الدرامي. إذ لا مكان  للأحداث أو الأمكنة الاعتباطية في النص والعرض المسرحي، فكل شيء مدروس بدقة، وفق برنامج مسطر من المؤلف، فتنقلات الفعل الدرامي بين "البر"و "البحر" . تحقق تكاملا مكانيا.

ولكن في خضم هذا الفضاء، كانت الشخصيات الفاعلة في هذا النص الدرامي تستحضر في مخيلتها أماكن أخرى. فاستطاعت الشخصيات الفاعلة استحضار بعض الأماكن وفق تداعيات، وتصورات تمنحها فرصة  الولوج في العالم الدرامي العام. الذي يمكن أن نميز فيه مستويين من المكان، الأماكن المفتوحة والأماكن المغلقة.

I - الأماكن المفتوحة:

 وتتمثل في الأماكن العامة، والتي يختلط فيها البشر فيما بينهم، رغم اختلافهم، وهي التي لا تقيد الفرد تقييدا مطلقا، بل يكون فيها حرا في ممارسة أفعاله، والتعبير عن أفكاره، فلا يخضع لتقييد ولا لسلطة خاصة. وقد مثلت هذه الأماكن  البنية الشاملة التي تشكل منها الفضاء الدرامي فساهم  انفتاحها في تطور وتقدم  الأفعال الدرامية، فيصبح الفاعل الدرامي حيويا إذ في " المكان المنفتح يلتقي البشر، ليزخر بالحركة و الحياة، ومنها يقضي على الإحساس بالعزلة والوحدة ،ويمنح  الانطلاق والانسجام مع الذات"(2). وعند تفحصنا للنص الدرامي أمكن لنا رصد  بعض النماذج للأمكنة المفتوحة الواردة وفق مايلي:

   (1)- سيزا قاسم . بناء الرواية .ص102

(2) – الطاهر روانية ." الرواية وفعاليات النص" . مجلة التبيين ، العدد التاسع ، ص 44

البحر:

وهو المكان الرئيس، الذي تسير إليه الأحداث وأفعال هذا النص الدرامي،

2  _البر:

 وهو المكان الذي تم فيه الاختيار والاختبار وتتصاعد فيه الأحداث، [6]

3_الشاطئ:

          وهو الرابط بين الفضاءين السابقين، ويدخل ضمن الأماكن المفتوحة، في النص الدرامي، أتبع بنمو الأحداث وكان الرابط بين مكان الاختيار ومكان الانفراج

II - الأماكن المغلقة:

وهي تلك الأماكن المحدودة، التي تحدد للفرد المجالات التي يتحرك فيها، ويصفها "الطاهر روانية" قائلا:" تمثل الأماكن التي ترمز إلى النفي والعزلة والكبت، إذ إن الإنغلاق في المكان الواحد، تعبير عن العجز، وعدم القدرة على العمل والفعل، والفشل في التعامل مع العالم الخارجي، كما أنها ترتبط بالذكريات الأليمة في وعي الشخصيات، أي أنها بشكل أوبآخر، تحافظ على الذكريات وقيمتها الأساسية"(1).و قد كان أغلب الاستعمال للأماكن المغلقة في هذا العرض متمثلا في الكلية، السجن ،البيت، العيادة ،الكافتيريا والبلدية.

         إن  تعدد الشخصيات، أو الذوات الفاعلة في هذا العمل الدرامي، أدى إلى تعدد الفضاءات المكانية التخيلية، فبواسطة الذوات الفاعلة تتحدد الفضاءات المكانية، سواء الدرامية أو العرضية، حيث يقول "عبد الملك مرتاض": " فلا  الزمن زمن إلا بها ومعها، ولا الحيز حيزا إلا بها، حيث هي التي  تحتويه وتقدره لغايتها" (2) .[7]

 وبهذا، فدلالة هذه الأمكنة ليس في حد ذاتها، أو في كونها مفتوحة أو مغلقة، أو مطابقتها للواقع من عدمها، وإنما تكمن في علاقتها بالشخصيات الفاعلة، واختراقها لها، وإحياء العلاقات بينها. فتلعب الشفرات المكانية في هذا العرض، دورا حاسما في تلقي القارئ لأحداثها ، أو في تلقي الجمهور المتفرج لعرضها. ففعل قراءة النص يتحول إلى فعل مشاهدة لأحداث مسرحية، تقع في أزمنة وأمكنة مختلفة فيدخل القارئ والمتفرج على حد سواء بجسديهما، ويزاحما بأمكنتهما المتخيلة ، أمكنة العرض.

          كما يشمل الفضاء المكاني للعرض  تلك الشفرات المكانية التي وظفها المخرج أثناء العرض، وفي كيفية تنظيمه لفضاء التمثيل على خشبة المسرح، حيث فسح المجال أمام الممثلين، ولم يضيق عليهم، فلم يكثر من عناصر الديكور، التي قد تعيق حركة التمثيل والممثلين إذ أن التنظيم المحكم لفضاء خشبة العرض يلعب دورا مهما في نجاح العروض المسرحية لذلك نجد المخرج قد اكتفى بعنصرين ديكوريين فقط. حيث يساعدان على الانبثاق من الذات  فتصبح الحركة علامة و الكلمة رسالة تختصر المساحات.

        تراتبية الثنائية في مسرحية (أهل البر و أهل البحر) حملت في طياتها لوحة متكاملة لفكر متمرد عن الواقع المعيش في ظل عولمة الأفكار بما يتعارض و قواعد الحضارة الإنسانية .

        عمل مسرحي مدته ثلاثون دقيقة؛ مازج فيه المخرج بين تقنيات مختلفة للعمل الإخراجي المسرحي فجمع مسرح العلبة مع خيال الظل؛ لكنه أطل علينا بصورة فنية جديدة تتشارك فيها الكلمة والحركة و الإيماءة بشكل راق و جميل، و تنوعت فيه اللوحات خاصة تلك التي شُكلت بخلفية الظل ؛ و ما كان لها من أثر عند المتلقي الذي أُقحم داخل العمل بطريقة ذكية - غير مباشرة - ليكون حاضرا على الخشبة بأفكاره و مشاعره و أحيانا بلمسته وهذا ما يحسب لصاحب العمل الذي وسّع رقعة العرض من الخشبة إلى العقول ذاتها .

رسائل العرض كانت جدا راقية تعتمد أساسا على مبدأ الحرية باعتبارها ملكا مشتركا و مشاعا للجميع؛ بعيدا عن القيود بكل مسمياتها؛ فكل الأديان السماوية و كل الأعراف و التقاليد؛ أقرّت هذا المبدأ منذ بداية الخليقة ، فوجب أن نعيش أحرارا في أفكارنا، في اختياراتنا و في قراراتنا داخل - طبعا - النمط الاجتماعي العام دون إحداث زعزعة لقواعد اجتماعية ترسي مبدأ السلام و تنظر إلى الآخر بعين التطور و الازدهار من غير مصادرة و لا حظر.    


(1)     [1] - كير إيلام  . سيمياء المسرح الدراما.  ترجمة رئيف كرم ، المركز الثقافي العربي،  بيروت ، ط1 ، 1992 ، ص 35.

(2)     حنان قصاب و ماري إلياس المعجم المسرحي ص85

(3)     المصدر نفسه ص95

[2] (1) - حسن بحراوي . بنية الشكل الروائي . المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط1 ، 1999 ، ص 32 .

(1) - غاستون باشلار. جماليات المكان. ترجمة غالب هالسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،  ط5 ، 2000 ،ص 39[4]

(1) – فاطمة الزهراء الوهيبي . المكان الجسد والقصيدة . المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط1 ، 2005 ، ص 31 .

(2)- حسن بحراوي . بنية الشكل الروائي . ص 29 .

 (3) – المرجع نفسه ص 30 .

[6] (1) - الطاهرروانية ." الرواية وفعالية النص" . مجلة التبيين ص . 43 - .44

[7]

  (2) – عبد الملك مرتاض . تحليل الخطاب السردي : معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية "زقاق المدق " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ط1  ، 1995 ، ص . 127 .

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية