في الذكرى السادسة لوفاة الشاعر الراحل الصديق عهد حسون الذي يصادف اليوم
13/4/2009 أقدم نصي ( أوراق في عشق وحزن الشاعر الراحل عهد حسون ) وهو أحد فصول كتابي ( شعراء سلمية ) قيد الطبع
أوراق في عشق وحزن
الشاعر الراحل عهد حسون
في دمشق 000 تعرفت إليه ، ولم يكن حزن السنين قد تمكن منه بعد 00
كان مقبلاً على الحياة بشغف الراغب في المزيد ، ولم تكن الدراسة في أحد المعاهد المتوسطة بجامعة دمشق تشغله كثيراً 0
أحلام وأرصفة ومقطوعات نثرية يرددها على مسامعنا ، وهو يلح علينا أن نشاركه كأسه أو نحتل مواقع معه في مقهى قريب 0
ثلة من أصدقاء ، كان يحلو لنا التسكع معه ، ويحلو له أن يتأبط ذراع أحدنا ليهمس في أذنه شيئاً ما ، ثم يقهقه 00
وكان يصر على دعوتنا إلى بيته القريب هناك ، في قبو نهبط إليه من أحد المداخل ، وهناك نكتشف سر تعلقه بأمه التي تعلن عن اطمئنانها ، أول ماتسمع صوت خطواته في المدخل 0
في إحدى يديه دائماً صحيفة ، كان يطلعنا فيها على زاوية يكتبها دون انقطاع ، يتداخل فيهاالشعر بهموم الشباب والمجتمع
وقد دأب معنا على نشر مقطوعاته الشعرية ــ النثرية على صفحات مجلة لم نكن نحتاج فيها إلى كبير عناء كي يؤذن لنا بذلك 0
وفي سلمية 000
كان يقضي إجازته الطويلة بعد أن عمل في إذاعة دمشق ، بدأت آلام العمر تظهر في ملامحه ، رغم أنه كان في الأربعينات الأولى من عمره 0 ولكنه لم يفقد ابتسامته وروح الدعابة عنده ، وفي كثير من الأحيان ضحكته المجلجلة 0
وكما كان يتسكع على أرصفة الأحلام في دمشق ، عاود التسكع في دروب صرت تراه فيهامصفراً غائر العينين ، يرفع يديه على استحياء ليحيي أو ليرد التحية 0
وجاء نبأ المرض المستفحل ثم العناية المشددة ، وبعد ذلك يصفعنا الرحيل المبكر لهذا الشاعرالشاب الذي لم يمهله القدر كثيراً كي يخرج بعض ماكتبه إلى النور 0
أحس شقيقه ( منيف ) بأمنية عهد المبتورة ، فكان أول مافعله ، أن جمع بعض قصاصات وجدهالديه ، ودفع بها إلى المطبعة ليخرج ديوانه الوحيد ( ثمة حزن عميق ) 0 و( منيف ) الإعلامي المخضرم ، يعلن في مقدمته للمجموعة : ( إن بوح عهد للسطور كان غزيراً ، ولكننا لم نعثر إلا على هذه الجراحات المدونة في أوراق قليلة ، مازالت تحتفظ برائحة التبغ والعزلة القاتلة وبشذى صوت فيروز ) 0
وهذا مادفعنا نحن أصدقاؤه للتساؤل : ترى أين مقطوعاته الأخرى 000؟
أين كتابات كان يطلعنا عليها عهد 000؟ ولماذا أضاعها أو أهملها 000؟
وهل أفقدته أيامه الأخيرة الملآى بالألم والحزن ، الأمل في أن يحقق أمنية الطباعة ، فأهمل أو أضاع أوراقه عمداً
ففي بعض أرشيف أجمعه لهذا الشاعر الصديق ، الكثير من المقطوعات التي لم تضمها دفتا المجموعة ، مقطوعات كنت أحاوره فيها ، يحاور وينفعل قليلاً ، ثم يعلن أنه يكتب للحبيبة التي تدرك حتى معاني الصمت عنده 0
ومع ذلك فقد حوت أوراقه في هذه المجموعة دفئاً وافراً ، وبعضاً من خفق قلب يتوق لحب يناله من حبيبة صاغها وعد وحلم وانتظار وبعض الذكرى :
ثمة صباح لايريد أن يوقظني
وثمة مساءات لاتريدني أن أغفو
وثمة صوت يعلن :
وأنبل مساحة في الروح
وقد بدا الشاعر عاشقاً يستجدي حضوراً دائماً للحبيبة ، يغنيه حتى عن الهواء :
وليس ندياً ذلك الهواء البخيل
ماأحوجني إلى عينيك أولاً
ثم إلى الهواء
وكل لحظات الحبيبة حب وصحو وغناء :
أحبك لحظة تألفين ذراعي
ولحظة تتمردين
وأعلن لقوافي الشعر وقامات الأشجار
أنك سر القصائد
وصحو الجنون
وأغنية الزمان
ولعل الحب نبضٌ يشتاقه ، نبضٌ يسوق قلبه إلى حيث يبغي ولكنها لاتبغي :
كأنه قدري
أحن إليك نبضاً
أيتها المسافرة باتجاه القلب
ولاتصلين
ويحتل الألم الممض مساحة أوسع في قصائد الشاعر التي يقودك عبرها إلى إحساس بالصقيع من خلال ضيق يصارعه بمفرده :
ثمة ضيق يطبق على صدري
وثمة مايشبه الإختناق
وثمة خوف من موت مفاجئ
وأنا بمفردي
وقد بات يضيق بصمت النجوم وصقيع الأمسيات وبكل ماحوله ، ويظل أمله في نظرة مترددة من حبيبة لاتجرؤ على البوح :
لماذا أعاتب النجمة على صمتها
والمساءات على صقيعها
والورد على ذبوله
لماذا أخشى الأماكن الضيقة
وكل ماحولي يضيق بي ويضيق علي
إلا تلك النظرة الخجلى
وذلك التردد
وكان يحس أن آلامه هي آلام شاب يذوي شبابه على عجل ، دون أن يستطيع إعلان حبه بلا تردد هو الآخر :
وليتني أستطيع أن أعلن حبي
لمن قاسمني المواعيد واحتراق الوجد
وأضاءت القناديل في أمنيات شباب يذوي على عجل
ولعل الحزن في داخله ، كان يدفعه لمزيد من اليأس ، ويحثه على المكابرة والنهوض للإحتفاء
بطيف الحبيبة :
كان الوقت آخر مرفأ من الليل
وكنت ألملم بعض النعاس لأغفو
حين تماوج طيفها في أرجاء الغرفة الباردة
تماسكت لأنهض
ولكني عجزت ، ولم أقو على الإحتفاء به
رمقني بحزن وصمت
ثم دثرني بعباءة النوم
ومضى
كما أن أوراقه الأخيرة كانت رابطه الأوحد بالحياة ، التي بدأ يحس بنفادها :
ماالذي بقي لي
غير الأوراق وصدى الحكايات البعيدة
ماالذي يربطني بهذا العالم
غير الغربة وانكسار الروح
وعندما أراد الشاعر عبد القادر الحصني أن يرسم صورة عهد من خلال نصوصه ، لم يقع على مايكفي من الخطوط لرسم تلك الصورة على حد قوله ، فعهد ( كان من حلم وصمت وضباب وخمر وروح مشبع بالغربة ) 0
ولكن 000
كيف أفقده شبابه الذاوي كل ذاك الحماس الكبير للشعر 000؟
ولماذا أضاع أوراقاً كانت تعني له الكثير في سنوات الخمر والعشق والتسكع 000
لقد عاش عهد سنين عمره المختزلة مخلصاً للشعر ، طامحاً أن يحقق مكانة ما من خلاله ،
وعندما ذوى ، لم يترك سوى نتف أوراق ، فيها رائحة حزن معتق 0
عهد 000
إنني أقر مع الكثير من الأصدقاء بتقصيرنا تجاهك في أيامك الأخيرة ، ولكنني كنت أحس بميلك للعزلة والصمت والإنكفاء 00
وأنا كصديقك الشاعر مفيد خنسة لم أكن أملك الشجاعة للقائك وأنت على فراش المرض ، مفيد
الذي قال كلمة في روحك ونفسك وآلامك ( كان جسد عهد الناحل ، يحمل نفساً عزيزة ، وكبرياء عفيفاً ، ولن تستطيع الذاكرة أن تمحو عن جدرانها صورة طيفه الهادئ ، وابتسامته المحيرة ، ووفائه النبيل ، ومروره الوداع وهو يعبر الحياة صامتاً ، متأملاً ، ومتألماً ) 0
أنا لست متيقناً ، أن كل ماكتبت قد ضاع عمداً أوبدون عمد 00 فلديك نفحة شعرية تميزك ، وقدأبدى الكثيرون ممن سمعوا أو قرؤوا هذه النفحات ، إعجابهم بها ، وأنت لم تستهن بإعجاب كهذا ، بل طربت له 0
فأي تأثر ذاك الذي دفعك ، أو دفع من كان حولك كي يهملوا أويتلفوا أويتستروا على إضاءات جاهدت بها سنين طويلة ...
محمد عزوز
التعليقات