أوراق قدموسية
(10)
كلب بهجت
كان يشبهه تماماً في شكله ، في ألوان فروه غير
المتناسق ، في بحة صوته ، في عدوه السريع ..
عاد كلب بهجت إلى ذاكرتي بكل تفاصيله
تلك ، وأنا أشهد عدو نظيره إلى جواري ونباحه في صباحاتي المتأخرة خلال رحلة المشي
التي اعتمدتها منذ مدة ، والتي وصفها لي الطبيب كأسلوب وقائي جيد من أمراض الكهولة
وما يتبعها .
عادت إلي صورته وهو الذي كان يرعبنا ونحن صغار ، في
أطراف حينا، وبالتحديد عند منزل الخياطة جميلة التي كانت أمُنا تصر على إرسالنا
إليها كي نحضر هذا الثوب أو ذاك ، في أيام لم يكن فيها للثياب الجاهزة وجود ، وكنا
نتذرع بشتى الذرائع كي تحجم عن إرسالنا ، وأهمها كلب بهجت :
- يا أمي والله كلب بهجت بيخوفنا
- مابيعمل شي .. بينبحلو شوي .. عيب صرتو كبار بتخافو من
كلب
..
ونحن نعرف بهجت هذا ، الذي ربى الكلب ورعاه منذ صغره
فارتبط به وكأنه ابنه
.
كان يبدأ بالنباح فور رؤيته لنا من بعيد ، ويعدو صوبنا
من مقره على طرف السطح المداني للزاروب المؤدي إلى بيت جميلة .
ولأننا كنا صغاراً ، لم نكن نجيد أي عمل لإخافته ،
فيتجاسر على الإقتراب منا ، نعدو أمامه ، فنحرضه على العدو خلفنا ، وتبدأ رحلة
الفزع الأكبر ، حتى يأتي من يصرخ به من الكبار .
ورغم أنه لم يلمس أي واحد فينا ، أنا وأترابي ، إلا أن
الخوف ظل مزروعاً فينا أمداً طويلاً .
كل ذلك وأهلنا يصرون أن المسألة لا تتعدى النباح ، إلا
أخي الأكبر علي الذي بدا ولفرط تأثره أنه بيتَ أمراً لم نعرفه .
وبعد أيام دوى صوت طلقة نارية ، ركضنا نحن أولاد
الحارة إلى مكان الصوت ، كان الكلب مضرجاً بدمه ، يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وأخي يعلن
انتصاره وجفت الصيد بيده .
صدقوني .. ورغم اللغط الذي أثاره إعدام الكلب في
الحارة ، واعتبار ذلك خطأً كبيراً ارتكبه أخي ، ورغم العداوة التي نشأت بين الأسرتين
بسببه ، فأنا حتى هذه اللحظة أعتبر أن أخي خلصنا من كابوس رافق طفولتنا زمناً ،
ومازلت حتى هذه اللحظة كلما مررت بجانب ذلك السطح الذي أصبح إسمنتياً وارتفعت
جدرانه ، أتخيله ، أتخيل كلب بهجت ، يركض ليصير خلف أقفيتنا ، ,أسمع صوت نباحه ،
وأخفي أمام من يرافقني خوفاً كامناً في الصدر ..
محمد عزوز
قدموس 2012/1/15
التعليقات