قصة قصيرة

أوراق قدموسية 10 بقلم محمد عزوز..

أوراق قدموسية 10 بقلم محمد عزوز..

1536 مشاهدة

أوراق قدموسية
(10)
كلب بهجت

كان يشبهه تماماً في شكله ، في ألوان فروه غير المتناسق ، في بحة صوته ، في عدوه السريع ..

عاد كلب بهجت إلى ذاكرتي بكل تفاصيله تلك ، وأنا أشهد عدو نظيره إلى جواري ونباحه في صباحاتي المتأخرة خلال رحلة المشي التي اعتمدتها منذ مدة ، والتي وصفها لي الطبيب كأسلوب وقائي جيد من أمراض الكهولة وما يتبعها .
عادت إلي صورته وهو الذي كان يرعبنا ونحن صغار ، في أطراف حينا، وبالتحديد عند منزل الخياطة جميلة التي كانت أمُنا تصر على إرسالنا إليها كي نحضر هذا الثوب أو ذاك ، في أيام لم يكن فيها للثياب الجاهزة وجود ، وكنا نتذرع بشتى الذرائع كي تحجم عن إرسالنا ، وأهمها كلب بهجت :
-
يا أمي والله كلب بهجت بيخوفنا
-
مابيعمل شي .. بينبحلو شوي .. عيب صرتو كبار بتخافو من كلب ..
ونحن نعرف بهجت هذا ، الذي ربى الكلب ورعاه منذ صغره فارتبط به وكأنه ابنه .
كان يبدأ بالنباح فور رؤيته لنا من بعيد ، ويعدو صوبنا من مقره على طرف السطح المداني للزاروب المؤدي إلى بيت جميلة .
ولأننا كنا صغاراً ، لم نكن نجيد أي عمل لإخافته ، فيتجاسر على الإقتراب منا ، نعدو أمامه ، فنحرضه على العدو خلفنا ، وتبدأ رحلة الفزع الأكبر ، حتى يأتي من يصرخ به من الكبار .
ورغم أنه لم يلمس أي واحد فينا ، أنا وأترابي ، إلا أن الخوف ظل مزروعاً فينا أمداً طويلاً .
كل ذلك وأهلنا يصرون أن المسألة لا تتعدى النباح ، إلا أخي الأكبر علي الذي بدا ولفرط تأثره أنه بيتَ أمراً لم نعرفه .
وبعد أيام دوى صوت طلقة نارية ، ركضنا نحن أولاد الحارة إلى مكان الصوت ، كان الكلب مضرجاً بدمه ، يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وأخي يعلن انتصاره وجفت الصيد بيده .
صدقوني .. ورغم اللغط الذي أثاره إعدام الكلب في الحارة ، واعتبار ذلك خطأً كبيراً ارتكبه أخي ، ورغم العداوة التي نشأت بين الأسرتين بسببه ، فأنا حتى هذه اللحظة أعتبر أن أخي خلصنا من كابوس رافق طفولتنا زمناً ، ومازلت حتى هذه اللحظة كلما مررت بجانب ذلك السطح الذي أصبح إسمنتياً وارتفعت جدرانه ، أتخيله ، أتخيل كلب بهجت ، يركض ليصير خلف أقفيتنا ، ,أسمع صوت نباحه ، وأخفي أمام من يرافقني خوفاً كامناً في الصدر ..

محمد عزوز
قدموس 2012/1/15

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية