قصة قصيرة

أوراق قدموسية 24 محمد عزوز

أوراق قدموسية 24 محمد عزوز

1553 مشاهدة

أوراق قدموسية
(24)
قال نعمة قال

أفاقت كعادتها في بواكير الصباح، واستغربت أن تجدني مستيقظاً قبلها، إذ لا يجوز عندها أن يستيقظ الولد قبل أهله، وقبل أن تبادرني السؤال، حاولتُ أن أبرر:
- لكني كبرت يا أمي .. إنني ألحق بك، تكفيني ساعات قليلة من النوم.
بدا عليها عدم الإقتناع، ولم تصمت، بل تمتمت بكلام لم أسمعه ولكني فهمت فحواه :
-
 شو كبير ؟ ابني وكبير ؟ والله هالحكي ما بيعبي الراس ..
تسرع إلى ستائر الغرفة فترفعها كيفما اتفق، لينكشف نور الصباح أكثر، وتعلن على الفور :
 -
الظاهر ضحينا بالنومة .. طالعة الشمس ..
وتبدأ قبل أن تفعل أي شيء بتفقد حاجاتي، وعندما تكتشف أن بعض ما فعلته غير مكتمل، تتدحرج كلمة ( ليش ) على مسمعي مرفقة بكلمات أخرى صرت أحفظها، ولم أنبس لأني سأعجز كما العادة عن إقناعها .
وتصر على محاورتي وأنا منشغل عنها بحاسبي الشخصي، وهي لا تقتنع أن هذا يشكل انشغالاً، إذ كيف أنشغل ويداي متحررتان، وليس معي كتاب أو أوراق كما اعتادت أن ترى .
أشير إليها أن تصمت، فتمتعض من لهجة الأمر في كلامي، وقبل أن تستبين أعلن :
-
 أنا أتحدث مع ابن عمي رفيق في كندا ..
-
 شو ..؟!! شو حديث ؟ أنت لا تتكلم ..؟
ولم تستوعب شروحاتي، فصمتت متبرمة .
ومضى وقت، ضاقت فيه ذرعاً بكل هذا الصمت من حولها، قامتْ إلى النافذة، ولما لم يصل إلى مسامعها أي صوت، استنجدتْ بالباب، ثم عادت بعد دقائق وكلامها يسبقها :
-
 غريبة هالدنيا .. لا حس ولا حركة
ولما لم أكترث لكلامها، أعادته مكررة، فخرجت عن طوري :
-
 إي .. ليش مستغربة ..؟ هي نعمة يا أمي .. نعمة ..
-
 شو نعمة ..؟ لسا بيقلي نعمة .. لا حس ولا حسيس ونعمة ..؟!!
-
 نعمة الهدوء عند غيرنا بتنشرى بالمصاري ..
وصمتُّ مستذكراً صباحاتي في مدينة دمرت أعصابي فيها أصوات صفير كشاشي الحمام ومحركات الدراجات النارية وصراخ أطفال الحي وشتائم أهليهم ..
تركتني لصمتي وتوجهت إلى سطح البيت، وسمعتها تنادي على جاراتها:
-
 يا أم أمين .. يا أم حياة .. يا وهيبة ..
ولما لم تظفر برد، عادت مكفهرة الوجه، فتفاديتُ سؤالها، ولما طال صمتي، عادت تلوح برأسها، ثم تكرر بصوت كنت أسمعه جيداً :
-
 قال نعمة قال ..

محمد عزوز
قدموس 2012/2/5

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية