قصة قصيرة

أوراق قدموسية ..44 ..محمد عزوز...

أوراق قدموسية ..44 ..محمد عزوز...

1623 مشاهدة

أوراق قدموسية
(44)
معقول يا قدامسة

حيتني بتحيتها المكتوبة الخجولة كعادتها ، وقدرتُ أنها لن تتعدى ذلك ، فقد اعتدت أن أقرأ تحيتها المقتضبة ، ثم أشهد انسحاباً سريعاً بعد ذلك . ولما جاء ردي على شكل استفسار ، أجابت ، وسألتني عن أحوال سلمية .
-
أنا في القدموس منذ بعض الوقت ..
قرأت الإستغراب في شح كلماتها ، وتوقعت أن تنهي كلامها على الفور ، ربما خوفاً من أن تجدني على باب بيتها بعد قليل .. لأنني كنت قد حطمت حاجز الإفتراضي في تأن فرضته ذات مساء ، وعرفت اسمها الحقيقي وأهلها .
ولكنها تابعت ، ولعلها خجلت من انسحاب غير لائق ، وهي تعرف أنني في العمر أكبر من أبيها .
وامتد الحوار ليشمل الحي الذي أقيم به في القدموس ، فسألتها :
-
ألا تعرفين المكان ..؟
فرأيت كلماتها ترتبك ، ثم تعلن :
-
أنا لا أعرف المكان فعلاً .. وأنا لم أزر السوق القديم ولو مرة واحدة في حياتي ..
صفعة كانت ، لم أتحمل وجعها ، فداريت انسحابي من حوار آلمني ، وخلت نفسي لوهلة أنني في مدينة كبيرة ، لا يعرف أبناء الحي أحياء أخرى في مدينتهم .. ثم عدت إلى حقيقة الوضع .. الذي يعرفه القاصي والداني .. فالقدموس مدينة حديثة العهد بالمدن ، ولا يزال الجميع يردد أسماء حاراتها القديمة كجزء من حياتهم ( باب السور – تحت السور – باب الطاقة – حارة الفوقه – حارة التحتهحارة الأمارة – حارة المشايخ – القواقات – الرويس – البياضة – المدخنة ... (
ولم تكن الصبية غريبة أو بعيدة عن هذه الأسماء والأجواء ، وهي ابنة إحدى عائلات القدموس العريقة .
ولكن الغرابة كانت في أن تعلن غربتها عن أكثر حارات القدموس عراقة ، وتجعلني أحس لوهلة أنها تعيب قدم المكان ، وتعتز بسكنها في حي حديث البناء ، وصرخت في داخلي ..
-
( معقول يا قدامسة ..)؟!!
وانحدرت دمعة ، ذكرتني بدموع انحدرت على وجنتي ، وغصة في الحلق تحول دون متابعة الكلام عندي ، وأنا أكتب وأردد على مسمعي أجزاء مطولة من غنائيتي الأغلى عن القدموس قبل سنوات ( يا طير ويللي طاير ) محملاً ذاك الطير كل شوقي لكل حجر في القدموس العتيقة الأصيلة ، رغم أني لم أكن بعيداً عنها .
وتمنيت لو أستطيع الوصول إلى أصدقاء آخرين بكوا معي عندما سمعوها مني ، ورددوا :
-
تحية لأصلك ومودتك أيها الوفي ..
وانسابت دموعي مجدداً وأنا أردد من جديد :
كلو نســـي ديار الأهل
ونسي الوفا بكل مكان
رح ابكي ليوم الحشــر
عالعتم وظلم الإنسـان

محمد عزوز

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية