قصة قصيرة

أوراق قدموسية .. بقلم القاص محمد عزوز..

أوراق قدموسية .. بقلم القاص محمد عزوز..

1475 مشاهدة

أوراق قدموسية

بقلم القاص : محمد عزوز

( 1)

قدموس الولادة

ليلة الأمس مزقتني آلام الوطن وأنهكت ما تبقى مني بعد رحلة وجع امتدت أشهراً ، ولم تترك في داخلي إلا بعض أمل ..

أمل قادني إلى مكان ألجأ إليه عندما أصارع هماً واسع الطيف .. كي أستزيد وأقوى ..

قدموس .. حيث سقطت من رحم أمي ذات صباح شتائي كهذا الصباح الذي يختلط رعده ببرقه بصوت وابل أمطاره وصوت سيول تجري في زاروب حارتنا الذي لايزال محافظاً على كل بهائه ..

أقول سقطت ، لأن أحداً لم يساعد أمي في تلقف جسدي الصغير ، الذي أطلق صرخته الأولى قرب مدفأة حطب عتيقة أشعلتها أمي رغم آلام مخاضها السريع بعد أن أرسلت والدي كي يستدعي لها أحداً ما يساعدها ..

مدفأة تقبع في منتصف (ًعليّة ) ترفع سقفها قنطرة حجرية ، لا تزال شامخة رغم أنف التحدي الكبير.

كنت في عجالة كي أصل إلى دنيا اكتشفتُ بعد أكثر من خمسين سنة أنها جميلة ولكنها ليست لأمثالي .. ولازالت أمي التي قاربت الثمانين الآن تقول لي مستغربة :

 -  بدي أعرف ع شو كنت مستعجل .. ؟

هي لم تنس وحدتها وعذابها يومها ، تتألم وتنظر إلي خائفة ، وتنتظر صوتاً يأتي من الخارج كي يقطع لي حبل سرتي .. واستبشرتْ خيراً وتهلل وجهها وهي تسمع صوت امرأة عجوز في الخارج تلوم والدي على تأخره وتقول :

-         عم اسمع صوت بكي يا محمود .. كأنها مراتك مخلفة لحالها ..

لا أذكر بالطبع بكائي ووحدتي ووجع أمي وخوفها .. لكني أذكر وجعاً آخر ظل يقض مضاجعي عمراً بأكمله ..

وجع لخصه لي صديقي الوفي أحمد قبل أشهر بكلمات ، وأنا أستمزج رأيه في ما يجري على أرض وطن صرنا نسمع صوت أنينه :

-         والله هالوطن كتير علينا يا محمد ..

معك حق يا أحمد .. رعم أن ضمير النا في علينا ، نعرف كلنا عائديته

قدموس صباح 25/12/2011

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية