قصة قصيرة

أوراق قدموسية رقم 8 محمد عزوز

أوراق قدموسية رقم 8 محمد عزوز

1521 مشاهدة

أوراق قدموسية
( 8 )
ثلوج

يتصلون بي من كل مكان، من خارج القدموس وداخلها :

 - دير بالك في عاصفة جاية
وأنا لا أكترث للخبر .
ترتفع وتيرة غليانهم من برودة أعصابي :
-
 من أين سمعتم ..؟
 -
يا أخي .. كل النشرات الجوية على الفضائيات وعلى الإنترنيت تقول أن عاصفة قادمة إلى المنطقة محملة بالأمطار والثلوج، وسرعة الرياح كبيرة .
وحطت العاصفة رحالها، هطولات مطرية ثم ثلجية، لم يقف الثلج على الأرض، ثم يتكشف الجو بعد ذلك، وتعلن الشمس سطوعاً شتوياً مقبولاً، ونسمة ريح باردة نسبياً تلسع الوجوه .
وتنهدوا لرحيل العاصفة بينما رحت أضحك بهستيرية متعمدة أثارت حفيظتهم، فعصفت الريح بكلماتي التي أقلعت بسرعة تفوق سرعة رياح عاصفتهم :
-
 في ثلجة الأربعين التي لم يعاصرها أبي، لكنهم تحدثوا له عنها، ظلت تندف ثلجاً لمدة أربعين يوماً حسب روايتهم، وتكدس وتجمد الثلج أكثر، واضطروا لنزح الثلج بشكل متواصل من فوق أسطح منازلهم، مما ملأ الأزقة والزواريب، فحفروا ممرات وسلالم في الثلج إلى أبواب بيوتهم، وكانت البيوت عامرة بالطحين والسمن والبرغل وعلف الدواب، فلم يجوعوا ولم تجع دوابهم، وما احتاجوا لمعونات تهبط إليهم في مظلات أو حوامات .
قد تعتبرون أن الرواية مبالغ بها، سأفترض ذلك وأروي لكم بعض مما شهدت وأنا لا أزال أخطو فوق الخمسين ببضع سنين .
-
 لم تعطل المدارس في رحلات الثلج السابقة خلال اثني عشر عاماً أمضيتها في المدرسة بدأت أواسط الستينيات وانتهت أواسط السبعينيات من القرن الماضي .. إلا عندما يعجز أبناء القرى المجاورة من الوصول إليها، ولا تزال آثار قضيب الرمان ماثلة على أكفنا منذ ضربنا به موجه المدرسة ونحن في الأول الثانوي وهو يصيح بنا مابين الجد والهزل :
(ولك شو جايبكم .. المجنون ما بيطلع برا بيتو (
 -
يصطحبني والدي معه في إحدى رحلات الثلج الصعبة إلى الحرش المجاور لنحمل ونجر بعض أغصان السنديان التي ستكون طعاماً بديلاً لبقراتنا بعد أن نفد التبن، وكانت المشكلة في عبور النهر الذي كان في أقصى ثورته، لكن الإصرار كان وراء عبور فيه الكثير من الخطر .
-
 منذ عشرين سنة بالتمام والكمال مات أبي، وبعد أن أنهينا واجب الدفن والعزاء، أيقظتني أمي في الصباح الباكر وهي تعلن خوفها من وقوع السقف بسبب تراكم الثلوج فوقه، وتعاونت وأخي الأصغر على نزح الثلج وعرجلة السقف .
-
 وقبل أقل من عشر سنين ماتت جدتي لأمي، وكان علينا أن نقوم بواجب الدفن في وقت كانت فيه المياه متجمدة في جريانها مما يسمى (زميتي ) فترى قرون الماء متدلية من أعلى الصخور وفي خط سير مزاريب المياه .
ضاق صدرهم من طول حديثي وتعدد أمثلتي، فأشاروا إلي أن اصمت ..
وصمتُّ وأنا أهزأ بهم بمحبة :
 -
وتسمون هذا الذي حدث عاصفة ، لمجرد أن مذيعاً تتحرك خلفه أو إلى جانبه خرائط وأسهم وأرقام .. قال لكم تتعرض البلاد لعاصفة قوامها الريح والمطر والثلج، وزاد أن رعداً وبرقاً سيرفعان من معدل تناميها .

محمد عزوز
قدموس 2012/1/12

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية