وراق
قدموسية
(39)
عصافير تستجدي وتصلي
صامت صباحي كما هي عادته
.. أحاول التقاط أصوات تمن علي بها الطبيعة الجميلة من حولي .
عصفورتي التي صرت أنتظر
غناءها صباح مساء ، صارت ميقاتي الأهم ، لأنها توقت غناءها على عقارب ساعتها التي
ربما فاقت في دقتها
عقارب الدقة في ساعات الزمن المبتكرة على مر العصور ..
نغمة تطلقها ، ثم تتبعها
بأخرى ، فأحار وأخال أني مخدوع بهذا التناغم العجيب في صوتها
..
وصار هاجسي أن أنعم
برؤيتها آملاً أن يحمل لي شكلها ما يفسر لي عجيب النغم ، فصرت أتخفى وقت غنائها ،
وأحاول الإقتراب من مصدر الصوت ، حتى ظفرت ، ففوجئت بنحول جسدها وسرعة طيرانها ،
لتختار غصناً موارباً في أعلى شجيرات التين أو المشمش أوالأكاسيا أوالزنزلخت ..
التي تحيط بمنزل هو في وسط البيوت ، ولكن بيوتنا برية كاملة بكل تفاصيلها
..
أما ذاك الجمع من الدوري
الذي يعلن عن نفسه بذاك الصوت الذي يظهر جماله في اجتماعه ، لأنه لا يجيد الغناء ،
يقترب كثيراً منا ، ولكنه يظل متأهباً للفرار عند أي حركة أو صوت .
عودتهم أمي على وجبات من
الخبز توزعها كيفما اتفق على سطح البيت ، فصاروا يطلبون الوجبة منها ، أوهكذا يهيأ
لها ، فتنهض فور استيقاظها ، لتمارس الفعل نفسه .. حتى لوكان ذلك على حساب خبزها
اليومي ..
وشاء الظرف أن تغيب أمي
في بعض الصباحات ، وأحضر أنا لأشهد تجمعاً غريباً لهم في مخرج الدرج .. ، سمعت
استجداءهم ، وأحسست أنها كانت محقة في تفسيرها ، كان كل واحد فيهم يستجدي بطريقته
، ثم يمعن في الإقتراب أكثر كي يطمئن أن صوت استجدائه قد وصل لأصحاب البيت
..
ولما وجدوا أنني لم أفعل
لهم شيئاً ، تمادوا في استجدائهم ، فوجدت نفسي مدفوعاً لممارسة طقس أمي في توزيع
أرغفة خبز لم تعد تصلح إلا لهم .
وفاتني أن الهواء والشمس
سيكونان أسرع منهم إلى الخبز الذي صارت قساوته تدفعني إلى السطح مجدداً ، لأستطلع
أمر ذلك الصوت الذي لم يكن ناجماً إلا عن صراعها مع خبز صار بقساوة الحجر .
وكان علي كي أتجاوز
الأمر بأن أبلل الخبز بالماء كي يسهل صراع مناقيرها معه .
وظفرت بنوبة شكرعلى
طريقتهم .. وكنت قادراً على قراءة الشكر الذي شابه غناء جماعياً لفرقة من ذكور
وأناث ..
وصار هذا طقساً من طقوس
صباحات أيامي ، التي صارت مفعمة بالإستجداء تارة وبصلوات الشكر تارة أخرى .
محمد عزوز
أوراق قدموسية39 بقلم محمد عزوز...
الخميس شباط,2013
1532 مشاهدة
التعليقات