دراسات أدبية

إبراهيم الحسيني يستلهم مقهى سعد الله ونوس والحكواتي

إبراهيم الحسيني يستلهم مقهى سعد الله ونوس والحكواتي

371 مشاهدة

إبراهيم الحسيني يستلهم مقهى سعد الله ونوس والحكواتي

 عبد الكريم الحجراوي #مصر

#إعلام _الهيئة _العربية _للمسرح

#المملوك جابر

من مسرحية #مغامرة رأس المملوك جابر

لا يستطيع قارئ مسرحية “تغريبة آدم الليلكي” (دار جملون- عمَّان) للكاتب المصري إبراهيم الحسيني والفائزة بالجائزة الأولى في الدورة الأحدث من مسابقة التأليف المسرحي التي ينظمها المجلس الأعلى المصري للثقافة أن يغفل التشابه بينها وبين مسرحية سعد الله ونوس “رأس المملوك جابر”. هذا التشابه يتجلى في الإطار العام لبناء المسرحية، وفي بعض الحوار ما بين الشخصيات.

المسرحيتان تدور أحداثهما في مقهى شعبي، وتتشابه بداية مسرحية ونوس التي كتبها في أوائل سبعينيات القرن الماضي، مع بداية مسرحية الحسيني، حيث الزبائن الذين يطلبون المشروبات في انتظار شروع “الحكواتي” في عمله. في “مغامرة رأس المملوك جابر”؛ الزبائن في انتظار أن يحكي لهم “العم مؤنس” سيرة الظاهر بيبرس، بدلاً من الحكايات المؤلمة ذات النهايات التعيسة التي اعتاد أن يحكيها، وفي “تغريبة آدم الليلكي” ينتظرون من “الحكَّاء جابر” أن يروي لهم سيرة “حمزة البهلوان”.

غلافففف تغريبة.jpg

المسرحية المصرية ” (دار النشر)

وفي مسرحية ونوس، يرفض “العم مؤنس” أن يحكي سيرة الظاهر بيبرس، متعللاً بأنه لا يجوز أن يتخطى تسلسل الحكايات في كتابه الذي تأتي فيه سيرة بيبرس بعد “قصص الزمان” التي منها “حكاية المملوك جابر”. بينما في مسرحية الحسيني تدخل “ريتاج” لتحكي “حكاية مِن هذا الزمان”، بدلاً من “سيرة حمزة البهلوان”. وكما يتداخل زبائن المقهى في أحداث الحكاية عند “ونوس” ويقوم بعضهم بأدوار شخوصها، فإن الأمر نفسه يحدث في مسرحية الحسيني.

فكما كان يشيد الزبائن بفعل “المملوك جابر وذكائه”، نجد في مسرحية الحسيني مَن يشيد بفِعل “آدم”. وفي النصين يعبر الزبائن عن ضيقهم من المصير الذي آل إليه البطلان، ومن القصة الحزينة التي يقصها الراويان. ففي مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” مِن الزبائن مَن يقول: “إنها حكاية قاتمة كحكاية البارحة”، فيما يقول آخر: “إذا كانت حكاياتك لن تتغير يا عم مؤنس سنبقى في بيوتنا”، ويعقّب ثالث: “يأتي الواحد هنا ليفرج كربه ويسرّي عن نفسه؛ لا ليكتئب ويحزن”. وفي مسرحية “تغريبة آدم الليلكي” يقول زبون: “يا لها من سيرة… ماذا فعلت بنا يا جابر؟ هيأنا أنفسنا لسماع سيرة من زمن البطولات فإذا بك تسرد علينا سيرة من زمن الهزائم! عــد بنا إلى سيرة حمزة البهلوان”، ويقول آخر: “يكفي ما حدث الليلة وفي الغد إن كُتِبَ لنا العيش نعود لسيرة حمزة البهلوان”.

تشابه في سياق الهزائم

وكثيراً ما تتشابه ردود فعل زبائن مقهى مسرحية “تغريبة آدم الليلكي” مع رود فعل زبائن مقهى سعد الله ونوس. كلهم يريدون نسيان واقعهم الأليم بحكايات الانتصارات، فيستنجدون بأبطال الماضي. “أديب”؛ أحد زبائن المقهى يقول: “آه لو كنا في زمن حمزة البهلـوان وأبوزيـد الهلالـي لاسـتطعنا إيقاف كل مهازل الشر في العالم”. إنها جملة تلخص التواكل الذي سعى إلى تثويره بشكل واضح سعد الله ونوس في مسرحيته، وجاء بشكل ضمني غير مباشر عند إبراهيم الحسيني.

والتشابه ما بين المسرحتين لا يتأتى فقط في الإطار العام للحكاية، وإنما أيضاً في السياق الاجتماعي نفسه، ما بين زمن سعد الله ونوس في بداية السبعينيات حين كتب مسرحيته، وما بين الزمان الحالي، إنه زمن الهزائم العربية في كل مكان في سوريا والعراق واليمن وليبيا. ما بين نكسة 1967، وخسارة فلسطين والوحدة ما بين مصر وسوريا، تضاعفت الخيبات. لذا ليست هناك غضاضة في تقديم مسرحية ونوس الآن، لأن الواقع العربي لم يتغير.

سعد الله ونوس (1941-1997)

تدور أحداث “تغريبة آدم الليلكي” في مكان وزمان غير محددين، حول “أماندا”، و”آدم”، و”أمير”، و”ريتاج”، الذين يجمعون الزهور مقابل أجر زهيد، إلى أن تندلع حرب أهلية، ويتم القبض عليهم، باستثناء “ريتاج؛ أخت “آدم” وحبيبة “أمير”، لينضموا قسراً إلى إحدى الميليشيات المتحاربة. حيث يحاول الثلاثة الهرب من هذه الحرب من طريق الهجرة إلى دولة أوروبية، لترتكب فيهم عصابات التهريب أفظع الجرائم: تقتل “أمير”، وتغتصب “أماندا” التي تلقي بنفسها في البحر فور اغتصابها، ليتبقى “آدم” في نهاية مفتوحة على احتمال أن ينتحر هو أيضاً، لينجو من السجن بتهمة الهجرة غير المشروعة.

لوحات بريختية

جاءت “تغريبة آدم الليلكي” في 13 لوحة؛ على غرار لوحات المسرح الملحمي، كل لوحة تحكي جانباً من القصة، وتكشف عن حجم المأساة، وجاءت عناوين تلك اللوحات غاية في الشاعرية: “حكاية زهور الليلك التي لم يفح عطرها، رزاز القهر والجوع، الحرية كهامش والحرب كمتن، الحب داخل شاحنة الجاز، تمرينات كافية للتعرف على الموت، صار الرجال أكبر حجماً من خيباتهم، حوار استفزازي لا ينتهي بالموت…”. ولا يخفى على قارئ تلك المسرحية الإسقاط السياسي على ما هو حادث في الوطن العربي الآن، خصوصاً إقبال الشباب على الهجرة غير المشروعة، بعد فقدان الأمل في بلدانهم.

والاتكاء على المورث في هذه المسرحية واضح من عنوانها “تغريبة…”؛ تلك الكلمة التي تحيلنا على سيرة بني هلال، وبخاصة حلقة تغريبهم ورحلتهم إلى تونس الخضراء بعد أن أجدبت نجد، فكذلك كانت تغريبة أبطال المسرحية بعدما أجدبت بلادهم بفعل الحروب الأهلية، وفساد الحكام والساسة، وتلاعبهم بأحلام شعوبهم، إلا أن المسرحية على الرغم من كل ما يحدث في الأوطان من مآس تضر بالشباب ومستقبلهم، لا تحرض أبداً على الهجرة للغرب، وذلك يتضح من المصير المأسوي الذي ناله جميع مَن حاولوا الهجرة ظانين أنهم سيجدون حياة أفضل.

وعموماً نجح الحسيني، في تصوير الواقع العربي بشكل غير مباشر، والكشف عن مدى وحشية السياسة الرأسمالية الغربية التي تحول حتى المشاعر إلى سلعة تباع وتشترى.