حوار مع مبدع

إشكالات المسرح الجزائري

إشكالات المسرح الجزائري

3383 مشاهدة

إشكالات المسرح الجزائري

في

حوار مع إيلاف

السلام عليكم
اليكم اخواني هذا الحوار الذي جمعني بالزميل "كمال الشيرازي" لجريدة "ايلاف" الالكترونية والذي حاولت ان أوجز فيه بعض اهم ما يعاني منه المسرح في "الجزائر" من مصاعب تحد من انطلاقته الفعلية لصناعة المستقبل الفني المنوط به

كامل الشيرازي من الجزائر: يجزم الأكاديمي المسرحي الجزائري "عبد الحليم بوشراكي" أنّ الحركة النقدية المسرحية في الجزائر تسير بتثاقل كبير، ويعيب على عرّابي المسرح في الجزائر محاكاتهم لكل شيء عدا مشكلات الوسط المحلي ورهاناته، ويعتقد "بوشراكي" في هذا الحديث الخاص بـ"إيلاف"، أنّ الحل يكمن في فعل تراثي يعيد الوهج إلى العملية المسرحية برمتها، كاشفا عن صيغة سلسلة مسرحية يريد وضعها على المحك انطلاقا من أعمال الراحل الكبير "سعد الله ونوس".


 أي مقاربة تجرونها للمسرح الجزائري حاليا؟

-
 شكرا جزيلا، المسرح الجزائري بالمنظار الجديد هو إعادة الاعتبار لتأصيل الظاهرة المسرحية الجزائرية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المسرح العربي عموما، لذا إشتغلنا على مسرح سعد الله ونوس باعتباره جسّد حقبة من الشعور العربي التوافقي خاصة بعد مرحلة العام/  1973/.
عموما هناك توجهان للمسرح العربي، توجه يحاول أن يخدم الواقع في حقبته، وتوجه يرفض هذه الفكرة ويعود إلى التراث بكل أشكاله وبين هاتين المسافتين، ارتأينا مقاربة للتوجهين، فلا مسرح ينفصل عن واقعه، ولا تراث يحيا خارج واقعه، أردد هنا جملتي المشهورة دائما: "من نسي واقعه فقد أعلن احتضاره".

 تُطرح نقاط ظلّ عديدة بشأن منظومة النقد المسرحي في الجزائر، بين من يرى بفصاميتها، وآخرون يرون باحتوائها على مؤشرات نضوج مستقبلا، ما رأيكم؟

-
 إنه لمن العسير الخوض في هذا المضمار الصعب جدا، فإن تطرقنا إلى الحديث عن الناقد، فهذا يوهم البعض أنّ الحركة المسرحية الجزائرية بلغت أوجها، في حين أنّ الوهن بلغ الكثير والكثير، عموما الحركة النقدية في الجزائر لا تزال تسير بخطى ثقيلة جدا وهي في أيدي غير أصحابها.

 هل الأمر يتصل بقصور إجرائي، أم إشكالية تأطير وتطبيقات؟

-  لدينا مشكلة هامة جدا، فهل المسرح أدب أم فن؟ حيث تجد دراسات أدبية بكل توجهاتها تعلن أنّ المسرح "أدب"، في حين أننا لا نوافق هذا الطرح جملة وتفصيلا، ونقول أنّ الأدب فن وليس العكس، فإن أخضع المسرح للمقاييس النقدية الأدبية الجوفاء، فروحه النقدية تضيع هباء، وهو الحاصل في الجزائر للأسف.

 المتتبع للأشواط التي قطعها المسرح القومي الجزائري ومسارحه الجهوية، يلاحظ ضحالة العروض ومحدودية النتاجات، إضافة إلى الانفصال عن الواقع المعيش، إلى ماذا يعود ذلك بحسبكم؟

-
هناك إشكالية يعاني منها راهن المسرح الجزائري اليوم مؤسساتيا، المسرح القومي الجزائري والمسارح الجهوية تقدم أعمالا لا ندري في أي سياق هي، حيث أنّ المسرح المحلي وأقصد هنا ما يسمى (المسرح المحترف) يحاكي كل شيئ عدا الواقع الجزائري، ما يجعله بعيد كل البعد عن تطلعات الفئة القليلة جدا التي تهتم به، وحتى النخب التي تتابع لا تأخذ نصيبها اليسير.

 مراقبون يعزون هذا الهزال إلى العقلية الإدارية والبيروقراطية المعششة في إدارات المسرح بالجزائر.. ؟

-  المسرح الجزائري الرسمي بات للأسف مؤسسة صناعية فارغة جوفاء تهتم بالتوزيع المادي أكثر من التوزيع الفني، وأتساءل هنا: هل هناك مسرحية أو مسرحيات أنتجها المسرح القومي الجزائري ومسارحه الجهوية خاضت في الإشكاليات الراهنة في الجزائر؟ وحتى إن وجدت، فإنها مناسباتية لا أكثر.

 الأمر يتصل رأسا بالافتقاد إلى تخطيط وكوادر تضخ دماءا جديدة؟

-
 المَخرج يكمن في تحديد الرؤية بوضوح، فالمشكلة برأيي كامنة في الأهداف التي يريد أن يحققها المسرح الجزائري، أكيد أنّه إن وجد الشيء ولم تتحدد أهدافه فما الفائدة من وجوده، المشكلة مشكلة هدف، ماذا يريد أن يصنع المسرح في بيئة معينة؟، إذا حدّد ذلك، يمكن له بصورة عفوية تلقائية أن يصنع أفقه المنشود.

 هل تؤيدون الطرح القائل بوجود فكاك مفاهيمي؟

- المشكلة في الهوية، أنا حين أتحدث عن التأصيل ليس كفعل إجرائي، بل أن تذوب العملية المسرحية في الواقع الذي تخوض فيه فتنطلق منه لتعود إليه، المسرح هو فعل ثقافي حضاري، والمسرح لا يأتي من "المريخ" أو "زحل"، بل ينطلق من بيئته ليغيرها، والمسرح ينهض بدورين، يُصلح ما ثبت اعوجاجه ويزكي ما ثبت صلاحه، وإن ابتعد عن الدورين، لك أن تقف على كارثية النتائج.

 كيف تقيمون راهن المسرح والدراما في العالم العربي؟

-
 أفضّل الحديث عما يتسم به الحراك المسرحي الدرامي في كل من "مصر" و"سوريا"، المصريون أثبتوا قدراتهم عبر التاريخ، بينما ارتضى السوريون الاستناد إلى فكر جديد هو الصورة، برأيي المسرح السوري الجديد يحاول أن يعطي توافقية جديدة تساير العصر الحديث، في صورة الفانتازيا الجديدة التي كرّسها الراحل "سعد الله ونوس"، معتمدين في ذلك على موسوعة الفكر التراثي الذي أعيد بعثه بحكم الحتمية التاريخية.
أتصور أنّ التكنولوجيا الحديثة رمت بظلالها على الحركة المسرحية العربية والعالمية، فبعد أن ابتلعت (العُرب) فكرة العولمة ها هي إفرازاتها.

 بعد الذي أتى به ستانيسلافسكي وبريشت وبروك وغرودفسكي من تطبيقات في مجال المسرح، يتساءل منظّرون عن إمكانية جنوح الفكر المسرحي مستقبلا إلى توليفات من نوع آخر، في وقت ينادي مختصون بالعودة إلى ينابيع المسرح الإغريقي العظيم، كيف تتعاطون مع المسألة؟

-
 ما نحن متيقنون منه أنّ للتاريخ جدليته الثابتة، فهما بلغ توقد أذهاننا، إلاّ أنّ الحقائق أثبتت قدرة الفكر الإنساني على التعاطي مع كل ما هو جديد، لذلك فالعودة إلى المسرح الإغريقي والشكسبيري أو حتى الكلاسيكي الفرنسي، تبقى مقترنة بكل حقبة تاريخية إنسانية استنادا إلى القانون التالي: كلما تشابهت التجارب الإنسانية، تشابهت النتاجات الفنية، فأخلاقيا لا يمكن أن يُقال نعم ولا يمكن أن يقال لا، إنما قضية التطور بذاته، فيبقى مقترنا بالتسلسلات والتراكمات العقلية والبيئية لكل مرحلة من مراحل المسرح الإنساني.
هناك مشروع أريد تنفيذه، في تجربة لمسرح سعد الله ونوس، فبعد إطلاعي الممعن وعن كثب لمسرح ونوس، وبعد إخراجي لمسرحية "الملك هو الملك"، أنا بصدد قراءة جديدة تتمثل في خلق سلسلة مسرحية بين الأعمال الثلاثة: "الملك هو الملك"، "الفيل يا ملك الزمان" و"منمنمات تاريخية"، لننتج شيئا جديدا يسمى "سلسلة مسرحية" على غرار صيغة "المسلسلات التليفزيونية" بهدف ترويض المتلقي وتحضيره لتناغم جديد، بشكل يساعد على إسقاط فكرة الوحدات الثلاث في المسرح "الزمان والمكان والموضوع"، بشكل مختلف عن فكر بروك وبريشت وغيرهما.
أحب أن أوضح، أني اختلفت عن ونوس بشيء، هو أنّ ونوس يقوم بفعل النقد من داخل الخشبة وفق نموذج العلبة الإيطالية أي أنّ ممثله ذاته يعلق على الحدث بذاته، لكني في نظرة إخراجية جديدة أردت أن يحدث فعل نقدي لدى المتلقين، أي هم الذين يقومون بفعل النقد، لذلك يمكن أن أسمي أعمالي التي أخرجتها عن نصوص ونوس باسم "ما قبل ونوس"، لأنّ الراحل كان يقوم في كل مرحلة بالتعليق على الحدث التراثي وربطه بالواقع الراهن.
أما نحن فنترك الفعل التراثي بمعزل عن الواقع الراهن، فتحدث عملية التلقي بفعل مخالف، على طريقة فعل تراثي متجرد، احتكاما إلى أنّ من نسي تراثه فقد أعلن احتضاره، ومن جهل تراثه فقد دقّ مسامير نعشه.

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية