قصة قصيرة

إنها كذبة عميقة جداً

إنها كذبة عميقة جداً

716 مشاهدة

إنها كذبة عميقة جداً

لأديبة #سالي _علي

استيقظ من غفوته على غيرِ فزع، تناول قهوته التي أعدها كونه وفيرَ العلبة حتى أنه أرسل لجاره بعض البُن ل يتمكن من شعوره بحس التشاركية

أشعل سيجاره الأجنبي ذو الرائحة الخفيفة والتي لا يسبب تبغها السعال و التهاب الحلق، أدارَ الراديو ليستمع لأغنيته التي ينتظرها كل يوم بذات التوقيت على المحطة ...

ودعَ أهله وانتقل مع لباسه النظيف إلى مسقط طفولته أي الشارع القابع في حارته الشعبية

ألقى السلام على الجميع

أخذ بيده مجموعة أكياس ووضع بها ما يحتاجونه من خضار، فواكه، منظفات

دفع حسابه كاملاً و لم يُسجَل عليه أيُ حالةِ دين

أكمل طريقه نحو الفرن والتقط أرغفة خبزٍ ساخنة وضعها على المشبك المخصص لتبريدها قليلاً قبيل وضعها بالكيس الشفاف حتى لا تُعجَن فوق بعضها البعض ويأكل مع أسرته خبزاً شهياً رائحة قمح البلاد معششة فيه

انتقل إلى جهة اخرى من حارته و رأى مجموعة من الناس المحتشدة بكثرة أمام واجهة إحدى المحلات التجارية ولم يفزع لأنه كان على موعد معهم لمعرفة أخبار المباراة ما نتيجتها ومن المتأهل بها

تابع صديقنا طريقه وسجل اسمه على لائحة الانتظار السريع للمحروقات

من أجل السنة القادمة كي يحمي عائلته من برد كانون القادم

هو يفكر دائماً بالمستقبل لأن عجلة الزمن تدور و تدور ولا وقتَ عنده للعودة بالماضي أو للتفكير باللحظة الراهنة، هو ينظر لأمامه دائمآ

وعده موظف مكان التسجيل بأن رقمه قريب وسيتمكن من الحصول على حاجته خلال أسبوع فقط

اطمئن صديقنا على كل حاجات منزله وأرسل الأكياس مع صبي يعمل في الحارة بمقابل مأجور على خدمة التوصيل للمنازل

ثم أخذ سيارته إلى مكان عمله هو موظف في السكك الحديدية

هناك يعيش روتين وظيفته اليومي بين توقيع أوراق تسهيل معاملات وتأمين متطلبات الوافدين للمديرية من طوابع بريدية وغيرها

ممتن صديقنا لحياته الهادئة لا شكوى لديه بل شكر دائم..

و في طريق عودته لم يقف على شارة مرور كانت مفتوحة جميعها بتوقيت مثالي له فوصل لمنزله دون عوائق عجقة المدينة المعتادة بسبب تضخم عدد سكانها الذين يستمرون ب الإنجاب لشدة الرفاهية المتوفرة في بلادهم فهم ليسوا كغيرهم من الشعوب المجاورة

ممن ينتظرون في الدور طوابير طوابير لساعات وأيام وأسابيع ل حصولهم على مستحقات البنزين

وليسوا ممن يقفون أمام فرن الخبز لساعات ويأكلونه في الآخر عجيناً

ليسوا ممن تمتلئ الحواجز ممرات و مداخل مدينتهم فيعودون ل منازلهم يتناولون الغداء في وقت العشاء

ليسوا ممن تتحكم عملة أجنبية في أسعار موادهم الأولية

فاليوم سعر الخضار كذا وبعد أقل من ساعة سعره تحول لكذا

ليسوا ممن تم حظرهم عالمياً من كل وسائل العيش

ليسوا ممن تُسجَل حالات الموت أكثر من حالات الولادة

عن أي باب مقاومة تتحدث نشرات الأخبار التي نسمعها؟

ليأتوا هنا و يحاولوا المقاومة كالشعبِ السوري على لقمة العيش!

نحن بلاد أوجعت الحرب فيها حلقَ سقف المواطن بعد صمت أصوات المتفجرات و الهاون فيها بعد إغلاق خندق مرور الإرهاب بها

بعد تخفيف عدد الحواجز على طرقات الوصول والدخول إليها

نخنُ بلاد تحتفل ناسها بالحصول على جرة غاز أو ربطة خبز شهية غير معجّنة، بلاد نحن تحتفل بالحصول على أسطوانة زيت أو تعبئة وقود سيارة

عن أي مقاومة تتحدث نشرات الأخبار؟

صديقنا عاد لمنزله وألقى السلام على أهله وردت والدته عليه :

صباح الخير يا بني، أين ذهبت باكراً ببجامة نومك هذه؟

كنت في الجانب الآخر يا أمي أحاول تأمين أوراق حلمي ليصبح موثقاً..

أهٍ يا أمي ما أصعب أن يحلم الإنسان بطبيعته..

كذبة نيسان سأسمي حلمي يا أمي

إنها كذبة عميقة جداً

#ســَالـــيــــْ