مواضيع للحوار

اتجاهات المدارس الإخراجية

اتجاهات المدارس الإخراجية

4050 مشاهدة

اتجاهات المدارس الإخراجية

الفنان #عوض _الفيتوري

 

ارتبط الإخراج المسرحي في بداية الأمر بالمؤلف المسرحي الذي كان يبدع النص ويرفقه بمجموعة من الإرشادات والنصائح والتوجيهات الإخراجية التي توجه الممثلين وتقدم لهم مجموعة من الملاحظات التي قد تنفعهم في التشخيص والأداء والنطق والتحرك فوق الخشبة، وهذا الأمر كان سائدا في المسرح اليوناني والمسرح الروماني والمسارح الغربية وخاصة مسرح شكسبير الذي طعم بالكثير من هذه التوجيهات الإخراجية.

وبعد ذلك، انتقلت مهمة الإخراج إلى أبرز عضو في الفريق وأحسن ممثل له تأثير كبير في إدارة الفرقة وتسييرها.

ومع امتداد القرن العشرين، سيكون المخرج ممثلا فنانا ومعلما مدربا ومديرا إداريا يتولى الإشراف على المسرح الذي يشتغل فيه مؤطرًا للممثلين وباحثا عن أحدث التجارب المسرحية نظريا وتطبيقيا.

ولم يظهر المخرج المسرحي إلا في منتصف القرن التاسع عشر، واقترن اسمه بــ " الريجيسور" Régisseur، مع العلم أن مصطلح الإخراج كان متداولا منذ العشرينيات من القرن الماضي. أما أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي فكان الدوق جورج الثاني حاكم مقاطعة ساكس ميننجن منذ أن قدم أول عمله الإخراجي سنة 1874م، فحاول بذلك تطوير المسرح الحديث على أسس إخراجية جديدة. إذاً، ما هي أهم المدارس الفنية التي تبناها الإخراج المسرحي الغربي في مسيرته الإبداعية؟

وما هي أهم المناهج الفنية والتقنية التي اعتمد عليها هذا الإخراج المسرحي؟

وإن وجد دائماً من يتولى القيام بأعباء بعض الوظائف التنفيذية المعنية ففي اليونان القديمة كان هذا الشخص. في غالب الأحيان، هو المؤلف، وفي إنجلترا كان أبرز ممثلي الفرقة. وعرف الزمن أشخاصاً آخرين، تفاوتت بينهم نسب النجاح، تولّوا مهمة الإشراف على التدريبات وتقديم المسرحية على خشبة المسرح. غير أن فكرة المخرج هي في الواقع وليدة القرن العشرين الميلادي، و هو يسمي في أوروبا "الريجيسور " إلى الآن لم يبت فيمن يستحق أن يدعي بلقب أول مخرج في التاريخ، إذ ليس ثمة بداية محددة مفاجئة، كما هي الحال في معظم الأشياء، لكن برز اسم "دوق ساكس ميننج "، ذلك الهاوي الملوكي الذي ظهرت فرقته لأول مرة بإخراجها الدقيق في برلين في أول مايو عام 1874م. وكان يتشدد في مراعاة النظام، ولذلك كانت فترة التدريبات المسرحية للممثلين عنده طويلة. ولم يكن بفرقته نجوم، إذ كانت كل الأدوار في عرفه مهمة، وقد أخضع المناظر والإضاءة والملابس والماكياج والملحقات للتخطيط الدقيق، وامتزجت جميعها في إطار التمثيل العام.

وظهر في أواخر القرن التاسع عشر وطليعة القرن العشرين الميلاديين عدد كبير من أعلام المخرجين، ففي باريس أضفي "أندريه أنطوان" على المسرح طبيعة جديدة، وبساطة وعقيدة بمسرحه الحر. وفي ألمانيا ثم أمريكا أسهم "ماكس رينهارت" 1873 - 1943م بنماذج إخراجية تجمع بين المخيلة والتأثير المسرحي والإبهار. وفي أمريكا سعت الشهرة إلى "دافيد بيلاسكو David Belasco" الذي عرف مؤلفاً ثم مخرجاً مسرحياً يصل بالواقعية إلى مستويات لم تكن بعد ممكنة. ولتحقيق هذه الغاية وضع نظاماً دقيقاً لفترة طويلة من التدريبات تتضمن التوافق الشامل بين عناصر العرض كافة.

 لكن مع كل هذا فقد ظهرت النظريات الإخراجية المختلفة كلها من روسيا، ولعل أعظم المخرجين الروس قاطبة هو "كونستانتين ستانسلافسكي" 1863 - 1938م. الذي احتضن المسرح مشبعاً بالهواية، مثله في ذلك مثل رائده دوق ساكس ميننجن، بعد أن ضاق ذرعا برخص أساليب المسرح التجاري و ضحالتها. تكاد معظم مبادئ ستانسلافسكي في الإخراج المسرحي تتلاقى مع دوق ميننجن أو تذهب إلى أبعد منها، فبينما كان الدوق يجري التدريبات لمدة خمسة أسابيع، عمد ستانسلافسكي إلى إطالة فترة التدريبات لتصل إلى تسعة أشهر، أو تبلغ العامين في مسرحية هاملت. وفي مسرح موسكو تحولت الأدوار الصغيرة إلى أدوار مهمة، فكان من شعارات المسرح الأساسية "لا شيء اسمه أدوار صغيرة ولكن هنالك فقط ممثلون صغار"، ومن ثم كان كبار النجوم، بمن فيهم ستانسلافسكي نفسه كثيراً ما يظهرون في أدوار ثانوية. وكان الولاء للنص دون أي اعتبار للنجاح الشخصي للممثل على أساس "على المرء أن يحب الفن، لا أن يحب نفسه في الفن، لذلك تميز مسرح موسكو بالولاء الجماعي، و على التقيض من هذه الجهود الجماعية وهذا الأسلوب الطبيعي لدى ستانسلافسكي نجد أعمال فسفولود ميرهولد 1874 - 1940م، أحد تلامذة "ستانسلافسكي" النابهين الذي تبرم بهدوء مسرح موسكو الفني وتحكمه الطبيعي، فانفصل عنه ليختط لنفسه نظاماً مغايراً خلاصته أن المسرح ليس مجرد محاكاة شاحبة للحياة، وإنما هو شيء أكثر عظمة وأعمق تعبيراً من الحياة نفسها. ولم يكن منهج "ميرهولد" في الإخراج بأقل ثورية من أسلوبه في العرض. كان يمثل الدكتاتور، أو الفنان الخارق الذي تنبع منه جميع الأفكار. وكانت عبارته المأثورة في التدريبات "راقب ما أفعل وقم بمحاكاتي". وهكذا كانت كل الأدوار من ابتكار هذا المخرج صاحب المنهج الخاص، أما الممثلون فتقتصر مهمتهم على المحاكاة وكان مسرحه لامعاً؛ لأنه هو نفسه كان لامعاً، ولكنه عندما انقضى، انقضى كذلك مسرحه من بعده. و مع ذلك فحتى في روسيا لا نجد صفوة يتميزون بأسلوب محدد، فمخرج مثـــل مثل "يوجين فاختانجوف" 1883 - 1922م، كان ينزع إلى وضع وسط فيرتكز في عمله على الصدق الداخلي العميق في التمثيل، وهو من مميزات مسرح موسكو الفني.

 لما كان للمخرج كل هذه الأهمية سواء في المسرح المحترف، أو أكثر أهمية في مسرح الهواة كونه محرك العمل المسرحي بمكوناته المختلفة التي يستغلها المخرج المحترف لخدمة النص، مثل الديكور والإضاءة المسرحية والملابس والموسيقى، كون المخرج يمثل كل هذه الأهمية خاصة في المسرح الحديث، فقد اتجه التفكير إلى إنشاء مدارس لتعليم فن الإخراج، غير أن الأمر يختلف هنا عن تعليم أي مهنة آخرى، حيث إن للإبداع الفكري الفطري للمخرج واستعداده وحبه لهذا اللون من الفن، أمراً لا يجب إنكــــــــاره أو تجاوزه.

لذا لم يكن التدريب المباشر كفيلاً بتحويل أي كائن من كان إلى مخرج. وللمخرج عدة أدوار في العمل المسرحي: له دور الفنان، وله دور المعلم الذي يدرب الممثلين على القراءة، وله دور الإداري. وتقول الحقيقة البسيطة إنه لا بد أن يوجد الإنسان الذي يلقن أحياناً إنساناً آخر شيئاً وهذا هو المخرج المسرحي. ويذكر "جورشاكوف" في كتاب "ستانسلافسكي مخرجاً"، كيف كان ستانسلافسكي يعرف فرقة مسرح الفن بموسكو بمهزلة فرنسية غريبة عن منهجهم، فكان يقرأ ويمثل كل دور ليساعد الممثلين على فهم طبيعة المسرحية. وهذه سابقة توضح أسلوب التلقين.

أ- الاتجاه الواقعي في الإخراج المسرحي

ساكس ميننجن ودقة الواقعية التاريخية :

يعد ساكس ميننجن أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي، وقد ساهم في إنتاج الصورة المسرحية التشكيلية ذات البعد الجمالي التي تشمل كل عمليات العرض المسرحي. وقد ثار ميننجن على مقومات المسرح التقليدي والنظم البالية وفكرة النجومية، واستبدلها بالأسلوب الجماعي في العمل وتنويع المستويات فوق الخشبة تفاديا للرتابة التي تطرحها الخشبة ذات المستوى الواحد. وطبق كذلك نظام الصرامة والانضباط في تدريب الممثلين وتوجيه أعضاء فرقته. وبالتالي، أوجد نظام الممثل البديل وحركة المجاميع التي تقوم على ممثل بارز يقوم بتأطير مجموعة من أتباعه، وكان لساكس ميننجن تأثير كبير على الكثير من المخرجين الغربيين وخاصة الروسي ستانسلافسكي، والألماني راينهاردت، والبريطاني إرفنج.

ويمتاز ماكس ميننجن بالدقة التاريخية والأصالة الواقعية في التعبير المسرحي، ولاسيما في مسرحيته التاريخية "يوليوس قيصر" التي حاكى فيها القالب التاريخي الروماني على مستوى السينوغرافيا والديكور والإكسسوارات.

ب- الاتجاه الطبيعي في الإخراج المسرحي

أندريه أنطوان بين الطبيعية ونظرية الجدار الرابع:

يمتاز أندريه أنطوان (1858-1943) صاحب المسرح الحر بالواقعية الفوتوغرافية في المسرح الحديث متأثرا في ذلك بالمذهب الطبيعي لدى إميل زولا. إذ كان ينقل أندريه أنطوان تفاصيل الحياة الواقعية الطبيعية إلى خشبة المسرح بشكل حرفي (مسرح طبق الأصل)، وهو كذلك صاحب نظرية الجدار الرابعالتي تنص على احترام علاقة الممثل بالمتفرج من أجل خلق مسرح الإيهام.

ج- الواقعية السيكولوجية

قسطنطين ستانسلافسكي والواقعية الداخلية في التمثيل :

اعتمد قسطنطين ستانسلافسكي المخرج الروسي الكبير في تدريبه على الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية، وكان يوفق في منهجه بين المقاربة الواقعية والمنزع السيكولوجي. وكان ستانسلافسكي يستهل دروسه اليومية بكتابة الأهداف والنظريات والتوجيهات عند مداخل أبواب مسرحه الذي يقع في وسط موسكو لتكون بمثابة مداخل أساسية وأهداف إجرائية للتدريب والتمثيل.

وكان ستانيسلافسكي يحث ممثليه على الصدق والإيمان والتفاعل مع الدور ومعايشته عن قرب والاندماج في الشخصية ونقل الحياة الواقعية إلى الخشبة وفهم الشخصية فهما دلاليا ونفسيا.

واعتمد ستانيسلافسكي على مسرحيات تشيكوف وإبسن ودويستفسكي في التمثيل والتدريب. وكانت المسرحية تقرأ على الممثلين قراءة حرفية ثم تشرح لغويا ودلاليا، وبعد ذلك تحدد مقاصدها السياقية المباشرة وغير المباشرة.

وبعد الانتهاء من عملية القراءة، تقسم المسرحية إلى أهداف عامة وخاصة وجزئية بطريقة سلوكية تعتمد على الأهداف الإجرائية. وينطلق الممثلون في قراءة أدوارهم المسرحية ودراستها وتقسيمها إلى أفكار وأهداف أدائية قصد فهم الفكرة العامة. وتأتي فرصة التدريب على الدور من خلال الإسقاط النفسي الطبيعي والاعتماد على الذاكرة الانفعالية الطبيعية واستحضار التجربة الشخصية عبر المشابهة واستقطار الذاكرة وتهييج الانفعالات مع الابتعاد على التوتر النفسي وتعويضه بالتركيز والانتباه.

ويستعين المخرج في تدريباته بأسلوب الافتراضات والاحتمالات الشرطية أو السلوكية معتمدا على طريقتي "لو" و"إذا" وذلك لفهم المواقف وتشخيص السياقات الأدائية ومعرفة الدور جيدا والتغلغل في أعماق الشخصية.

ويعد ستانسلافسكي أول مخرج أعاد إحياء تقنية الارتجال إلى الخشبة بعد أن استخدمتها الكوميديا دي لارتي الإيطالية في القرن السادس عشر الميلادي.

وكان الممثلون ينتقلون إلى الأماكن التي لها علاقة بالدور المسرحي، أو ينتقلون إلى بعضهم البعض داخل المنازل لمعرفة الظروف الشخصية والنفسية التي يمر منها كل ممثل والتي قد تؤثر سلبا على الدور التمثيلي فوق خشبة الركح من أجل الحفاظ على الانسجام النفسي والاجتماعي بين أعضاء الفرقة.

ومن هنا، فستانسلافسكي يعتمد على السيكولوجيا الداخلية في التدريب والعمل على نقل الواقع بصدق ومعايشة حقيقية.

د‌- الاتجاه الواقعي الجديد

1 - ماكس راينهارت والانتقاء المنهجي:

يعد المخرج ماكس راينهاردت Max Rienhardt من المخرجين الألمان البارزين الذي انزاحوا عن النمط الواقعي المباشر، وقد تمثل في إخراجه المسرحي خصائص الواقعية الجديدة أو الحرفية الميكانيكية الجديدة. وقد اقترن راينهاردت بالتمثيل وإدارة الممثلين، وعرف كذلك بأسلوب الاستعراض المسرحي لذلك لقب بسلطان الاستعراض الكبير. وقد جرب رينهاردت عدة أساليب وأشكال مسرحية؛ مما جعل طريقته تعتمد على الانتقاء والتوليف بين المناهج الإخراجية.

2- جاك كوبو والتمثيل الصامت:

يعد جاك كوپو Jacques Copeau من أهم المخرجين الفرنسيين الذين نهجوا منهج الاعتدال والتعقل في مجابهة الواقعية التفصيلية. وقد دخل عالم المسرح من باب الصحافة وعتبة النقد الأدبي، وكان إخراجه يعتمد على النطق السليم الواضح والتمثيل الصامت المعبر والاشتغال على الفضاء الفارغ على مستوى الديكور والسينوغرافيا.

ﻫ- الاتجاه الشكلاني أو الاتجاه المضاد للواقعية

فيسفولد ميرخولد والبيوميكانيكية :

يعتبر فسفولد مايرخولد Vsevolod meyerkhold من أبرز تلامذة ستانسلافسكي المتميزين في مجال التأطير والإخراج، إلا أنه كان شكلانيا مضادا للواقعية رافضا للدعاية الماركسية والالتزام الاشتراكي وربط الفن بالواقع، وكان على العكس يربط الفن بالفن وينفتح على الدراسات الشكلانية والمناحي البنيوية في التعامل مع الظواهر الفنية والدرامية.

وقد أقام مايرخولد مسرحه على تدريب الممثل تدريبا شكلانيا آليا روبوتيا وبنيويا معتمدا في ذلك على البيوميكانيك أو الميكانيكا الحيوية ودراسة جسم الإنسان وقوانين الحركة والفراغ.

و- الاتجاه التجريدي

ألكسندر تايروف والسينوغرافيا التجريدية :

اقترن اسم ألكسندر تايروف Alexander Tairov بالسنوغرافيا التجريدية. وجعل تايروف ممثليه يستخدمون ماكياجا غريبا لا يشبهون به أحدا في الواقع، وبهذا يصبحون أشخاصا منفردين في عيون المتفرجين في أزيائهم الغريبة الفانطاستيكية. ومن ثم، يكثرون من الألعاب البهلوانية والماكياج الساخر والشقلبة التهريجية والتشخيص الكاريكاتوري الهزلي.

ز- الاتجاه التسجيلي أو الاتجاه السياسي الوثائقي

إروين بسكاتور والمسرح السياسي:

ساهم كل من إروين بيسكاتور Erwin Piscator وبيتر فايس Weise وجنتر جراس وكيبارد وفالذر وبريخت والمخرجين الآخرين في تأسيس المسرح السياسي أو ما يسمى بالمسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي.

هذا، وقد استفاد بيسكاتور من السينما في خلق مسرحه الوثائقي، بله عن استخدام الآلات المعقدة الثمينة في مسرحه الشعبي الجماهيري، والاستعانة بالشعارات واللافتات السياسية والحزبية، وتشغيل الأنوار الكاشفة التي تكتسح المسرح جيئة وذهابا، مع توظيف مكبرات الصوت وآلات الضجيج. ويتحول الممثل عند بيسكاتور إلى رجل آلي روبوتوكي بنيوي.

س- الاتجاه الفني

إدوارد غوردون كريغ والمنهج الانتقائي في المسرح:

يتبنى إدوارد غوردن كريغ Edward Gordon Craig المخرج الإنجليزي الثوري منهجا انتقائيا في إخراجه المسرحي مركزا على الفرجة الجمالية الفنية التي تعتمد على الحدث والكلمات والخط واللون والإيقاع. وبالتالي، يعطي أهمية كبيرة لما هو حركي على ما هو منطوق.

وزيادة على ذلك، ارتبط اسم كريغ بالمسرح الشامل أو بالمنهج الانتقائي في تجريب جميع النظريات المسرحية والإخراجية السائدة في الساحة الفنية سواء أكانت قديمة أم جديدة. وكان كريغ يعتمد في إخراجه المسرحي على الجمالية المشهدية، وفضاء الفراغ (على غرار جاك كوبوه)، والأنظمة الضوئية الملونة. واهتم كذلك بالتصاميم والسينوغرافيا التشكيلية.

واستدعى كريغ في أعماله الدرامية ذات البعد الفني والجمالي المسرح الشرقي والمسرح القديم، ورفض الواقعية التفصيلية وعوضها بالفن البصري وتشكيل الصورة المسرحية الدرامية، وثار في نفس الوقت على الممثل المدير. واعتبر كريگ الممثل بمثابة ماريونيت يمكن التحكم فيها كما يشاء المخرج.

وعلى أي حال، يعرف كريگ في تاريخ المسرح الحديث والمعاصر بكونه مخرجا دراماتورجيا مجتهدا يتعامل مع روح النصوص ويخرجها من منطلقات خاصة.

أدولف آبيا والمنظور الثوري للإضاءة:

اهتم أدولف آبيا Adolph Appia المخرج السويسري بالإضاءة المسرحية بعد أن اكتشف الكهرباء من قبل توماس أديسون في أواخر القرن التاسع عشر. وقد اعترض آبيا على الفضاءات المسطحة المتعادلة الناتجة عن استخدام الإضاءة الأرضية وتعويضها بالإضاءة المتموجة ذات الظلال الشاعرية غير المركزة أو الإضاءة العامة. وقد اهتم بالسينوغرافيا التجريدية كما يظهر ذلك واضحا في مسرحية "فاوست" لجوته، وبالإيقاع البصري والجسدي الوظيفي المتناغم مع كل مكونات العمل المسرحي.

ع- الاتجاه التجريبي

بيتواف والاقتصاد في السينوغرافيا:

يعد بيتواف من أهم المخرجين التجريبيين في المسرح الحديث والمعاصر إلى جانب لويس جوڤيه، وأريان مينوشكين صاحبة "مسرح الشمس"، وتشارلز ديلان Charles Dullin، وگاستون باتي Gaston Baty، وفيودور كوميسارجفسكي Komissargevski، وإڤرينوڤ Evrinov، ويوجين فاكتانجوڤ Vakhtangov، وبيتر بروك Peter Prook، وجرزي گروتوفسكي صاحب نظرية "المسرح الفقير" gerzi Grotowski، وجوليان بيك Julian Bec، وآخرين.

ويعتبر بيتواف مخرجا تجريبيا متميزا في أعماله الدرامية التي أخرجها للجمهور. فكان يلتجئ في عرض فرجاته الدرامية إلى الاقتصاد في السينوغرافيا نظرا لحاجته إلى الإمكانيات المادية والمالية؛ مما يدفعه الأمر إلى تشغيل الديكور الفقير واستخدام السينوغرافيا المقتصدة واستعمال أساليب مبتكرة في الإخراج الدرامي.

وعرف بيتواف أيضا بتوقيف الأحداث المسرحية بطريقة مؤقتة عند مشهد معين للتركيز عليه بطريقة فوتوغرافية مبأرة مستخدما في ذلكتقنية الوقفة la pause الإخراجية.

بيتر بروك: المسرح المعاصر

شغلت قضية الاتصال والتلقي حيزا كبيرا في فكر المخرج الإنجليزي بيتر بروك عبر العديد من التجارب المسرحية التي حاول فيها البحث عن لغة مسرحية عالمية مشتركة بالاعتماد على عدد من الممثلين المسرحيين من ذوي الجنسيات المتعددة وبالتالي الثقافات المتعددة ففي معظم تجاربه المسرحية كان الممثلون يوظفون ثقافاتهم في خدمة العرض المسرحي ، وقد حقق عبر هذه الأطروحة هدفين أساسيين.

أولهما : تحقيق التلاقح الثقافي بين كل ممثل وآخر حيث يحمل كل ممثل ثقافة تختلف عن الآخر، وثانيهما : أن اختلاف الثقافات بين الممثلين يوفر إمكانية البحث عن لغة مسرحية مشتركة سواء في فترة التدريبات مع الممثلين أو في فترة العرض المسرحي مع الجمهور، وكان البحث عن لغة عالمية مشتركة الهدف منه مخاطبة مساحة إنسانية كبيرة متجاوزا بذلك حواجز اللغة اليومية المتداولة ( الملفوظ الحواري)، لذلك ليس غريباً أن يُطلق بروك نفسه على مسرحه ( مسرح الثقافات المتعددة)، ومن أجل توثيق الصلة مع الجمهور فقد خرج بروك من فضاء المسرح التقليدي ( العلبة الإيطالية ) إلى الهواء الطلق مقدماً عروضه في الساحات العامة ومستفيداً من المنظر الطبيعي بعد إعادة تأثيثه بما يتوافق مع رؤيا النص المسرحي كما هو الحال في استثماره للأودية والمقبرة الطبيعية في مدينة شيراز الإيرانية عند تقديمه لمسرحية ( أورجاست ) ، أو توظيفه لمشهد غروب الشمس الطبيعي في البحيرة خلال تقديمه لمسرحية ( المهابهارتا ) ، وبالرغم من خروج بروك من حيز المكان المغلق إلى مساحة المكان المفتوح إلا أنه مع ذلك كان يقوم – في معظم عروضه – بتحديد الحيز المكاني للحدث المسرحي عبر استخدامه لـ ( سجادة ) مستطيلة الشكل يتم عبرها تحديد مساحة التمثيل وأماكن جلوس الجمهور ، كذلك يعمد بروك في معظم عروضه أيضا إلى فرش أرضية التمثيل بمواد معينة كالحصى والرمل والبلور الزجاجي ليعطي إحساساً للمتفرج بفضاءات محددة تتعلق برؤيا العرض المسرحي .

اعتمد بروك في إنجاز عروضه خاصة في إنجاز نصوصها على طريقتين :

الأولى : عند تعامله مع نصوص أدبية جاهزة كمسرحيات شكسبير مثلاً ، إذ يبيح لنفسه الحذف والإضافة والتقديم والتأخير وإعادة تشكيل النص الأدبي بما يراه مناسباً مع رؤيا الإخراج , فيصبح النص لديه مجرّد خامة من خامات العرض وبذلك تنتفي قدسيته ، أما الطريقة الثانية : فهي باعتماده على اللانص عبر مبدأ الارتجال الذي يقوم به الممثل بشكل حر حيث يتم الاتفاق مع الممثلين على موضوعة محددة بقصد إشباع هذه الموضوعة عن طريق التمرين اليومي المستمر وإنجاز المشاهد على مستوى الحركة والحوار من قبل الممثلين مع مراعاة التدوين اليومي لهذه المشاهد بواسطة الخبير الدرامي (الدراماتورج ) الذي يقوم بإنجاز الصياغة النهائية والأدبية للنص المُرتجل ، ومن ثم يتكامل العرض بالاتفاق على إعادة تنظيم المشاهد بما يتوافق مع الرؤيا المشتركة لفريق العرض كما فعل في تجربته المسرحية ( U . S ) نحن والولايات المتحدة التي عالجت الحرب الأمريكية على فيتنام ، لذلك نجد بروك يعتبر الممثل في مسرحه من العناصر الأساسية الفاعلة في إنتاج العرض المسرحي حيث يعتمد في تدريبه وأداءه على التقنيات الآتية :

1. تقنية الارتجال الحر : التي يتم عبرها إنجاز المشاهد المسرحية وهي تقنية تعتمد العفوية والتلقائية والمباشرة وفعل اللحظة الإبداعية المتحرر من قيود الجاهزية والتخطيط المسبق.

2. تقنية التمرين الجماعي المشترك : حيث يقوم كل ممثل بأداء جميع الشخصيات وبالتتابع من أجل الوصول إلى أفضل صيغة أدائية ممكنة.

3. تقنية القص واللصق : وتعتمد على أداء شخصية من قبل ممثل محدد ، ثم ينتقل لأداء شخصية أخرى ومن ثم العودة إلى الشخصية الأولى بهدف تحقيق عناصر محددة في الأداء مثل : التركيز ، القدرة على الانتقال من شخصية إلى أخرى بانسيابية ، توسيع قدرة الممثل في فهم أكبر عدد ممكن من الشخصيات .

وهذه التقنيات تجعل من بروك يقلل في أداء الممثل من قيمة الكلمة لصالح الفعل التعبيري لديه حيث يستخدم الممثل جسده وأدواته التعبيرية الأخرى كالوجه والإيماءة والإشارة من أجل التعبير عن الحدث الدرامي بعيداً عن الملفوظ الحواري ، لذلك نراه يميل إلى تفعيل دور ( المجموعة ) في العرض المسرحي باعتبارها شخصية أساسية في الفعل الأدائي الذي يدفع بالطاقة التعبيرية للعرض إلى أمام ، وبذلك تذوب شخصية الممثل / النجم لديه فيكون أداء الجميع بنفس الأهمية لأن بروك ينظر إلى شمولية الأداء التي تتحقق عبر شمولية الاستثمار الأفضل لتقنيات العرض التعبيرية بعيداً عن الفردية والنجومية التي تتسم بها بعض المسارح التقليدية .

ويمكن الحديث عن مجموعة من المدارس والحركات والمناهج الفنية التي تمثلها المخرجون الغربيون في الفترة الحديثة والمعاصرة في مجال الإخراج المسرحي وإعداد الممثل الدرامي نذكر منها: المدرسة الواقعية والمدرسة الطبيعية والمدرسة التاريخية والمدرسة الواقعية السيكولوجية والمدرسة السريالية والمدرسة التجريبية والمدرسة التجريدية والمدرسة الشكلانية والمدرسة الفنية ذات الطابع الجمالي والمدرسة الوثائقية.