أخبار الهيئة العربية للمسرح

اختطاف نقد مسرحي ساخر لشبكات الفساد المعقدة

اختطاف نقد مسرحي ساخر لشبكات الفساد المعقدة

966 مشاهدة

اختطاف نقد مسرحي ساخر لشبكات الفساد المعقدة

  محمد ناصر المولهي

تستمر فعاليات المهرجان العربي للمسرح بتونس مقدمة عروضا متنوعة سواء في إطار المسابقة الرسمية أو خارج المسابقة. إذ تنوّعت العروض جغرافيّا، لكن يمكن أن نقر أنها تشابهت بشكل كبير في تناولها للواقع ونقده، خاصة واقع الحرب، الحرب التي شابت أغلب الأقطار العربية وفنونها.

مسرحية “اختطاف” للمخرج السوري أيمن زيدان هي اقتباس عن نص الكاتب الإيطالي داريو فو، قُدّم أساسا باللغة العربية، تتخللها بعض المفردات باللهجة السورية.

تحكي المسرحية عن الصراع بين رأس المال والنشطاء النقابيين، مقدّمة وجهة نظر كليهما بشكل يشبه التعرية التي لا تخاف الدخول حتى في ما هو مجهول ومخفيّ في شخصية النقابي اليساري وصاحب رأس المال.

القناع الذي يرتديه الممثلون أشبه بقناع طبي يرتديه من تعرضوا لحروق بليغة، إننا إزاء شخصيات احترقت ملامحها

صراع جوهري

يخوض زيدان في عوالم هذا الصراع الجوهري بين المال وسلطته والعمال ونضالهم، من خلال شخصيتي أجيلي صاحب شركة فيات لتصنيع السيارات وأنطونيو العامل اليساري ونقيب عمّال المصنع.

حادث سير يتعرّض له أجيلي فتحترق ملامحه، فينقذه أنطونيو دون أن يعرف من يكون، يترك أنطونيو معطفه وفيه أوراق الثبوتية على جسد أجيلي، فيظن في المستشفى أنه أنطونيو وتقوم عملية تجميل بما تعتقده إصلاحا للتلف في ملامح المريض، فتصنع نسخة ثانية من أنطونيو، فنجد أنفسنا أمام نسختين من أنطونيو، أنطونيو الحقيقي الهارب، وأنطونيو الجديد إثر عملية التجميل، الذي هو في الواقع أجيلي، الذي يعتقد المحققون أنه مختطف وأنطونيو هو من اختطفه.

 

السينوغرافيا نجحت في تأطير العرض رغم بساطتها، أجزاء من السيارات كالمقود و”الشاكمون” (عادم الصوت) والعجلات التي يقف عليها تمثال صاحب المصنع، والكرسي المتحرك وحتى جوّ المستشفى، كانت كلها عناصر خادمة للعرض، الذي يخوضه الممثلون من الممرضة إلى الزوجة والعشيقة والمحقّق كلهم مقنعون، وحتى عرض مقاطع من الأخبار عن قضية أجيلي كان الصحافيون فيها بأقنعة، وبأسماء مضحكة مثل لازانيا.

القناع الذي يرتديه الممثلون هو أشبه بقناع طبّي يرتديه المرضى الذين تعرضوا لحروق بليغة، وكأن المسرحية هنا تقول بلسانها السينوغرافي، إننا إزاء شخصيات احترقت ملامحها، فتفسخت، في عالم سيطر فيه المال على كل شيء، وتشيّأ الإنسان الذي بات مجرّد حلقة في دائرة الإنتاج، ومجرد آلة من لحم كل وظيفتها الإنتاج والاستهلاك.

مسرحية تعري العلاقات المعقدة لكنها لم تتجاوز النمطية التي تحاصر اليسار بتهم أخلاقية وتقدم رأس المال وحشا باردا

نقد زيدان جليّ لنظرة رأس المال وبيّن من خلال أقوال أجيلي المتورّط في صفقات فساد مع السلطة الحاكمة من وزراء وجنرالات وغيرهم، وهو الذي يعتبر الإرهاب مجرّد تخلص من أناس غير منتجين، أما نقد المخرج للعمل النقابي والنشاط اليساري، فيبرز خاصة في علاقة أنطونيو بعشيقته، حيث يقدّم علاقة محكومة بالمقولة القديمة “جسد الرفيقة للرفيق”، حيث يفضح العلاقات التي تصوّر في ظاهرها الرفاقية بينما تقوم على الابتزاز الجنسي والتي تدعي التلاقح الفكري بينما هي تلاقح جسدي، فالمال ليس بريئا ولا الفعل النضالي أيضا.

نقد ساخر

كثيرة هي مفاصل العمل المسرحي الذي قدّم في قالب كوميدي يمكن اعتباره من قبيل المحاكاة الساخرة، رغم اقتحامه في أكثر العلاقات تنافرا وتعقيدا، المال والعمال، الحاكم والمحكوم، في جوّ يشوبه الفساد، الفساد الذي غالبا ما يضع يده في يد سلطة المال والمافيات التي تضع يدها في يد السلطات السياسية والعسكرية، وهي سلسلة الفساد الأبرز التي يحكم من خلالها الطوق على رقاب الشعوب الطامحة إلى الحق في الحرية والعدل والمساواة.

داريو فو قد اقتبس نصه المسرحي من حادثة حقيقية تتمثل في اختطاف منظمة “الألوية الحمراء” لرئيس وزراء إيطاليا ألدو مورو الذي أعدمته إثر عدم تجاوب السلطة الإيطالية لمطالبها سنة 1978.

لكن زيدان حاول ترسيخ مسحة أخرى على العمل، تجعله متطابقا مع الوضع العربي والإنساني عامة، وهو ما نرى أنه نجح فيه إلى حد ما، فالمسرحية، التي لم تتجاوز الساعة، تمكّنت من تعرية أكثر العلاقات تعقيدا، لكنها لم تتجاوز الصورة النمطية، أو لنقل القديمة، التي تحاصر اليسار بتهم أخلاقية فيما تقدّم رأس المال وحشا باردا.

فيما نحن اليوم نشهد عالما تقهقر فيه اليسار العمالي وتراجع دور النقابات، فيما باتت مافيا رؤوس الأموال أشد خطرا وأكثر توسّعا وقدرة على التقنع بنعومة.