مواضيع للحوار

الاحتراقات النفسيّة تشعل مسرح الحمراء وتترجم مأساوية الطبيعة الإنسانية في   بيت الشغف

الاحتراقات النفسيّة تشعل مسرح الحمراء وتترجم مأساوية الطبيعة الإنسانية في بيت الشغف

314 مشاهدة

الاحتراقات النفسيّة تشعل مسرح الحمراء وتترجم مأساوية الطبيعة الإنسانية في   بيت الشغف

#الكاتبة _ديما _الخطيب

#رابط التغطية/موقع جريدة تشرين:

http://tishreen.news.sy/?p=529355

تأخذنا مسرحية “#بيت الشغف” المقتبسة عن مسرحية “رغبة تحت شجرة الدردار” للكاتب العالمي” يوجين اونيل” عميقاً إلى سراديب النفس الإنسانية وتحديداً إلى منطقة “الهو” والتي تمثل الرغبات والدوافع الشهوانية الدفينة، المدمغة بصفات الطمع والجشع والأنانية والرغبات والشهوات الغريزية.

“بيت الشغف” بدا عنواناً منمقاً وجميلاً، بل وحتى مموهاً عما شاهدناه في العمل القاسي، فقد وضعنا مخرج ومقتبس المسرحية “هشام كفارنة” في منتصف سكة قطار ليصدمنا بكم هائل من الضربات الواقعية الموجعة لبشر فقدوا كل القيم الانسانية والمجتمعية والأخلاقية، وتمرغوا بحبّ الدنيا واستشرسوا في التمسك بها حتى شوّهت أرواحهم وقلوبهم حدّ ارتكاب افظع الجرائم.. فما الحكاية؟!

#حكاية الشغف

لكل شخصية من شخوص المسرحية شغفها التي تحترق به، فالأب العجوز “يوسف المقبل” شره للحياة إلى درجة التمسك بكل شبر من مزرعته التي سلبها من زوجته ويعيش فيها مع ابنها “مجدي المقبل” بعد مفارقتها الحياة، وشغف الشاب مجدي هو استعادة حقه المسلوب من قبل زوج أمه وتحقيق العدالة لوالدته “أمانة والي”، الذي يعتقد بأنها ماتت بسبب إهمال زوجها ورفضه علاجها من مرضها الذي فتك بها، وتركها روحاً معلقة تجول هائمة على شغفها بابنها الوحيد، فتزوره بين الحين والآخر، وتشدُّ أزره وتحذره غضب زوجها وتدفق عليها حباً وحناناً ادخرته عنه في حياتها ووهبته لزوجها الطماع، الذي تسببت قسوته بهجر ابنيه الآخرين الذين من صلبه للمزرعة بعد أن اقنعهم ابن الزوجة الشاب بالتنازل عن حصتهم في الميراث لصالحه مقابل حفنة من الذهب، لكن العجوز لا يفكر بالموت مطلقاً، بل أنه يجد نفسه أهلاً لحياة جديدة مع زوجة صغيرة وجميلة بعمر الابن الأكبر “صفاء رقماني” والتي تحترق شغفاً هي الأخرى وطمعاً بحياة كريمة مستقرة في بداية الحكاية، لينقلب شغفها إلى وله بالشاب الذي تشاركه قصة حياتها المأسوية وهربها من مخالب الطامعين بجمالها وصباها، إلى أحضان العجوز الشره، والرافض تماماً لفكرة توريث أي أحد ولو حجراً من مزرعته وبيته اللذين بناهما بيديه، بعد ان نقلت “والي” ملكيّة الأرض إليه.

يتمحور الصراع الدرامي بين الزوجة الشابة والابن الساعي وراء حقه والأب “الديكتاتور” في صراعٍ شرس على ثروة الأسرة وعلاقة يحكمها جشع وطمع يحيطان بهم كالقبور الحجرية التي توزعت على أرض المسرح، منسجمة مع الديكور المختزل والبسيط، والمفعم بالرموز، كتلك الشجرة اليابسة المعلقة بين السماء والأرض بدون ساق، وقد ضربت جذورها في الأرض متمسكة بحياة بائسة، متناقسة مع قسوة وبؤس الحياة بين شخوص العمل في ديكور ذكي لكفارنة توسطه درج وطاحونة للايحاء بوجود مزرعة، مستخدماً جزءاً من الدرج كشاشة ظل عكس عليها كفارنة بمهارة بعض الأفكار التي أراد ايصالها لنا، مثل اختلاس الشاب النظرعلى الزوجة الشابة، وتجاوبها السريع والمباشر مع نظراته الشغوفة، لتنجح بسهولة في إغواء الابن وتنجب منه طفلاً بهدف انتزاع الميراث من العجوز بإيهامه أنه من صلبه، لكنها، وبعد اتهام الشاب لها باستغلاله وقد تمكن حبه من شغاف قلبها، تقتل الطفل دون أن ندرك – كمتلقين- إن كان ذلك حدث بشكل مقصود أو غير مقصود، لكنها لا تتردد بأن تقدم جثمانه أضحيةً لحبيب قلبها كدليل على صدق مشاعرها ولمنعه من السفر، ومن ثمّ لتنهار بموت الرضيع كل العلاقات، وتنتهي المسرحية نهاية مأساوية ذات أبعاد ملحمية بعد أن خسر الجميع كل ما شغفوا به.

#أداء مبهر

في الوقت الذي بدا فيه دور الزوجة المتوفاة “أمانة والي” مقحماً على العرض ويمكن الاستغناء عنه، إلا أن الحامل الرئيسي للعمل كان وبجدارة، الأداءَ القوي والمتمكن للممثلين الأربعة، الذين أبهروا الجمهور بمتعة المشاهدة لأدائهم المتقن والمتمكن، في عرض لا يزيد زمنه على الساعة إلا عشر دقائق وفي إيقاع ساخن مليء بالحركة والحيوية شدّ انتباه الجمهور الذي كان يلهث في تتبع أحداث عمل درامي كلاسيكي يُصيب مشاهدي مثله الملل في أغلب العروض المشابهة .

الممثلون قدموا أداءً بقمة الاحترافية، ولأن المقبل الكبير ووالي غنيين عن التقييم، سنتحدث عن أداء “الرقماني” التي قدمت لنا عبر شخصيتها “الزوجة الشابة” مستوى فنّي جديد لم نرها فيه من قبل، فقد وضعت في هذا الدور كل طاقاتها وشغفها بالمسرح، مثبتةً أنها ليست مجرد وجه جميل وجسد نحيل، بل أن ما لديها من امكانيات وقدراتٍ تمثيلية فاق بأميال ما لدى الكثيرات من نجمات الصف الأول، ساعدها في ذلك طبقة صوتها القوية والمتمكنة والواثقة، ومخارج ألفاظها الصحيحة والتي لم تترنح أمام ذلة واحدة، كما مكنتّها قدراتها البدنية ومرونة جسدها من التعبير عما لا يصل إلى الأذن أحياناً بمهارة وخفة شاركها فيها الشاب “مجدي المقبل” الذي بدا أكثر استعراضاً لمهارته البدنية بلغة أكاديمية لا شوائب فيها ولا أخطاء، حتى صوته المرتجف حين يكون في حضرة زوج أمه كان له وقع الألم في نفوسنا، موائماً إياه مع حركات بدنية مسرحية رشيقة وخفيفة تنوعت بين بساطة التعبير الجسدي الحركي وبعض الاستعراض الاكاديمي الجميل في الحقيقة.

#سينوغرافيا محكمة

أداء محترف استخدمه الكفارنة مستغلاً قوة ممثليه وشغفهم بالمسرح، ولعله من هنا جاء بعنوان االعمل، فالشغف كان يحرق الخشبة اشتعالاً بأداء الممثلين المبهر، مزجه الكفارنة بمساعدة “خوشناف ظاظا” بتوليفة سينوغرافية محكمة على بساطتها، موصلاً ما يريده من رسائل دون أي تعقيد أو تكلّف، فالملابس للمصممة “سهى حيدر” كانت بسيطة وغير مبالغ فيها، كذلك ماكياج الممثلين للفنانة “منور عقاد” اذ جاء هادئاً وغير معقد ساهم في رسم البنية الدرامية لشخصيات المسرحية، أما تنفيذ الصوت لـ”اياد العساودة” فقد جاء جيدأً بالنسبة لأصوات الممثلين إلا أن الفارق بين مستوى وشدة صوت الممثلين البشري، والصوت الناتج عن تشغيل مكبرات الصوت للموسيقى والمؤثرات الصوتية لم يكن محسوباً بدقة مما ساهم في إحداث فجوة سمعيّة عند المتلقي نتيجة الضوضاء المبالغ فيها الناتجة عن صوت الموسيقى والمؤثرات الصوتية العالية القادمة من البفلات الموزعة في أنحاء المسرح، كما استطاعت إضاءة “بسام حميدي” المخفيّة ببراعة أن تلعب دوراً جيداً في تكريس الحدث الدرامي وصياغة المشاهد ضمن سينوغرافية متكاملة بسيطة وذكية، خصوصاً في استخدام تقنيات الظل والنور، في إظهار ضعف شخصيات وقوة وجبروة أخرى، كل ذلك جاء منسجماً مع قوة وبساطة النص المسرحي الرشيق الذي أبدع الكفارنة في اقتباسه، مباهياً بلغة عربية فصيحة ومتمكنة.

“بيت الشغف” مستمر من 15 وحتى 28 من الشهر الجاري تمام السابعة مساءً على خشبة الحمراء بدمشق.