أخبار فنية

البعدان...  جراح لن تندمل وصراع التّراب والماء

البعدان... جراح لن تندمل وصراع التّراب والماء

1961 مشاهدة

المسرح الجهوي لسيدي بلعباس

البعدان...  جراح لن تندمل وصراع التّراب والماء

     في باب العروض المسرحية الموجّهة لعشّاق الفنّ الرّابع انفتح جمهور سيدي بلعباس على العرض الأول الذي حمل عنوان " البعدان" عن مسرحية " الكراسي" لـــ" جوزين يونسكو" ، العرض المسرحي كان من توقيع فرقة البسمة للمسرح  والفنون الدرامية من حمّام بوحجر بالتّنسيق مع تعاونية كاتب ياسين للمسرح من سيدي بلعباس .

    " البعدان" الذي اقتبس نصّه " بوحجر بوتشيش" وأسند فيه العمل الإخراجي لــ" لصفر بخالد" كان عملا مسرحيا مميّزا من حيث الشّكل والمضمون وبدت فيه أوجه الصراع الدرامي قائمة متراوحة بين الهدوء والعاصفة ، للوصول إلى اتفاق حصري قائم بذاته ، العرض المسرحي الذي عرف جمهورا مسرحيا شغوفا شدّ إليه الأنظار بفعل الطّرح الدرامي المحترف ناهيك عن تماشي السينوغرافيا والعمل المقدم لــ" هوناني خالد" ، زد على ذلك الذّكاء الذي لمس في الكوريغرافيا التي عمل عليها " مربوح عبد الإله" الذي تعامل والبعدان بشكل احترافي وحكيم ، أين أخذت الكوريغرافيا حصّة الأسد ورسمت جماليات العرض الذي صوّر الصراع الدّائم بين آدم وحوّاء رغم الصّلة الوطيدة بينهما ، وعلى الرّغم من صلة الحبّ العفيف التي جمعت " ابن شعبان حنان" و" بوحجر" ظنّا منهما أن العلاقة الزوجية تعتمد على الاقتات من العواطف النبيلة والمشاعر السّامية ، آخذا إياهما الزمن في عقوده المتتالية في رحلة ربّما لن تنتهي ، متحفّظين على مشاعر بعضهما البعض.

   " البعدان" كان سلاحا ذو حدين في معادلة المواجهة والتّسليم بالحقائق مهما كانت صعبة التقبل ، بخاصة اذا ما كان الموضوع المعالج قضية العقم ومدى تأثيره على العلاقة التي تجمع الطّرفين لاسيّما وان كان منتسبا للرّجل ، الذي يأبى التّضحية والتّسليم بالواقع ، متشبثا بالسيدة حوّاء رافضا التنازل لها ومنحها حرية الاختيار.

وكانت علامات الاستفهام قائمة ، ليكون الثنائي الممثل للوجود واللاّوجود، الموت والحياة ، الأمل والألم "بن عبد اللّه محمد" و " حساني حميدو  " مفتاحا البعدان لرفع اللّبس بكوريغرافيا مميّزة حدّدا الهدف وكانا ضميرا كلّ من " حنان" و" بوحجر" اللّذين احتدم الصّراع بينهما واعتزلا العالم الخارجي بعد أن رسمت صبيا في خيالها الخصب وحبلت به في الوهم وترعرع بين أيديها في واقع باهت الرّؤى وزمن الميوع ليكون التراب والماء أساس تشبثها وحلمها الزّائف ، ليقتحم " مربوح عبد الإله" عالمها ويكسر جدار الصمت بينهما ، متحدّيا وجودهما ، قالبا حياتهما رأسا على عقب بعد أن اهتزت الصور بين الطرفين وتمّ إمضاء النهاية بأسلوب درامي فيه صراع الوجود الغرق في دماء الألم الدّفين ، كيف لا وكان " عبد الإله " السمّ النّاقع في كأس الهوى لتتشبّث به " حنان" متّخذة إياه ولدا هو الذي رفع التحدّي واقتحم عالم تكتّمهما ، وهي التي تعيد الذّكرى على الرّغم من بلوغها سنّ اليأس،  إلاّ أنّ تشبثها بطفل وديع تملّك عالمها وسلّمت أن الحبّ لن ينجب لها أملا لطالما طمعت فيه.

" البعدان" أثار قضية العقم ومدى آثاره الجانبية ومدى مساسه بشعور كلّ طرف ، بأسلوب دراميّ مميّز فيه الكثير من الجهد والإيمان العميق بميلاد الأجود ، في صراع دائم تناغمت فيه أجساد الممثلين على وتر من الإحساس العالي على وقع سمفونية الوجود من توقيع موضوع جادّ كان لابدّ من إثارته بصور متعدّدة وجماليات وقّعها حضور الممثلين واغتسالهم بالعرق جرّاء الانغماس في عالم التحدّي بين التراب

والماء ، أين كان التراب رمزا للتشبت بالحياة مهما استعصت الظروف وتدفق مياه كانت رمزا حيّا لوجود ثابث من أولوياته الاستمرارية وعدم التنازل وسط موسيقى صوفية منتقاة بدقّة لــ" تعمورت عبد القادر" وإضاءة مميّزة منحت لوحات العرض بعدا دراميا لـ" موسى محمّد" ، ليكون العرض المسرحي برمّته لوحة فنية تلاقت فيها العديد من لاتجاهات والرّؤى لتوقّع ميلادا جديدا لصراع آخر وألم دفين وأمل واعد بعيد المنال بحكم التشبث الصّريح بالوجود مهما كان قاسيا ومؤلما .

وعليه ، فانّ عرض " البعدان" كان معادلة صعبة مرتبطة ارتباطا وثيقا بعملية الطّرح والجمع في ظلّ تضارب وجهات النّظر ، وأنانية آدم الذي فقه لغة التملّك وصراعه مع حوّاء التي رأت النّور للتّنازل والتّسليم بأحلامها ، وإذا ما اشتدّت الشّدائد تعلن حربها الضروس بأسلوب سلس فيه الكثير من التّعاطف ليبقى التراب والماء عنصرا الوجود والتواصل في عالم فيه العديد من الأقنعة التي لابدّ من إسقاطها وانتزاع الحقائق مهما آلمت .

بقلم : عباسية مدوني – سيدي بلعباس- الجزائر

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية