مواضيع للحوار

الثابت و المتحول في مسرحية .. هيّه هيك .. لمجد يونس أحمد

الثابت و المتحول في مسرحية .. هيّه هيك .. لمجد يونس أحمد

1939 مشاهدة

 

الثابت و المتحول في مسرحية .. هيّه هيك .. لمجد يونس أحمد

 

على خشبة مسرح مديرية الثقافة بحلب قدمت فرقة اللاذقية لاتحاد شبيبة الثورة عرضاً مسرحياً بعنوان (هيّه هيك) ضمن برنامج المهرجان المسرحي الخامس للشباب.حيث كان العمل من تأليف و إخراج مجد يونس أحمد.

في (هيه هيك) شهد الجمهور عرضاً مسرحياً متناغماً مع أحلام الشباب في ارتياد المسرح و مغامرة إثبات الوجود فيه، تلك المغامرة العبثية التي يصطدم فيها الحلم بالواقع المرير ووخزاته المؤلمة حيث تنكسر أحلام الممثلين الهواة و تتداعى خواطرهم فيما يشبه الهذيان الهستيري كردات فعل على الحقيقة الصادمة، حقيقة انتفاء الجدوى من الفن و غياب الرعاية للحياة الفنية في تمظهراتها العديدة و جمالياتها المتنوعة، وهذا ينعكس على العرض المسرحي الذي استغرق قرابة ساعة من الزمن حيث تأرجحت المسرحية بين الجد و العبث، وتفتقت المشاعر الوجدانية للممثلين عن سخرية مريرة و عدائية معلنة لكل ما يضع و من يضع الفن في خانة التشكيك و الإلغاء. و قام بأداء الأدوار ستة ممثلين في عمر الورود يقودهم مخرج شاب مجتهد تسلَّح بتصور إبداعي ناضج جعل العرض المسرحي يتفوق فنياً و إخراجياً على النص و يبوح بالترميز و الإيحاء أكثر من التصريح، أما بعض العبارات المباشرة التي وردت على ألسنة الممثلين فكانت معللة من جهة أنها توصّف واقع الحياة المسرحية الحاضرة، و العقبات التي تعترضها مادية كانت أم معنوية.

لقد أحسنَ المخرج المؤلف انتقاء الموضوع الذي اشتغل على صياغته و صناعته إنشاءً و أداءً اشتغالاً حثيثاً مرهفاً. فتوصيف أزمة المسرح و معاينة أسباب تردّيه و انحساره و عزوف الناس عن الإقبال عليه هو الهم الأكبر الذي يتعايش معه المشتغلون بالمسرح من كتاب و ممثلين و مخرجين و نقاد و فنيّين...و الخوض في هذا الموضوع لوحده هو مغامرة تورّطَ فيها المؤلف و أحسن التغلب عليها بتقديم حلول إخراجية جيدة و بتوظيف الأدوات التعبيرية المتاحة من ممثلين ، كراسي، إضاءة، فواصل موسيقية، أداء تعبيري صامت، توظيفاً موفقاً أطلق أجنحة للمسرحية و مدَّ جسور تواصل متينة مع المتلقي الذي لم يعدم الإثارة و الانبهار معظم الوقت.

و للكراسي في مسرحية (هيّه هيك) حديث آخر لابد للمتلقي العادي و المتخصص معاً من الوقوف عنده وقفة تأملية تغوص في أبعاد الخيال الخلاق الذي ابتدع هذا الأثاث الوحيد و البسيط كأفنون من أفانين التجسيد، بحيث كادت الكراسي الستة (بعدد الممثلين) تجاري الممثلين أنفسهم في قوة الحضور على الخشبة لولا فضل الممثلين في تحريكها و استخدامها استخداماً ترميزياً تأويلياً ماهراً عوَّض عن طاقم ممثلين مساعدين، و اختصر مشقة البحث عن حيل تعبيرية ستكون غالباً أقل إبهاراً و أقرب إلى المألوف و المتداول. و كان التقطيع المشهدي و التشريحي للنص الذي انعكسَ على أداء الممثلين الشباب قد جعل العرض حيوياً جياشاً بالحركة و تواتر الأحداث في إيقاعها الخارجي و الداخلي معاً، فحتى في لحظات المونولوج و التداعي و الانكفاء على الذات المأزومة التي جسدتها الفنانة (نجاة محمد) ينفجر الصخب النفسي و ينداح الضجيج الداخلي حاملاً إشراقات تمثيلية تفوّقت فيها الممثلة على ذاتها و على زملائها في العرض بشكل ملموس، و هنا لا بد من الإشارة إلى أن مستوى أداء الممثلين بدا متفاوتاً، ويبدو الأمر طبيعياً بالنظر إلى كونهم هواة و بعضهم يخوض التجربة لأول مرة. لكن التركيبة ككل أو (فريق العمل) إن جاز التعبير كان متناغماً مع بعضه متكاتفاً متعاضداً لإنجاز الرسالة و توصيل المراد، فالممثلون في تموضعاتهم و تجاذباتهم و علاقتهم مع المؤثرات الضوئية و الصوتية بدوا ككائنات ممغنطة بسحر اللحظة، مأزومين موتورين بدرجة وفيّة للحدث و انسيابهِ الباطني، وهنا أنوّه بالأداء الحارّ و الحضور الظريف للممثل الفتي (يوسف السيد أحمد) في أغلب ما جسّد من لقطات.  

و ختاماً: إذا كان الثابت في مسرحية (هيّة هيك) هو عشق المسرح و القتال من أجله، فإن المتحوّل هو ذلك الإيقاع الفني و الدرامي المتّقد الذي توسّله المخرج الشاب (مجد يونس أحمد ) لإخراج المسرحية واهباً الجمهور منظاراً مُبعداً مقرباً في آنٍ معاً لمعاينة الأحداث و إدراك اللعبة الفنية و اشتراطاتها...كلٌّ حسبَ استطاعته و قدرته على الالتقاط و ترجمة الدلالات.   

*          *          *

نجلاء أحمد علي


 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية