مواضيع للحوار

الثابت والمتحول في ممارسة الفن المسرحي

الثابت والمتحول في ممارسة الفن المسرحي

2140 مشاهدة

الثابت والمتحول في ممارسة الفن المسرحي

بقلم الدكتورة "Assia Chertioui" آسيا تشيرتيوي

هو في الختام مغامرة جديدة للثابت والمتحول في ممارسة الفن المسرحي بتطوير ما هو قابل للتطوير بحسب الرؤية الفنية المعاصرة ومتطلبات الراهن ودون المساس للقيم الفنية العامة للفن المسرحي.

 ينافي المسرح التجريبي النمذجة و النمطية وفكرة تقليد أو إعادة تركيب الإشكال الجاهزة التي كان ينحبس بين جدرانها المد الإبداعي المسرحي، انه روح منغرسة الجذور في امتدادات الموروث وتواقة في الوقت ذاته إلى التحرر من الإشكال العتيقة والقواعد البالية، فهو يتعدد ويتنوع بتنوعات الموقف بل وبتعدد تجارب الإنسان ذاته في رحابة الزمان والمكان، لذا يفسح المجال رحبا للتخييل - لكن في الإطار المسرحي- وطاقاته الرؤيوية التي تستنطق ما وراء الواقع مع تغلغلها في الوقت نفسه بأعماق الواقع المعيش وانغراسها فيه.

 يفرض أيضا على المبدع في مجاله؛ مخرجا أو مؤلفا أو كاتبا أو ممثلا، يفرض قلت حالة من ديمومة التجاوز واستمرارية التجدد في الشكل والبناء الدرامي والتقنيات و التفاصيل الدقيقة ... دون إحداث القطيعة بين الحداثة والموروث المسرحي، إذ إن الإبداعات الفنية وفي أي مجال كانت، إنما هي تتلاقى وتتقاطع وتتجاوز بعضها بعض لكن لا شيء يلغي الآخر أو يحل محله أو يعوض عنه، والمسرح التجريبي يحقق وبامتياز هذه المعادلة الفنية.

وهو بمرونته لا محدودية فضائه الفكري والفني والثقافي يتيح للمبدع إمكانات هائلة وطاقات معبأة لاستغلالها في أغناء الموقف الدرامي أغناء مركزا ومكثفا لكن بعيدا عن الحشو والغوغائية ،بحيث يجيب أو على الأقل يقارب الإجابة عن أسئلة الراهن وقضايا العصر ببساطتها وتعقيداتها.

يمثل أيضا نافذة مشرعة نطل منها على عوالمنا الداخلية والخارجية المتعددة والمختلفة، من دون عوائق أو حواجز تمنع الرؤية المتعمقة والفاحصة لهذه العوالم، فمن خلاله نطل على مكنونات النفس ودهاليزها المتشعبة، وعلى كوامن الروح وغياهبها العميقة وعلى متغيرات العالم ومجاهيله الخفية.

انه يمثل كذلك جسرا يربط بين الماضي وتغيرات والحاضر، باستقراء الموروث الفني المسرحي واستجلاء غوامضه بطريقة يعانق بها الحاضر ويعبر عنه و يخط له امتدادا في المستقبل صوب إنسانية جديدة بآفاق وقيم جديدة.

أظن أن ميزة المسرح التجريبي هي حيازته على القدرة على مسايرة بل وعلى استيعاب ما يشهده العصر من تحولات وما يعتريه من هزات، وعلى احتواء التجارب الإنسانية الفكرية والروحية والحضارية،وفهمها، وفك طلاسمها وشفراتها، بعيدا عن الدوغمائية التي عملت على تكريسها بعض المدارس والتيارات المسرحية في تسطيرها للقواعد والأسس الفنية للعمل الدرامي.

كم يستحوذ علينا التفكير في الحياة.... فننسى أن الموت رفيق حياتنا الدائم ...كم نهتم ببناء المستقبل دون أن نفكر لحظة واحدة أن ما هي إلا زفرة واحدة ويضيع الماضي والحاضر والمستقبل معا ....كم نخط للغد المشاريع ...ومشروع سماوي وحيد مخطط لنا ..الفناء...لست أخشاك يا موت فلا تتربصني ...أنت كالطفل اليتيم الصغير الضعيف الذي يكرهونه أولاد الحي فلا يلعبون معه وتطرده الأمهات من أمام منازلهن ....تعال نتصالح واجهني.. لم لعبتك الوحيدة هي لعبة الاختفاء حتى إذا نسينا وجودك تعود لتظهر من حيث لا نحتسب.. لست أدري هل ألومك أنت أم ألوم الحياة التي تاخدني إلى أحضانها وتبعدني عنك...ما أتفه أنانيتي وما أشقاني بها .. بالأمس فقط كنت أفكر في حياتي وكيف ابنيها بطرقها الصعبة والمتشعبة ...إلى أن اثبت حضورك يا موت واقتربت مني ...من اقرب الناس إلي ..حينها فقط أدركت كم...كم كنت حمقاء وتافهة وأنانية لاني ....لاني نسيت أن أقول لمن تأخذه إلى أحضانك ....كم احبك واحبك واحبك...وحمقاء لاني لم أدرك ....كم إنا في حاجة إليه ...أرجوك يا موت أمهلني ...هل تسمعني ... أنا أترجاك .... ما اقساك وما أقسى خياراتك.....ما أسرع قراراتك ... ألا تتردد أبدا ...ألا تخطئ ولو مرة واحدة إن الله يغفر الأخطاء فلم لا تخطئ أنت ...خطأ وحيد في حياتك... مالي أقول في حياتك انك لا تعرف الحياة ....إنها جميلة لو تعلم.. دافئة يا بارد القلب زاهية يا باهت اللون ،سعيدة يا حزين الروح.....ما أقساك............إلى كل من يقرأ هذه الكلمات ......رددوا معي اللهم اشف مرضانا وخفف آلامهم ...اللهم اشف مرضانا .....اللهم اشف مرضانا.

إن المسرح التجريبي يفتح صدره رحبا لاحتضان زبدة كل تلك التراكمات الفنية والفكرية والروحية والمادية البشرية، وتوظيفها توظيفا واعيا بناء هادفا يخدم القضية المطروحة ويتغلغل بها في أعماق الوعي .... الوعي الفردي والجمعي للمتلقي، مجسدا اهتمامات هذا الأخير وعواطفه وأفكاره وتطلعاته بصورة تنأى عن التحيز وضيق الرؤية ومحدوديتها، ويلتمس بلوغ الهدف الاسمي والغاية المثلى التي من أجلها قام هذا الفن المتميز منذ آلاف السنين وحتى العصر الحالي .........نتغدى ونكمل....

وأنا أستهل الكتابة في مجال المسرح التجريبي تذكرت هذا المثال قال القديس "اغسطين"، حين سئل عن الزمن: «حين لا يسألني أحد عنه فأنا أعرفه جيدا ولكن لما أُسأل عنه - بضم الألف الأولى - فإني حينئذ لا أعرف شيئا». أحيانا تكون أسهل الأسئلة أصعبها....
أعود إلى المسرح : أظن أن الغموض الذي يكتنف مفهوم المسرح التجريبي يتأتى من اجتماع كل من مصطلح مسرح والذي يعني "الأدب التمثيلي"، مع كل ما تحمله هذه العبارة من إيحاءات ضمنية وما يطرحه هذا الطابع التعبيري من قيود وآليات فنية، ومصطلح "تجريبي "المستوحى أساسا من "المنهج التجريبي"، وهو المنهج الذي استحدث لدراسة العلوم "المادية"، دراسة تُخضع - بضم التاء - الظاهرة العلمية للخطوات الثلاثة في التجريب: "الملاحظة ، الفرضية، والتجربة"، ثم عمم ليشمل تطبيقه على العلوم الإنسانية التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس مع مراعاة ما ما تقتضيه هذه العلوم من مرونة وتميز

ومن منظار شخصي أرى أن "المسرح التجريبي" هو رؤية علمية معاصرة للفعل المسرحي تخضع هذا الفن بخصوصياته واستعداداته، شكلا ومضمونا تأليفا وتمثيلا لمقتضيات التجريب الثلاث : "الملاحظة والفرضية والتجربة". وأسأل الله أن يوفقني في محاولة شرح هذه الفكرة

إن أهم ميزة لعصرنا هي هذه التراكمات الهائلة للحقب الفنية والمدارس والمذاهب والفلسفات والإبداعات وكل ما أنتجته البشرية فكريا وفنيا وحتى ماديا منذ آلاف السنين تراصت وتراكمت إلى درجة أصبح الغرب جراءها يسوق مصطلحات وأفكار هدامة عن نهاية التاريخ وما بعد الحداثة وكأن ما بلغه العالم من تطور في جميع الميادين هو الصورة النهائية للحداثة......... وما بعد ذلك العماء ... ليس هذا هو المهم وإن شاء بعضكم الدردشة حول الفكرة لاستغلالها في خلق صورة تجريبية مسرحية حديثة ففي فرصة أخرى إن شاء الله ...المهم إن هذه الميزة والتحولات الجذرية والسريعة التي يشهدها العالم تفرض تجديدا جادا وفعالا في الرؤية المسرحية، تجديدا لا يتأسس من العدم ولا يقوم على فكرة الإلغاء للموروث السابق مثلما هو الحال لدى بعض المدارس الذي كان انبثاقها محاولة لكسر أسس سابقتها مثل الرومانسية والكلاسيكية مثلا أو الرومانسية والواقعية أو الواقعية والرمزية .....فالتجديد الذي يفرضه العصر هو رؤية جديدة للموروث الفكري والفني وحتى الروحي بمعطيات العصر، يعززها وعي بالتحولات الحاصلة، ثم ربط هذا بذاك بما يخلق مولودا فنيا عزيز المنبت قوي السند يواكب الحدث ويستشرف المستقبل ....... إن عدم الانتماء ألقسري والحصري لمذهب من المذاهب أو لفلسفة أو مدرسة هو ميزة النتاج الفني عموما والمسرحي على وجه الخصوص في هذا العصر والطرح الجديد فيه هو " ما الذي يمنع اجتماع الرومانسية والواقعية مثلا إذا كان ذلك سيتم استخلاص أهم ميزات المدرستين الفنية مثلا، وأظن أنه ومن هذه الرؤية الشمولية يمكن فهم المسرح التجريبي على انه حوصلة لهذا الموروث من منظور عصري.

درست الأدب العربي في جامعة قسنطينة – الجزائر

حصلت على الدكتوراه في الأدب العربي

تهتم بالمسرح التجريبي

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية