مواضيع للحوار

الحركة والسكون في الصورة بين الفلسفة و النقد

الحركة والسكون في الصورة بين الفلسفة و النقد

1154 مشاهدة

الحركة والسكون في الصورة بين الفلسفة و النقد

#لوت _زينب _دكتوراه _في _النقد الحديث و المعاصر

#أستاذة في المدرسة العليا للأساتذة  - مستغانم – الجزائر

                               

#ملخص المقال بالعربية :

بدأ الوجود من الحركة والساكن، وارتبط بحياة الكائن، وتحولاته المرتبطة بتطور الحركة تكون الصورة مجموعة من التآلف والتعاقد المزدوج بين ما ينشطر في مكون الخلق الفني وبنائية التخيل في صياغة  جمالية، تتسامى وأثر الإبداع، مع تأثير رؤية التلقي والتواصل في الصورة.

ملخص المقال بالإنجليزية:

Began presence of motion and static and, and has been associated with the life of the object, and transformations associated with the development of the motion picture is a group of harmony and compact dual between the splits in the artistic creation component constructivism imagination in the formulation of aesthetic, transcends the impact of creativity, with the effect of seeing the receive and communicate in the picture

المقال:

#تتم الحركة إذا سبق وجود ساكن، فتتخذ الفعل في تحريكه والصفة في الحركة، في انتقالنا للحركة والسكون وارتباطها بالفضاء، توجه آخر لاستراتيجيات الصورة المتفاعلة داخل النص كفضاء يمثل جزئيات متحركة تتخذ مكانها ودورها في مدرك جمالي وهنا نبحث عن العلاقة بين الفلسفة و الصورة والوجود الذي ينصب كمؤثرات إنفعالية هامة في تركيب ما هو خفي ومستتر عن العمل ذاته.

  1.  الصورة والحركة في التراث العربي النقدي والفلسفي :

تقارب الصورة في التراث العربي، تعددا في الخطاب النقدي بين مفاضلة المعنى عن اللفظ أو العكس في ذلك، ورغم محايثة "عبد القاهر الجرجاني" (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني (400-471هـ)) لسابقيه ومعاصريه إلا أنه ارتأى في نظرته جوانب اختلاف بعد ائتلاف، ومواكبة لتشفير منحى آخر، وهو تجاوز المفاضلة والارتكاز على عِلية التصوير والمحاكاة، حيث تمثل الصورة شيئا مصنوعا، وترسم وجودها بفكر صانعها، وبتصور المتخيل صنعه من العقل المدبر لها،  ويترجم" الجرجاني " بمحاكاة النماذج الفنية في حذو صنعتها وإبراز معانيها  (اعلم أنه لا يصلح تقديرُ  الحكاية في النظم والترتيب بل لن تعدو الحكايةُ الألفاظ وأجراس الحروف وذلك أن الحاكي هو من يأتي ما أتى به المُحكيُّ عنهُ ولا بُد أن تكون حكايته فعلاً وأن يكون بها عاملاً مثل عملِ المحكيِّ عنهُ، نحو أَن يصوغَ إنسانٌ خاتماً فيبدع فيه صنعةً و يأتي في صناعته بخاصَّة تُستغْربُ، ويأتي آخر فيعمل خاتماً على تلك الصورة والهيئة ويجيء بمثل صنعته فيه ويُؤديها كما هي فيقال عنه ذلك إنه قد حكى صنعة فلان وصنعته فلان و النظم والترتيب في الكلام كما بيّنا عملٌ يعمله مُؤلف الكلام في معاني الكلم لا في ألفاظها ) إن الصورة عند الجرجاني تقتضي من المعنى وجودا بلاغيا ومفاهيميا، واللفظ حامل لبلوغ هذه الغاية وارتباطها بمفاهيم ومسميات متواضعة عند غيره، وتلك القرائن المشتركة تشير إلى التَّشاكل المعرفي، والتَّماثل التَّواضعي لإسقاط المناسب من الإبداع الفكري في مساره التصويري الفني، ويركز على حركة ترتيب المعاني بتوخي الألفاظ التي تقاس بها الحركة وتنبعث من سكون التلفظ إلى مزايا النظم التأثيري .

  1. الحركة  و السكون المتحرك و الساكن في التراث الفلسفي :

تشكل الحركة عند الكندي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185هـ- 256هـ): كخاصية  أولية في آليات التصوير الفني، وفعلا قصديا يحققه التخيل في تنميط الصورة، وتقدير المشهد، غير أن التفكير في إنشاء الصورة لا يأتي في شكل جاهز ولا مواضع سابقة في مسلمات العقل وهذا ما تتجه إليه الفلسفة القديمة عند الفيلسوف الكندي وهو ينظر إلى " الحركة هي كمال المتحرك من حيث هو متحرك، هي كون المتحرك بالقوة متحرك بالفعل، فلابد للحركة من وجود المتحرك أولا ..... وبما أن التغيير ينشا عن حركة متقدمة عليه، فلا بد أن يكون قبل الحركة التي حدثت بها الأشياء حركة أخرى  فكل متحرك له إسقاط جزئي في المخزون المصورة، وينتج حركة متنقلة من ثوابته الخام إلى عالم المعنى أو عالم التفكير في منحها رؤية متجددة ومخادعة ومفاجئة حتى ينتفع المرئي بمشاهدتها، و تسطير  ماهية أخرى يتم فيها التعدد والنسبية، والمحظور في حركتها الأولى يخترق المادة في تشكيل هيولي يتجاوز المعطى الأول ليحقق بالقوة وبالفعل غاية أخرى.

عرف الكندي الحركة ارتباطا بقياس المتحرك ، وتحقق شروط الانسجام ، ومعايير الزمن الملائم  (أولا :الحركة هي كمال المتحرك من حيث هو متحرك ،يعني كون المتحرك بالقوة متحركا بالفعل، فلابد للحركة من أن يوجد المتحرك أولا، وكما أنه قبل الاحتراق لا بد أن يوجد ما يقبل الاحتراق(...)

ثانيا : يكون المحرك محركا والمتحرك متحركا ،إذا توفر شرط تقاربهما وهذا التقارب حركة فلو كانت الحركة الأولى حادثة لكان قبلها حركة فالحركة قديمة

ثالثا :لا يمكن أن يكون تقدم وتأخر إلا إذا كان هناك زمان ولا يكون هناك الزمان إلا إذا كانت هناك حركة  )  فالزمن مؤشر دافع لحركة الكائن وتغيراته، ولطي حقائق الكينونة وفي نفس الوقت إثباتها في كيفية تشخيص الراهن هذه الترابطية الوثيقة بالحياة ،و الفن معا .

 وتتفرع حركة الزمان والمكان في تصور  "الكندي" بعلاقتها الدائمة مع الأجسام ، (على أن الكندي كأرسطو يربط الزمان بالحركة ، ويربطهما أيضا بالجسم فالزمان زمان جسم )، وهذه النقلة في تفسير الزمن تداولها الغرب في تحديد الزمن في الرواية ومن ثمة تشكيل الزمن في الصورة،     و الفن كائن كغيره من الموجودات يتعايش مع ديمومة التلقي الدائم وعائد الجمال، في باطن  ما يحمل من ترسبات يتقاسمها طرفين في محورية الزمن الكاتب ( المؤلف ) المتلقي ( القارئ) في ولادة متجددة ، ونمو فرعي بين ما يتناص في النص و النقد و التلقي معا، يتكاثف التفاعل في المستويات التي تتصل بالنص كفن قائم على الزمن و زمنية التلقي تثير دوما حالة استمرار دائم (بأنها الفن القائم على الزمن ،وتقابلها فنون مكانية أخرى كالرسم والنحت ) ويحدد رولان بارت الزمن ومركزيته في التغير والتحول  (إن أزمنة الأفعال في شكلها الوجودي والتجريبي، لا تؤول إلى المعنى المعبر عنه في النص، وإنما هدفها هو تجميع للواقع وتكثيف له بواسطة الربط المنطقي لخلق عالم الرواية) فالمؤلف يرصد جميع الأفعال والتراكيب المزجية للواقع، وكذلك ما يدور في خلية التركيب الكلامي والفكري، والنسبي كأخلاق ورموز حضارة، وانتماءات، وقوانين تواصل مع الآخر، كما يثمن تجاربه وتجارب الآخرين، والتركيز على التحولات في أي أثر حياتي وثقافي واجتماعي اقتصادي أو سياسي، فالعمل الفني وزمنه،  يكمن في  الفعل المتصل بالموضوع عند الكندي كحركة تتجاوز النشوء، وتنشطر ( نظرية الفعل: يقسم الكندي الفعل إلى 1- ما يكون تأثيره في موضوع قابل للتأثير، وهو فعل بالمبنى العام ولا يتحتم أن يبقى له أثر محسوس لأنه قد ينتهي بوقوف فعل فاعله من جهة ولأنه بانفعال متقضّ، في الفاعل نفسه من جهة أخرى 2- ما يكون مصحوبا بفكر، وقد يترك أثرا محسوس) تتصل نظرية الفعل بالفاعل الذي يستطيع فهم ما يستكين حوله ويثير حسه المعرفي نحو الأشياء، لخلق رؤية متقابلة، و تشكيل موضوع الرؤية، وحركتها نحو المؤثر.

تعريفات الكندي لرسوم الاشياء وقياسها :

الاختيار: إرادة قد تقدمها روية ما تميزه

الكمية: ما احتمل المساواة وغير المساواة

الكيفية: ما هو شبيه وغير شبيه

المضاف: ما ثبت بثبوته الآخر

الحركة: تبدل حال الذات

( تعريفات تميز مراحل تسيطر به رسم الأشياء ونقل ملامحها الوصفية، و جزئياتها الموصوفة، بجدلية الحضور والمناوبة، أو الحضور والإزاحة، فالرسم يقتضي تميز إختياري لكل ما يمكن الفنان من تشكيله، وتحديد كمية الشيء من خلال السيطرة على الكينونة و تسير مكوناتها حتى تنسجم، وتتشكل موضوعا بكيفيات المشابهة وغير المشابهة المقترنة بالمجاز و التشبيه، أما ما يضاف فهو بأخيلة الفنان ويكون المعنى الخفي، والموقف المنتمي للشيء، وتتقاسم الحركة تحولاتها داخل ذات الشيء بتغير محوري، وانتقال تبادلي من خواصه ليقيم توازيا في رسم المعنى.

تأثر الكندي بفلسفة سقراط وأفلاطون وأرسط، في حدوث العالم المادي ومع أن الحدوث الكوني يرتبط بتكوين جينالوجيا   Généalogie   الخلق أو العودة للجذور الأولى، وأثر العناصر الأربع ضمن الخلية الجيولوجية لتفسير الظواهر الطبيعية، والتّي استند إليها الفلاسفة واشتد وقعها في فكر " غاستون باشلار " حين اشتغل عليها بوتيرة مكثفة، ومنحى غالب في الإنتاج الفكري للأدب، وحتى تتمكن لرؤية الوضوح أكثر، حول مجموعة من المفاهيم أولها بناء العالم حيث (يأخذ الكندي في بناء العالم المادي بمذهب أرسطو من بعض الوجود، ويخالفه من وجوه أخرى في وسط العالم هذه الأرض وما عليها من الحرث والنسل، وهي كرة ثابتة في مكانها وتحيط بها كرة من الماء، على سطح الأرض وفي الطبقات الأولى من الجو، وتحيط بها كرة من الهواء، تحيط بها أخيرا كرة من النار، وهذه هي العناصر الأربع يأخذ مكانها الطبيعي بحسب خاصيته الأساسية ( الحرارة البرودة أو اليبس أو الرطوبة) والبواعث الخلاقة للفعل في شتى مجالاته أثارت بحث العديد نمن المفكرين والفلاسفة، أهمها جينالوجيا الأخلاق لينتشهFriedrich Nietzsche(1844_1900) الباحث عن المعارف والأصول المتجذرة في الفهم الفلسفي، التي انبعثت منها الأخلاق بنقائضها وأثرها على الفن فيذكر (من جانب فنان كان يتوق بكل ما في إرادته من قدرة، إلى الضد، نعني بأن يدفع بفنه إلى أقصى ما في الروح من روح وأقصى ما في الحس من الحس) في استنطاق قدرة الحس بالتجاوب مع الحس الخلاق المتفاعل بالجمالية واللذة.

ينطلق الفارابي ( أبو نصر محمد الفارابي هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي. ولد عام  260هـ/874م في فاراب، اقليم تركستان وتوفي عام  339هـ/950م) تصوره على الخيال باعتباره خزانة ما يدركه الحس، " المصورة '' ويربطها بمدى تأثيرها في '' القوة النزوعية " للمتلقي (ولذلك صارت الأقاويل دون غيرها تجمل و تزين وتفخم ويجعل رونقا وبهاء بالأشياء ذكرت في علم المنطق: فهذه أصناف القياسات و الصنائع القياسية: وأصناف المخاطبات (..) في الجملة خمسة: ( يقينية وظنونية، ومغلطة، ومقنعة، ومخيلة )   حيث يولي للعقل تسير المدركات التخيلية، ويعزز تسيرها في التأثير على المتلقي حسب رغبة التلقي المنتظرة من الباث لها من خلال مؤثرات التي تستدعيها المخيلة، " التطهير " الناتج من عملية التأثير بطريقة إيهام الصور، وترميز الصور بالغاية التي يريدها المبدع.

والانفعال هو الحالة التخيلية التي تترك أثرها في المتلقي، و ينظر ابن سينا  في كتاب " الشفاء " ما (أن النفس يصح لها أن يقال لها بالقياس ،إلى ما يصدر عنها من الأفعال قوة وكذلك يجز أن يقال لها بالقياس ما يقبلها من الصور المحسوسة و المعقولة على معنى آخر قوة ) لشيء هو عناصر تنتمي مؤولاته مسبقا في الصورة، والصورة تمثيل لانتماء الشيء لها، وكينونة الأشياء معارف لدى التصوير قبل ولوج الصورة مرحلة التفاعل النهائي، بين الخيال المنفعل " الحســــــي "، والخيال الفعال " العقلاني الخلاق " " والتفرقة بين المعرفة الأولية التي تسبق التجربة والمعرفة التي تجيء اكتساباً، وتدرس الشروط التي تجعل الأحكام ممكنة، والتي تبرر وصف الحقيقة بالصدق المطلق – إن كان هذا ممكنا،. كما تبحث نظرية المعرفة في الأدوات التي تمكن من العلم بالأشياء، وتحدد مسالك المعرفة ومتابعها، كما تدرس طبيعة العلم بما هو كذلك، وتهتم بمعرفة اتصال قوى الإدراك بالشيء المدرَك، وعلاقة الأشياء المدركة بالقوى التي تدركها "  والإدراك  فعل قوي لتحلي بالإرادة ،

يشِير ابن رشد (أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد"520 هـ 595 هـ "يسميه الإفرنج Averroes واشتهر باسم ابن رشد الحفيد) إلى الخلفية المرجعية التي تتشاكل منها الصورة الفنية في ذهنية مُبدعها، وقد أثار قضية القدرة العقلية الهيولانية العاملة على فهم المحسوس وتقبل المعاني الخيالية، ويحدد انتقال التجريدي للصور الخيالية من هيولاتها إلى معقولات، بالمطابقة التي استثمرها من عناصر ابن سينا، " التشبيه " وهو جوهر العملية التي تحظى بالتغير المتطلب من المعنى بشكل معرفي لتوافقات التي تستجيب لأفق اكتساب تلك النظارة المحققة على صفحة العمل وتختلف المعاني باختلاف النتاج العقلي، للمنتوج التخيلي للصورة، ويضيف مفهوما جديد للتخيل وهو اللحن والوزن " وكما أن الناس بالطبع قد يخيّلون أو يحاكون بعضهم بالأفعال .. إما بصناعة وملكة توجد للمحاكين، وإما من قبل عادة تقدمت لهم في ذلك كذلك توجد لهم المحاكاة بالأقاويل بالطبع والتخيل . . والصناعة والمخيلة أو التي تفعل التخيل ثلاثة: صناعة اللحن، وصناعة الوزن – وصناعة عمل الأقاويل المحاكية "  من مرتكزات التخيل: التخير في توظيف الكلمة بما يجانسها، في شعرية تؤدي اللغة فيها حسن التأليف بعد خروجها من طبيعتها المألوفة عادة، وحركتها المؤلفة من دربة الصناعة والمحاكاة.

 استلزم من " حازم القرطاجني "  (حازم بن محمد بن الحازم القرطاجني ولد 608هـ /1211م وتوفي 684هـ /1386م  ) الولوج لعالم التفكير الإبداعي مثاقفة بالغة الذروة بالمحاكاة في الفكر"  الأرسطي " وبلغ منزلة كبيرة بين أهل عصره بعد سقوط " قرطاجنة و مرسيه على أيدي القشتاليين 640ه  فارتحل العلماء والأدباء إلى بلاد المغرب، والتزم "القرطاجني "بقصر الخليفة الموحدي " أبي محمد عبد الواحد الملقب بالرشيد " أين زخر بالثقافة بالأدب والشعر،  ثم انتقل إلى تونس حيث التحق بسلطانها " أبي زكريا الحفصي " الذي كان مولعا بالعلم ومقدرا للعلماء وقد عينه كاتبا في ديوانه، فانفتح على علومهم و فقهاءهم ومفكريهم كالأندلسيين  من أمثال ابن الأبار، وابن سيد الناس، وابن عصفور النحوي المعروف، وابن الرومية عالم النبات، وابن سعيد الأندلسي.

 يمثل " حازم القرطاجني " الخيال تمثيلا مركبا من نظرية ابن رشد مع توظيف مصطلحات جديدة، لعملية تجلي الأفعال الأدبية، من خلال التّدرج في الحالات التي يندفع فيها المتخيل عبر الخبرات الحاصلة في الذهن "فالمعـــــــــــــــــــــــــــــــاني هي الصور الحاصلة في الأذهان، عن الأشياء الموجودة في الأعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن فإنه إذا أدرك حصلت له صورة تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصور الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به، هيئة تلك الصور الذهنية في إفهام السامعين وأذهانهم، فصار للمعنى وجود آخر من جهة دلالة الألفاظ، فإذا احتيج إلى وضع رسوم الخط، تدل على الألفاظ من لم يتهيأ له سمعها من المتلفظ بها صارت رسوم الخط تقيم في الأفهام هيآت الألفاظ، فتقوم بها في الأذهان صور المعاني، فيكون لها أيضا وجود من جهة دلالة الخط على الألفاظ الدالة عليه "  تتحصل المعاني في خلية من الصور العالقة في الذهن، لكنها تندفع بفعل مؤثر في السامعين المتلقين، أمام المسارب التخيلية التي تُكَوِنُ جوهر النص وتحولاته.

3   - فلسفة إخوان الصفا وخلان الوفا في الصورة بين الحركة والسكون:

تكون الصورة مجموعة من التآلف والتعاقد المزدوج بين ما ينشطر في مكون الخلق الفني وبنائية التخيل في صياغة  جمالية، تتسامى وأثر الإبداع، مع تأثير رؤية التلقي والتواصل ومن هذا يصنف فلاسفة إخوان الصفا تراتبية فكرية تأملية في تجسيد الحركة وتثبيت مسار التحرك من سكونية العناصر البيوغرافية والفيزيولوجية المكونة إلى حد تجسيد (...الجسم الواحد يسمى تارة هيولي، وتارة موضوعا، وتارة صورة، وتارة مصنوعا، وتارة آلة، وتارة أداة، وإنما يسمى الجسم، هيولي للصورة التي يقبلها وهي الأشكال، والنقوش والأصباغ وما شاكلها، ويسمى موضوعا للصانع الذي يعمل منه، وفيه صنعته، من الأشكال والنقوش، وإذا قبل ذلك سمي مصنوعاً، وإذا استعمله الصانع في صنعته أو في صنعة أخرى يسمى أداة ) الأداة في التفكير الفلسفي هي الشكل المنتهي في الصناعة فهي تحدد النوع وتقيس بالمصنوع نوع الصناعة التي تميز بين الجاهز والمجهز لصناعة تشكيل آخر ويتخذ من الصورة موضوعا ومن الموضوع صورة وهي أداة للجمال ولتحقيق فنية أداء الصورة، وتحقيق التوافق بين ما تدخره الأشكال ونوع المؤدى في وظيفتها، فإن كان لتحقيق النص السردي موضوع بحثنا فالفنان في صنعته يصقل بموهبته فنية التصوير، ونقل شاكلة من الأبنية التي تؤسس الجسم الهيولي المناسب لتحقيق قيم جمالية، فكرية، وخطاب تأويلي مع مختلف الرؤى، فالحركة تنتمي للجسم، وتحقق كينونة وجودية، والخطاب يتوافق وهذا المنحى من الفلسفة المحققة لذات القيمة، كما تتخذ الحقائق الفنية عدة مؤثرات تحقق هذا الطرح التأسيسي:

3-1- الانسجام

تتحقق الصورة بانسجام عناصرها، وتوافق مكوناتها، فالانتقال من المرئي إلى اللا مرئي بحاجة لتلك المدركات (فإنه يقال لها هيولي لكل صورة تقبلها )  والقبول هو مجموعة المعطيات التي تتوافق وتثير جوانب المنفعة المتبادلة كغيرها من المحققات التي يضعها الإنسان في منهج حياته، وكحاصل مباشر لأي عمل ينتجه ( فالمنفعة مثلها مثل الأهمية والدلالة عبارة عن ذلك الانسجام النهائي في الفنون ودون أية وسيلة أخرى تكون المنفعة بمثابة الأساس الكلي للفنون )  وارتباط المنفعة بالفنان هي ارتباط موجه نحو مقاصد تحمل الصفات والاهتمامات، واللغة و القيم الإنسانية المرتبطة بالتحولات التي يعيشها الفنان وسعة الخيال المحرك لأوجه التعدد ( الجمال / الفن / الواقع ) وسط مؤهلات الفلسفة الإستطيقية .

3-2- الحركة :

الكتابة فن يثير التحول  في أوجه المعنى، وينسج من الأشياء حركة النص، ويستبطن منها خواص الأبعاد في شتى أنواع التفكير البشري، فالطبيعة والعمل الفكري متحدان دوما على السري نحو الحركة التي تميز الكائن في الحياة فلا يمكن مثلا تمثيل الخير بالسنبلة  ذلك من قول الله تعالى : مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(262). [بقرة:261، 262]. حيث تتم مقاربة السنبلة بالإنفاق والقرآن الكريم هو النموذج الأسمى للمجاز و البيان و التمازج الروحي بالمادي، كما يتمعن الفنان الوجود مصورا في معاينة حركته ومماثلتها بالأفكار كما تراها الفيلسوفة الأمريكية "سوزان لا نجر "Susanne Katherina Langer "(1895-1985م)( أن الفنون تقوم بتجسيد الواقع الذاتي أو الخبرة الخارجية للطبيعة فتعليم الفن هو تعليم للمشاعر والأحاسيس)  هذه المشاعر التي تثير التغير و الانتقال من حالة إلى حالة بتوفير أوجه المشابهة، وخاصية المقاربة، و الحركة عند فلاسفة الصفا ستة أوجه  ( الحركة يقال على ستة أوجه : (...)، والتغير، والنُقلة، فالكون هو خُروجُ الشيء من العدم، إلى الوجود أو من القوة إلى الفعل (..) ، والزيادة هي تباعد نهايات الجسم عن مركزه، والنُّقصان عكس ذلك ،، والتغير هو تبدُّل الصفات على الموصوف، من الألوان وأما الحركة التي تسمى النقلة فهي عند جُمهور الناس الخروج من مكان إلى مكان آخر، وقد يقالٌ إن النقلة  هي الكون في محاذاة ناحية أخرى في زمان ثان، وكلا القولين يصح في الحركة )  والتسليم بهذه الفلسفة من منظور الكتابة ترافق مدى ينتج في السرد، ارتباط الحركة أولا بالنقلة وهو موضوع قار في الكتابة التي تعد انتقالا من الواقع إلى صورة فنية عن محتواه بتصور فكري، ودُربة تفكير تقتضي ممارسة في تشكيل البيئة، والجمال المأخوذ بمنطق العقل الفعال (الخيال ) كما يفسرها سانتياناGeorge Santayana(1863-1952) ( ولذلك فإن حب الجمال يجب أن يبرر وجوده ذاتيا، لا باعتباره أحد مكونات الحياة، بل يجب أن يتم تبريره على أساس أنه يبرر وجوده ذاتيا كما أنه يمثل التأثير الأساسي والسيطرة النهائية على الحياة ) هذه التغيرات الست التي تحقق المعطى الفلسفي  تبدأ من  -1- خروج الشيء 2- تغير المركز( التحويل المركزي )  3- وتحوله من مكان إلى آخر 4- في زمان ثاني5-  يحدث التغير/ التبدل،6وتبدل الصفات، ثم وسط هذه التغيرات التابعة للحركة يكون الانتقال عبر الروابط السببية التي يمارسها الفن.

 ينتمي الفعل الحركي كجسر تواصل وهمي بين مدركات الفن ومحققاته،  فلسفة إخوان الصفا ترى في الحركة النقلة ( التغير و التبديل ) على نحو ذلك: ( اعلم أن الحركة هي النُقلةُ من مكان إلى مكان في زمان ثانٍ، وضدّها السكون وهو الوقوف والثبات ، في مكان واحد بين زمانين ،، والحركة تكون سريعة وبطيئة ، فالسريعة هي التي يقطع فيها المتحرِّكُ  بها مسافة طويلة  في زمان قصير، والبطيئة هي التي تقطع المتحرِّك بها مسافة قصيرة في زمان طويل وعلى سبيل المثال تعتبرالحركة والمتحركات )  السرعة والمسافة و الزمن ومن ذلك يصمم غايته وهدفه في نفس الوقت تحدد مقاربة دائمة ومعاينة مستديمة بين جانبين من التوقع أو المشاكلة تتماثل دوما تفسير معطى الصورة بالحركة، والهيولة التي تحرك الجسم بعد أن يمثل الشكل صفته من الجسم الساكن أين تتجمع فيه خواص المتحركة في الفعل الفني، ما يدرجه " إخوان الصفا " في قولهم ( : واعلم أن الحركة هي صورة جعلتها النفس في الجسم، بعد الشكل، وأن السكون هو عدمُ تلك الصورة، والسكون بالجسم أولى من الحركة )  فالجسم حامل للحركة ( الجوهر/ السكون) وما نواته إلا ألوانا تبرز اختلال المادة الخام بالمتحرك ،و تحولها لعائد جمالي في الكتابة الفنية (الجوهر/ الخيال/ الحركة /المتغير ) ينصب في الوضع ( والمقصود بالوضع إنما هو الترتيب فالكثير من المعاني  تستحسن من أجل الترتيب وكذلك النقوش و الكتابة و الحروف وكثير من صور المبصرات إنما تستحسن وتروق، من أجل تأليف أجزائها وترتيب بعضها عند بعض)  يقتضي الترتيب عند أبي علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (354هـ_965م/430هـ_1040م) في الإدراك البصري الحامل لتأليف الأجزاء وترتيب ما يلائم الشكل، هذه الفيزيائية التي يحملها الفنان وهو يصوغ قدرا من الحس الجمالي، وبصيرة  التميز بين ما يروق الحس ويوافق التأليف، يثير السكون السابق للصورة و الملازم للجسم قبل الحركة يتخذ انتقالية التغير من الثابت إلى المتحول في مناطق تحوله ( الذات / الموضوع )( المساعد / المعارض)،( المرسل / المرسل إليه ) حسب النموذج العاملي لغريماس  Algirdas Julien Greimas (1917-1992) ترقن خطاب الصورة  بهذه الثنائيات التي ترصد حركة (السكون/ الجسم) (السكون  (معارض)/ الصورة (الحركة مساعدة ) و(الحركة/ الصورة) التي تمثل قناة تواصل بين اللامرئي و المرئي بين الخيال المنفعل بالواقع و تخيل المتلقي لواقع فني مترف بالفلسفة و المغامرة نحو جوانب خفية خلف حركة الصورة أو صورة الحركة.

فيمثل إخوان الصفا  هذه القوى (أما القوى الخمس الروحانية فإنها كالمتعاونات في إدراكها رسوم المعلومات، وذلك أن القوى المتخيلة إذا تناولت رسوم المحسوسات كلها وقبلتها في ذاتها كما يقبل الشمع نقش الفصّ، فإن من شأنها أن تناولها كلها إلى القوة المفكرة من ساعتها، فإذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواس لها بقيت تلك الرسوم مصوَّرة روحانية في ذاتها، كما يبقى نقش الفصّفي الشمع المختوم مصوراً بصورة روحانية مجردة عنت هيُّولاها فيكون ذلك لها كالهيولى وهي فيها كالصورة) إذا تأملنا إلى ترتيب نستخلص دائرة هذه القوى:

المنطق الفلسفي عند إخوان الصفا ينصهر في الطبيعيات وما ينبئ بحركة وجودية، انطبعت في تفسير كل حركة تنقل الأجسام في مهب التحول، بمبدأ المشاركة بين السكون والحركة في مرونة الصلة التركيبية، والكيفية التي تنتج فيها التحولات والنتاج  الدائم على الممكن، والمؤلف حول الممكنات الخاضعة لتركيب . 

تحيل الصورةُ الفنيةُ  الأبعادَ الجماليةَ للإبداعِ في منحَى أَشكَالِه، ومن رؤية الذات إلى يقظة حاسة المبدع في تشكيل خواص إبداعه، تؤثر و تستأثر قرابة الفن من وجهة نظر المتخيل، في استنطاق الرؤية الإبداعية، والذائقة الفنية، والوعي الثقافي بضرورة التجاوز والتخطي، و الانعتاق في هالة الوجود لإثارة الموجودات، وتحريكها في غير مجالها، لكن دون المساس بجوهرها.