أخبار فنية

الحضور الإبداعي للكتابة عن المسرح/ ج1

الحضور الإبداعي للكتابة عن المسرح/ ج1

1818 مشاهدة

الحضور الإبداعي للكتابة عن المسرح/ ج1

 

الكاتب د/ فاضل سوداني (كوبنهاكن)

 (قراءة في أسطورة الأصل ومساحات الصمت)

بعد نشر كتابه الأول (ما   بعد برشت ) درس الدكتور خالد الأمين الأستاذ في جامعة تطوان في المغرب، الجذور الحقيقة والمؤثرة للمتخيل المسرحي في كتابين صدرا بالعربية وهما (الفن المسرحي وأسطورة الأصل) و(مساحات الصمت ـ غواية المابينية في المتخيل المسرحي ). ولأهميتهما سأحاول أن اقرأ أفكار الباحث  التي لابد أن تخلق وعيا متطورا في المسرح العربي عموما لأنها  تتناول أهم مشاكل المسرح العربي والعالمي  بوعي شمولي.

فهو دائما يخرج في بحوثه ـ سواء في تحليله أو ربطه للظواهر الثقافية والمسرحية فيما بينهما ـ  من دائرة الانطباع الساذج عن العمل الفني (كما اعتاد الكثير من النقاد والباحثين )، إلى التحليل الأكاديمي للظاهرة مما يؤدي إلى اعتبار النقد أو البحث  نصا إبداعيا وليس شرحا يرتكز على الأفكار المتكررة.

وبالرغم من أن ثقافة د. خالد الأمين  انجلوسكسونية ، إلا انه كباحث يتميز أيضا بموقفه الانتقائي وحساسيته النقدية المؤثرة ذات البعد الشمولي في التحليل لأنه يمتهن نقدا مغايرا على مستوى الكتابة عن المسرح من منطلق الوعي التنظيري البنائي الذي يتمثل كما يقول د. حسن المنيعي في مقدمته (بتحقيق جدلية بين المادة المدروسة  والبعد الحضاري والتاريخي والسياسي ).

ومن خلال الاختيار المنهجي الواضح الملامح، عالج  الباحث  قضايا فنية جوهرية توزعت على الجوانب المهمة التالية:

ـ بحوث تتناول هيمنة مركزية الغرب على الثقافة الفنية، وتحديد الهوية الثقافية، والعلاقة بين الهوية والغيرية أي الآنا بالآخر،

في محاولة للخروج من هذه الهيمنة.

ـ إضافة إلى انه تناول إشكالية مهمة في المسرح العربي وهي علاقته بالمركزية الغربية مما يدفعنا للتشكيك بجميع المفاهيم

والأسس التي بني عليه المسرح العربي.  ولأجل تحقيق هذا يعمد  الباحث إلى تحليل ارتكازات النظريات التي تعتمد على

أسطورة الأصل .

ـ وكذلك  بحوث أخرى تعالج جنيالوجيا مفهوم التمثيل اعتمادا على أرسطو، ومن هذا المنطلق فان الباحث عالج التمثيل

باعتباره حضورا وأسطورة للأصل مما أدى به أن يتعمق بجينالوجيا مفهوم التمثيل منذ أرسطو حتى الوقت الحاضر ومن ثم

كيفية تجاوز النموذج المسرحي المطلق على اعتبار أن المسرح الأرسطي هو ليس المسرح الوحيد، و أيضا من خلال ذلك

التلاحم الحذر(خوفا من عدم التهميش الإبداعي والتجريبي)  بين اكتشافات الغرب المسرحية وبين أسس الفرجة في الثقافة

الشرقية التي مازالت تمتلك حيويتها في الثقافة الشعبية.

والباحث في هذا الصدد  يدعو إلى فضاءات الهجنة باعتبارها فرجة وحلقة  يمكن للمشاهد المغربي والعربي أن يجلس فيها ليمارس طقوس الفرجة مع ممثليه، وإثارة الأسئلة الجوهرية التي تحدد وتؤثر على مستقبل المسرح المغربي ـ العربي ملتحما مع  انجازات المسرح الغربي.

وقد  تناول الباحث  قضيتين غاية في  الأهمية هما:

ـ  الفرجة بين المسرح ـوالأنثربولوجيا

ـ والمسرح والصورة الفوتغرافية  .

مع التأكيد على أن المسرح هو تاريخ العرض المسرحي وليس تاريخ تطور النص المسرحي.

 

يتميز المسرح عادة بالعرض الدائم  من خلال الزمن الاحتفالي، فالخاصية الرئيسية في مثل هذا الاحتفال وكل احتفال تكمن  بتكرار إيقاعي خاص " يسمو فوق صيرورة الزمان "وكأنه الإيقاع الكوني (ففي الزمان الاحتفالي ما يعود هو اللحظة المتسامية ) وهذا هو الجوهر، فالمسرح هو إعادة اللحظات المتسامية في الحدث والزمان والتاريخ والأسطورة والذات المتعددة في الذات الواحدة أو تلك التي هي دائما  متعددة  في لاوعيها.

فالباحث في كتابه  ( الفن المسرحي وأسطورة الأصل ) ربط المسرح بجذوره الفلسفية مما يمنح التمثيل بعدا  لا يكمن في المحاكاة التي تبدو وكأنها تقليدا للحقيقة و إنما هي اكتشاف حقيقة جديدة، وبهذا فان المؤلف استند إلى أكثر النظريات المعاصرة تقبلا وتأثيرا في الفكر الإنساني المعاصر.

إن موسوعية فكر الباحث  تجعله يعتمد مفاهيم فلسفية وجمالية معاصرة و مرجعيات لها علاقة بفلسفة الاختلاف والتفكيك والتحليل النفسي. وحتى يستطيع الباحث أن يبرر منهجه الفكري وأن يزرع بذرة الشك في المفاهيم الساكنة في معاصرتنا، فانه كشف ومنذ البداية عن جوهر حقيقي للمسرح استنادا على أرسطو الذي يعتبر المحاكاة متجذرة بعمق في المعرفة الإنسانية، وهذا يؤكد غريزة الذات في الإبداع، وان تعميق وغنى دلائل الأشكال وتأويلها يجذر ويوسع  أفق الخيال البشري . بعكس أفلاطون الذي يحط من شان الكتابة والتشكيل والشعر ويدعوها( بالمحاكاة الزائفة والمشوهة للحقيقة). إذن الكتابة أصبحت تمثيلا للكلام  والفن أصبح تمثيلا للحقيقة.

إن الشرخ الذي كشفه أفلاطون يكمن في كون  المحاكاة تشكل خطرا على الحقيقة بل خطرا على النظام بمعنى أن الفنان المحاكي يخلخل ( بنية  السلطة التراتيبية ) التي تستند على بنية المدينة، ولهذا اعتبر التمثيل من وجهة نظر أفلاطون فعلا يشكل خطورة على النظام الرمزي والمادي وسيادة المدينة بمفهومها الإغريقي القديم. وبالتأكيد فإن أفكار أرسطو وأفلاطون أصبح لها بعد ذلك تأثيرها الكبير على المذهب الكلاسيكي و الطبيعي والكلاسيكية الجديدة، لكن نيتشه وماركس وفرويد فرضوا مبدأ الشك في كل شيء.

ويواصل د. خالد تفكيك مفاهيم ومقولات أرسطو وأفلاطون وحتى دريدا بعد ذلك، فيما يخص المحاكاة والتمثيل باعتباره فعلا  للحضور وكذلك الحقيقة وتشبيه الحقيقة  ليخلص إلى تأكيد  كون ( المحاكاة هي ظلا  للأشباح مثل تلك الصور المنظورة في العتمة على جدار الكهف ) بالرغم من دفاع  أرسطو عن المحاكاة باعتبارها طاقة متجذرة في الطبيعة، وإعادة تملكها من لدن الطبيعة الإنسانية يكشف الشرخ الحاصل بين الممثل (بفتح الثاء ) والممثل (بكسرها ) بما هما عالمان متميزان).

 

وبما أن الهدف هو البحث  في جينالوجيا  التمثيل، فان المؤلف استنادا إلى مفاهيم معاصرة استطاع أن يكشف  تلك الثوابت التي أكدت المركزية الغربية من خلال تشخيص مكانة التمثيل في علم الجمال الغربي باعتباره محاكاة وتقليد، وبالتأكيد  ومن اجل رفض هذه الثوابت المركزية  يحتاج الأمر إلى فضاء جديد يتحرك فيه المسرح  اعتمادا على أن فنان المحاكاة لا يقلد المخلوقات والأشياء والطبيعة وإنما يعيد خلقها وإنتاجها، وهذا حتم أولا التخلص من ( التصور المحاكاتي  والجماليات الأرسطية)  كما  دعي لهذا أنتونين ارتو الذي أكد على اعتبار أن التمثيل هو إنتاجية والنص الدرامي والعرض باعتبارهما لغة خاصة مستقلة عن الكتابة الأدبية ، وهذا يحتم  إنتاجا لفضاء إبداعي أكثر منه تكرارا لحضور فعل واقعي، على اعتبار أن المسرح هو الحياة بذاتها لأنها

لا يمكن أن تمثل، بل أحيانا أن المسرح أكثر مصداقية من الحياة، لذا فان المسرح لا يتبع الواقع أو المخطوط الأدبي المنقول عن الواقع.

إن هاجس د. خالد الحقيقي في بحوثه هو التأكيد على أن الفرجة هي ذات بعد إبداعي أيضا و ترتبط  بانثربولوجيا غنية ومعبرة كما في موضوعة ( الفرجة والانثربولوجيا )، وكذلك البحث  عن آفاق جديدة لمستقبل المسرح  عندما يكتب عن المسرح والصورة الفوتغرافية التي طرحهما في  كتابه ( مساحات الصمت ـ غواية المابينية في المتخيل المسرحي ). ولأهميتهما  سأحاول أن القي الضوء عليهما تفصيليا.

 

 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية