قالت الصحف

الدكتور أحمد برقاوي .. أبطال منسيون

الدكتور أحمد برقاوي .. أبطال منسيون

1724 مشاهدة

 

أبطال  منسيون

معاً على الطريق 

الثورة : 14104
الثلاثاء 29-12-2009
د. أحمد برقاوي

حين كنت أحضّر الدكتوراه في جامعة  "ليننغراد - سان بطرس بورغ"  تعرضت لأحداث كثيرة تستحق الكتابة، أحدها أني كنت راكباً الباص واقفاً حين تقدمت  مني فتاة تسألني:

عفواً :  من أي البلدان  أنت؟

وكان بقربي رجل مسن. فانتفض منزعجاً منها وقال لها بلهجة حادة: «من أعطاك الحق  أن تسأليه من أين، إنه في بلادنا الآن، ولا فرق بيننا وبينه»، أجابتهم الفتاة بكل  تهذيب: «أنا لم أقصد الإساءة، أريد التعرف إليه فقط، وليس من حقك أن تنهرني».

فأجابها بعصبية: «اسمعي أنت تتحدثين مع محاصر» ويقصد أنه من شهد حصار "ليننغراد"  سنوات الحرب العالمية الثانية. فما كان من الفتاة إلا أن اعتذرت منه وصمتت.‏

تذكرت هذه  الواقعة حين فكرت بالكتابة عن لقاء حميم جمعني مع خمسة من الأسرى المحررين. أسرى  كانوا في سجون العدو العنصري النازي الصهيوني.‏

رجل شهد الحصار  في "ليننغراد" دون أن يكون مختاراً لذلك، لكن المجتمع ينظر إليه بكل تقدير وله  امتيازات تقدمها له الدولة "السوفييتية" لا تتوافر لباقي المواطنين.‏

فكيف لأسرى  قرروا عن سابق تصميم وبإصرار أن يقاتلوا العدو، ودفعوا ثمن ذلك سنوات طويلة من  عمرهم في أسر عدو استيطاني - إجلائي - عنصري - نازي صهيوني.‏

خمسة من الأسرى : من بلاد الشام التي قسمها الاستعماران "الفرنسي والبريطاني". خمسة من الأسرى لا علاقة  لهم بالتقسيم أبداً. جمعهم يوماً معسكر الأسر وكانوا براعم أصغرهم كان في السادسة  عشرة وأكبرهم في الثمانية عشرة. قضوا أقل من عقدين بقليل في معسكرات الأسر  الصهيونية النازية.‏

مدحت صالح، خالد  شحادة، ياسر المؤذن، أنور ياسين، علي محمد.‏

إنها من المرات  القليلة التي أجلس فيها مقلاً في الكلام سعيداً بالاستماع وطرح الأسئلة لأعرف.‏

تحس وأنت تستمع  إليهم أنك أمام متخصصين بشؤون العدو، يفكرون بمصير الأوطان وحاضرها بلا أوهام . تواضع جم وكبرياء غير زائف وعقل طليق وضحك من القلب.‏

يفهمون عدوهم  فهماً عميقاً، يفهمون واقعهم دون إيديولوجيا، زاهدين في الحياة اليومية، مازالوا  منتمين إلى القضية التي كافحوا من أجلها.‏

حدثوا عن أساليب  العدو القهرية وعن قدرتهم على معرفة هذه الأساليب، حدثوا عن صبرهم وتجربتهم في  المعرفة والتعلم من العلاقات الحميمة التي قامت بين الأسرى.‏

تحدثوا عن خيبة  أملهم من بعض من هم في قمة المسؤولية في التنظيمات "الفلسطينية". وأكثر ما أحزنني قصة  صديقهم الذي كان يعاني من مرض الفشل الكلوي نتيجة السجن. حيث ذهبوا إلى أحد الأمناء  العامين يسألونه مساعدة له لإتمام العلاج، وهذا الأمين جداً معروف بثرائه، فأجابهم : «أتدرون، منذ الصباح وأنا أتشاجر مع زوجتي حول طعام الغداء لأننا لا نملك ثمنه».‏

وقد أجابه  أحدهم: «لو أن سيارتك قد توقفت يوماً واحداً عن السير مع سيارات المسؤولين في  التنظيم لكان المبلغ المتوافر من مصروف الوقود كافياً للعلاج»، مات الأسير ولم يسعفه  أحد.‏

أُسروا شباباً  في عمر الربيع، ألا يحق لهؤلاء أن يعيشوا دون أن يسألوا عن الحياة اليومية.‏

لماذا لا نعطيهم  حتى دون أن يعملوا أي عمل، ألا يكفي عقدان من الزمن قضوا فيها وراء القضبان  والتعذيب والإهانات.‏

كم سيكون أمراً  عظيماً، لو أن هناك جمعية عابرة لحدود بلاد الشام. تسمى جمعية أسرى بلاد الشام  تُعنى بشؤون الأسرى وأولادهم ومصيرهم وحياتهم اليومية، مدعومة من قبل كل المؤسسات،  حكومية أو مدنية.‏

محاصر في   "ليننغراد" له من الحقوق ما هو أكثر من حقوق المواطن العادي، وأسير في الشرق يبحث عن  ثمن دواء .. أي انحطاط أخلاقي هذا؟.‏

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية