الاختباء خلف الحكمة
الثورة : 14093
ولم تشهد الحكمة تزييفاً وفقداناً لمعانيها الجليلة في تاريخ البشرية كما تشهده في السلوك السياسي للأنظمة العربية ، سواء كان سلوكا سياسياً خارجياً أم سلوكاً سياسياً داخلياً.
تأمل أيها القارئ العزيز الحكمة العربية التي تتمخض عن اجتماع حكماء العرب في مؤتمرات القمم.
يقدم الحكماء العرب لعدوك القومي - أيها القارئ - مشروع سلام مفاده: نحن نعترف بوجودك رسمياً وبحقك في احتلال الجزء الأكبر من فلسطين لكن نرجوك أن تنسحب من الأرض التي قمت باحتلالها عام 1967، وتوافق على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها الجزء الشرقي من القدس.
يقول لهم عدوك - أيها القارئ - لا أقبل بهذا فيجيبونه حسناً : لا تقبل ، شكراً لك.
لكن الحكمة تقتضي أمراً آخر مرتبطاً بالحقيقة ، فحقيقة «إسرائيل» أنها كيان عنصري استعماري استيطاني إجلائي غاصب، الحكمة المترتبة على حقيقة كهذه : يجب إزالة اسرائيل بالقوة وبالقوة فقط.
لكن الضعفاء يتوارون خلف الحكمة الزائفة ، بل خلف اللاحكمة أرأيت حكماء يودعون عدوهم غير حكمائنا.
حسنٌ دعنا نعتبر أن المشروع العربي «للسلام» وهو مشروع استسلام ليس إلا - مشروع تفوح منه رائحة الحكمة.
فما السبيل الى تحقيقه وفرضه وقد رفضه عدونا؟ ألا يحتاج هذا المشروع الاستسلامي إلى قوة تفرضه؟ ولكن روح الاستسلام التي انتجت المشروع لن تفكر إلا بالاستسلام فقط . وليست القوة معنى من معاني الحكمة لديهم.
والوداعة واللطف مع العدو الغاصب يقابله شدة وقهر واستبداد في سياسة بعض حكمائنا في الداخل، سجون وتعذيب وقتل وتهجير وطرد وكل ماعرفته البشرية من أشكال القهر حاضر في سياسة «حكمائنا الحاكمين».
ومع أن الحكمة تقتضي أن يكون العكس ، وداعة وحباً ولطفاً مع ابناء الوطن ، وقوة وقتالاً مع العدو.
أرأيت أيها القارئ العزيز مصير الحكمة في سياسة «حكماء العصر والأوان».
والحق ليس من الغرابة أن يكون الأمر على هذا النحو، فالتحليل يقودنا إلى حقيقة لا لبس فيها ألا وهي: أن بنية تفكير بعض حكمائنا وطبيعتهم شبيهة شبهاً مطلقاً ببنية تفكير عدونا وطبيعته إذ إن فيهما صفة مشتركة : كلاهما محتل ، وبالتالي كلاهما يمتلك عقلية المحتل.
والحكمة كل الحكمة في زوال الاحتلال أياً كان شكله ومضمونه داخلياً كان أم خارجياً.
التعليقات