مواضيع للحوار

الدكتور جبار خماط يكتب  سيبرنطيقا التمثيل المسرحي

الدكتور جبار خماط يكتب سيبرنطيقا التمثيل المسرحي

434 مشاهدة

الدكتور جبار خماط يكتب  سيبرنطيقا التمثيل المسرحي

 

د. جبار خماط*

أكاديمي ومخرج عراقي

المصدر: المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

 

لا يؤكد النشاط التمثيلي وظيفته الإنتاجية من خلال وجود الممثل بذاته فقط، بل من أهمية خلق العلاقة او الفعل الذي هو اتصال بالكثير الخارجي على الخشبة، والاتصال التمثيلي لدى الممثلين، لا يعمل بشكل اعتباطي وغير مدروس، بل إن عمليات الضبط المستمرة للأداء التمثيلي، هي التي تجعل عمليات إنتاج الفعل وأهدافه وتسويغه، بوساطة الصوت والحركة والإيماءة المستقرة وفاعلة .

إن تناول فن التمثيل، بحسب المنهج السيبرنطيقي، تعد مدخلا جديدا يحاول فتح مغالق فن التمثيل والسيطرة على عملياته الداخلية، للوصول إلى الفائدة العملية للممثل في السيطرة والتوازن وخلق الإحساس بالتبادل الإرسال الفعلي مع الممثل الآخر ( التغذية المرتدة ) إن التمثيل عملية أدائية متحركة وليس على اساس مفاهيمه المجردة.

ثمة مشكلة أساسية وجوهرية في فن التمثيل، تتعلق بعدم قابلية الممثلين على ضبط نشاطهم الاتصالي، داخل الموقف التمثيلي وعدم استقرارهم على العمل والبث الإرسالي، مما يؤدي إلى ارتباك الأداء التمثيلي، فالتمثيل، يعد عملية ادائية متحركة تقوم على مبدأ الصراع الداخلي بين الشخصيات من خلال تصادم القيم والمعايير التي تأخذ في تأثيرها على الممثلين، طابعا سلوكيا يختلف باختلاف الشخصية الدرامية. فالدور او الوظيفة التي يسعى إليها الممثل، تتلخص بإنتاج الملائمة مع الأنموذج الدرامي للشخصية في النص. ولهذا يمكن أن ننطلق من فرضية مركزية، تشير إلى أن التمثيل فعل اتصالي ينضبط سيبرنطيقيا على الخشبة، ولكي نقترب من طبيعة ومفهوم السيبرنطيفا، وآلية الفعل الإرسال، ومهمات وعناصر ومبادئ وشبكات الاتصال ومفهوم التغذية المرتدة _ التي هي أساس الاتصال الفعال – وعلاقتها بالسيبرنطيقا، والتعرف على مجالات استخدامات هذا العلم المعاصر .

إن تناول الوظيفة الاتصالية للتمثيل عبر العصور، من خلال تناول العمليات الاتصالية التمثيلية في المسرح الإغريقي والروماني، والشرقي ( الصيني والياباني) والكوميديا دي لارتا، والمسرح الحديث والمعاصر، يحقق لنا فهما عمليا لفن التمثيل، من خلال الآتي:

1- التمثيل فعل اتصالي

2- التمثيل عملية سيبرنطيقيا

يقول (( نوبرت فينر)) في كتابه ( السيبرنتيك ، ص 222 ) مفسرا، الضبط الاتصالي في حلبة النحل، بأنه مجموع النسيج العصبي لعدة أفراد من النحل، ولهذا يمكن تقريب هذا الكلام من عملية التمثيل المسرحي، بان اتصال الممثلين بعضهم مع البعض الآخر، ومع البيئة المسرحية التي يتواجدون فيها، تؤثر على حركة وبناء والنظام المسرحي والمعالجة الادائية بأكملها.

ولأن نظرية الاتصال، تمتلك حضورا مباشرا في العلوم، سواء أكانت إنسانية او صناعية أو هندسية تقوم على أساس نقل المعلومات وتبادلها بين فرد واخر، فهل يكون مناسبا تفسير الأداء التمثيلي على إنه فعل اتصالي تراسلي بين الممثل والآخرين والمحيط على حد سواء؟

يلاحظ أن مبدأ او فكرة الاتصال التمثيلي بدأت مع اضافة(( اسخيلوس)) للممثل الثاني بعد أن كان فردا، يتجول في الأسواق يسرد للناس حكايات الابطال ومواقفهم، مثل ما كان لدى ثيسبس، لكن مع اضافة اسخيلوس، تمت الانتقالية او التطور من السرد( الملحمة) الى التمثيل / الدراما( ادريس نيكول، فن المسرحية ، ج 1، ص ٩) وهكذا ظهر فن التمثيل وتطورت عملياته الداخلية، باختلاف وتبدل الأساليب، وطرائق المعالجة المسرحية، ولكن ظاهرة الاتصال التمثيلي لم تكتمل بسبب وجود ظاهرة ( الممثل النجم) الذي كان مسؤولا مباشرا على العملية التمثيلية بأكملها، بغض النظر عن نشاط بقية العناصر المسرحية من ممثلين وأدوات وتقنيات مسرحية على الخشبة .

يذكر لنا (( سعد اردش)) مفهوم الممثل النجم، كان سائدا في الفترة الذهبية الكلاسيكية الجديدة، والذي يدعو إلى وجود ممثل مركزي، تكون جميع الشخصيات الأخرى، والأدوات المسرحية على خشبة المسرح، عناصر ثانوية ، تساعده على إبراز مهاراته الادائية وجعل تمثيله خطابا صوتيا موجها الى المتلقي( المخرج في المسرح المعاصر، ص 39)

ولم تبرز ظاهرة الاتصال التمثيلي ( Ensamble acting) إلا في العصر الحديث، حيث تبلورت لدى فرقة ( (جورج الثاني )) وانتشرت بعد ذلك في أوربا وبقية أنحاء العالم .

إن الممثل على الخشبة لا يخلق الشخصية الدرامية فحسب، وإنما يساعد على خلق الشخصيات الأخرى، إذ أن الممثل على خشبة المسرح – كما في الحياة - يتواصل ويتفاعل بفعل متداخل مع أفعال الأخرين ومع المحيط الشامل لقضاء المسرح، وبحسب هذه العملية فإن الفعل الاتصالي للممثل، يعد ظاهرة إنتاجية للنظام التمثيلي، بشرط تعرف الممثل على جميع العناصر البشرية والمادية داخل النظام التمثيلي، وإذا عددنا هذه العناصر عاملة في ظرف وسلوك اتصالي معين، عندها يكون من الواجب، إنتاج أدوات ضابطة، وموجهة ومراقبة للنشاط الاتصالي داخل النظام التمثيلي، وعلم ( السيبرنطيقا) سوف يكون الجهاز الإداري والسلوكي والتقني المناسب للتحكم وضبط عمل وسلوك الاتصال التمثيلي.

من خلال الآتي

1- توجيه السلوك التمثيلي نحو هدف ما .

2- حدوث السلوك التمثيلي في موقف مسرحي ما .

3- يكون السلوك التمثيلي منتظما معياريا، كما أنه يتضمن بذل طاقة وجهد في العمل أو الفاعلية الادائية على خشبة المسرح.

ان السيبرنطيفا تنظر إلى الأداء التمثيلي بوصفه فعلا اجتماعيا له محددات او عناصر ضبطية وهي كالآتي:

1- القيم: وهي الأهداف العامة والشاملة التي تساعد على توجيه السلوك الاجتماعي للأداء التمثيلي .

2- المعايير : وهي الضوابط او القواعد المحددة للسلوك التمثيلي، والتي تكون أنموذجا رئيسا، يتحكم في أساليب الوصول الى الأهداف( القيم )

3- الأدوار الادائية : أي تحريك الطاقة الفردية الادائية للممثل، للوصول إلى الأداء الفاعل بإطار معياري ( مسرحي)، فإذا ما حسبنا، الممثل فاعل ادائيا ، فلابد أن نسأل عن كيفية عمل الممثل. وإذا انتقل عمل الممثل داخل النسق الاجتماعي ( المسرحي) فإننا نتساءل، عن كيفية تنظيم الممثل لدوره داخل النسق المسرحي .

4- الممكنات الموقفية: وهي تساعد الممثل الفاعل أدائيا، على اتخاذ وسائل يتعامل بوساطتها مع المحيط المسرحي البصري والسمعي والحركي. وكما هو مبين – في الجدول المذكور أدناه- التأثير من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس