مواضيع للحوار

الدكتور محمد سيف يكتب عن يوم المسرح العالمي

الدكتور محمد سيف يكتب عن يوم المسرح العالمي

487 مشاهدة

#مجلة المشهد المسرحي

الدكتور محمد سيف يكتب عن يوم المسرح العالمي

* كل عام والمسرح بخير

* #كتابة _الدكتور _محمد _سيف/باريس

 

#إن فكرة الاحتفال بيوم المسرح العالمي، تعني أولا وقبل كل شيء، الاحتفال بمنجز المسرح، وعندما فكرت في وضع بعض الكلمات على الورق، حول هذه المناسبة، قفزت الى ذهني صورة المسارح المغلقة، والخشبات الخالية من الممثلين، والقاعات الفارغة من الجمهور الذي تتحول حشوده فيها إلى شخص واحد، توقفت، وحرت، ووضعت القلم جانبا، وتساءلت كيف يمكن أن اتحدت عن يوم المسرح العالمي في ظل هذا الوقت الذي أصبح فيه غلق المسارح واجب، وعدم تجمهر الجمهور ضرورة، والكلام مع الآخر مباشرة ممنوع، أو من خلال قناع طبي واقي وليس مسرحي؟ كيف يمكن ان نطيع كل هذا ونحن نعرف أن المسرح تواصل وعلاقات حميمية، وتبادل في الأمكنة، والمعرفة والثقافة ولحظات تؤرخ للانعتاق من الرعب الذي يحاصرنا من كل الجهات؟ لا أخفيكم السر، إن الأمر محير وشائك، ويدعو الى التفكير! ولكن كيف؟!

لقد كان المسرح منذ بدايته في اليونان القديمة والشعوب البدائية الأولى حتى يومنا هذا مكان للقاء، وفضاء يتقاسم الناس فيه الحوار، ويشاهدون صور حياتهم المنعكسة فيه، من خلال مراياه المتشظية العابرة، وصوت الممثل القادر على توحيد الجسم بالعقل، والمجرد بالملموس، والإنسان بالعالم.

إن ما يحدث اليوم لعالمنا، يلقي بنا مباشرة في أطروحات أرتو ومقارنته للمسرح بتجربة الطاعون والآثار التي يخلفها المرض على الجسد، وفي جميع السياقات الاجتماعية. ولكن المسرح ليس بخطر مثل الطاعون كما يعتقد القديس أوغسطين، ويكمن الفرق بينهما، أن الطاعون يقتل دون أن يقضي على الأعضاء، في حين أن المسرح لا يقتل، ولكنه يثير أكثر التغييرات غموضا، لا في فكر الفرد، بل في فكر شعب بأكمله. صحيح أن الهذيان الأخلاقي الذي ينتجه المسرح يمكن أن يكون هو أيضا معديا، لأنه يكشف من خلال تطرفه العنيف عن عمق اللاشعور الفردي والجماعي المليء بالقسوة. ولكن، مع ذلك يبقى المسرح نافعا، مثلما يقول أرتو، (إذ يدفع البشر إلى أن يروا أنفسهم كما هم، وهكذا يسقط القناع، ويُكشف الكذب، والنذالة والنفاق. إنه يكشف للجماعات عن سلطانهم القاتم، وقوتها الخفية، ويدعوها إلى أن تتخذ، أمام القدر، موقفا بطوليا ساميا). وهذا ما نحتاج إليه اليوم اكثر من أي وقت مضى، حسبما أعتقد، أن ننظر إلى المسرح والعالم من وجهة نظر إنسانية، متفائلة حتى وإن كانت نسبية، بعض الشيء. وإذا كان المسرح اليوم مهدداً بالموت، شأنه شأن الحياة، مثلما يقول جان كوكتو مع تغير طفيف في صيغته، فلنصرخ معاً وبصوت عالٍ: عاش المسرح! وليسقط الوباء! فالمسرح إرادة ودراما جذورها الحرية، وتقاسم الأمل، إنه يجمع البشر من خلال الضحك والبكاء والدموع. ولهذا، أقول، علينا ان نحتفل، كل حسب طريقته، ومن خلال عزلته، وألا نستسلم للكارثة التي حرمتنا اليوم من بهجة الاحتفال. نعم، ان نحتفل، ثم نحتفل، ثم نحتفل، حتى لا تقتلنا الكآبة، وتتحول إلى كابوس، وتنتصر علينا الوباءات.

وكل عام انتم والمسرح بألف خير.