دراسات أدبية

الدكتورة زينب لوت   التّنظــــــــــــــيم في أفــــــق الفــــوضى والانسجام مـــع فرضية العبث

الدكتورة زينب لوت التّنظــــــــــــــيم في أفــــــق الفــــوضى والانسجام مـــع فرضية العبث

523 مشاهدة

الدكتورة زينب لوت   التّنظــــــــــــــيم في أفــــــق الفــــوضى والانسجام مـــع فرضية العبث

 في ديوان ( يقف #وحيدا كشجرتين) للشاعر(#عامر الطيّب)

#الدكتورة _زينب _لوت _الجزائر.

#لابد من إعادة النظر في الشعر المعاصر، بوضعيات أخرى تتناسب وأفق تصور فكري متجدد، وهذا ما يدعونا لفهم منظور القارئ في عصره الراهن أثناء  التّلقي، إشكالية النص هي مشكل فهم القارئ ونظرته الجمالية للجمال ذاته، فلا يمكن للرائع أن يبقي على روعته في سياق زمني دون أن تتهشم مركزية البناء ، ما يدعونا لتجاوز ظاهرة الأناقة مع ظاهرية الكائن من زمن لآخر.

نجد في ديوان( يقف وحيدا كشجرتين) القريب من المونولوج الباطني بين ذوات تتركب في سؤال الذاكرة أو ذاكرة التساؤل بفرض منطق التَّعايش بينهما مجال الحيرة أو انفتاح حيرة المجال الإنساني في فلك وجوده، دوران في نقطة الوقوف بين أشياء كثيرة وأنظمة متعددة ترتبط بوحدة التساؤل المستمر العابث في فوضى خلاقة لعبقرية التشظي وسط هوس البنية الفكرية للمجتمع في شخصياته التاريخية الرمزية والواقعية ليختزل الفكرة الجمالية بقوله:

"أفرغ وأعود هشاً"  

1-    أدبية الفوضى في شعر (عامر الطيّب):

يتخذ الشاعر (عامر الطيّب) في ديوانه (يقف وحيداً كشجرتين) من الكلمات لعبة المعنى الخطير في قص الدلالات وإعادة إلصاقها، تنزيل رغبة التأويل أو تأويل الرغبة هي الجدلية نفسها التي أضحت نصب اهتمام القارئ المعاصر في بحثه عن الجدل الفني في النص  يمارس المحكي طريقته في اتخاذ زاوية الحكي الشِّعري التأملي في عالم صاخب يزداد الزمن رخاوة والمكان انسيابية وراحة في تأثيث الموسيقى وإحداث التغيير الذي يسمح في إجلاء الواقع واكتساب موقع للرؤية كما يأتي ذلك مترهلا ومشدودا في تبئير داخلي وخارجي تاريخي وتأريخي يتجلى القدم ببريق الحديث في قوله:

"النَص القديم موجود هنا في زاوية من زوايا غرفتك

أو في كتاب على الرّف

بينما تغرق نساء كلود مونيو بخدر لا متناه

أحسب أفَ لديَ ولعي الَذي أحافظ عليه

ناسيا أنها مأساة شائعة"  لنجد الشاعر يكتب عن أدب المأساة أو عن مأساة الأدب حين يصرح في إهدائه قوله:

"إلى كل الشعراء الذين ماتوا ...

ولم يعرفهم أحد..."

تتأمل حاجته لإزالة رتابة الكون وإحداث التغير نحو ما هو خلق انسجة للنص تحاكي الواقعية المجردة والفائقة في التقارب بين شيئين ثمّ الانفلات نحو الجاذبية المتوارية بينهما على نحو ما كتب:

" يا لمهنة بائسة

تدقُ المسامير على الصُور

تسحبُ صورة

يسقط شبح ضاحك وتنكسر أسنانه

وهي تبحث عن وجه لم ترسمه"

القارئ في حالة الفوضى يحاول تحويل الاطار لجهات متعددة أو ربما قلب توازنه بطريقة منعكسة لاستنطاق تأويل يترنح في صنعة الشعر بين (المهنة البائسة) و(المسامير) لغة الصور تنثر تفاصيل (شبح ضاحك) الذي يسقط (تنكسر أسنانه) ثم العودة للبحث عن وجه (لم ترمسه) التّوظيف التّخييلي للممكنات في مجازها المفروض أو افتراض عالم مجازي يؤدي أنظمة في بعثرة الأشياء وإعادة تشكيلها بكل تناقضاتها، لكن سحر اللّغة الممكنة تمنح هذا البناء "وتنبري اللغة محوراً مؤسساً لهذا البناء الشعري، لفك لوغاريثمات القصيدة ومفرداتها المبنية للمعلوم وللمجهول"  لكنه مجهول يتحول لمعلوم فني يختبر براعة تشكيل المعنى وهسهسة اللغة.

2- انتكاسة الأنا هي ارتجال للمعنى:

النقد لا يمارس سلطته على النص حين تصدر الصورة في النص بلاغتها يرتجل المعنى فيظهر الشاعر في محيط ذاكرة الأشياء والكلمات والمعاني، يستكمل انفتاح

"شاعر و طريقي من الباب إلى سمَاعة التليفون

مطروح في الزنزانة و طريقي من أصابعي إلى فتحة الباب

مقعد في المستشفى و طريقي

من الوردة إلى زوروني في السَنة مرَة

كانت طرقي طويلة

والآف

أحتضر في فراشي"

تلوين الكلمات بالألوان الحارة الصاخبة والباردة المضمرة والمثيرة للدهشة والاغتراب من أجل الانتماء، تتقاسم الألفاظ أدوارها المتقاطعة المتناظرة باختلال توازن الأشياء وتباعدها تتداخل الماهيات في حيز الخواص أو في خاصية الحيز، تنظيم أفق لا متوقع هو نظام الشعر المعاصر

 الشعر محراب الكون واختزال السحر الذاتي للوجود هو انتفاء الخيال في مخملية ترف المعاني وانتقاء الصور وتحريك الانعكاسات والتوافقات معاً

2-    الكتابة وهوية العبث:

حين تكون هواية الفنان هي أداته التي يحسن تركيب مكوناتها، ويصبح المكوّن منزوياً في عالم الرؤية  والإيهام تسقط متاهات الواقع وتترهل المسافة بين الخيال والرسم الجيولوجي للأشياء في حفريات المكان تتجلـــــــــــــــى فضاءات لا يمكن تحديد معناها المجازي في انفصال المبدع عن الوجود الكاَئِن إلى الوجودية الفنية  المكونة بانفعال لا يحدد كيميائية تفاعله لذلك أسمي الشاعرية في النصوص عبثاً لكنه يملك هويته الجمالية  كما في النموذج الآتي:

"أكتب الآن وعندما أسافر إلى جزر بعيدة

إذ يجبرني شيء على الكتابة

شيء قديم و نابت مثل صراخ امرأة حبلى " !

من صعوبة ممارسة كتابة النص الأدبي تنتج صعوبة فهرسة الانسان من جديد أو تجديد انسانيته مع الفن "ليست الكتابة إلا كشف ألغام

لم لا يقول أحد منكم

هنيئا لأني لم أمت إلى الآن !"  هذا الانسلاخ الدائم أو النهائي، الانفصال والتورط في عبثية مقصودة سماها النقاد مقصدية النص وفي أحيانا أخرى مقصدية الكاتب لكنها في الأخير قصد للتّواجد الفني، يلازم الشاعر(عامر الطيب) الكتابة بالألغام، مرحلة من المغامرة والاشتغال في حالات فوضى لا متناهية تنتهي حين تُدرك بدايتها(لم أمت إلى الآن) فالموت والحياة، الصمت والبوح، الوطن الآخر، الكراهية والحب ثنائيات تعيد بأشكال مختلفة ووضعيات مُنزاحة مراتبها في النص الشعري(يقف وحيدا كشجرتين) ليمارس جاذبية التناقض في منحى النماء العبثي وعبث نمو لغة تكشف عبقرية المجاز.

3-    أنظمة العبث:

يتمكن الشاعر(عامر الطيب) من بناء أنظمة خاصة للعبث بين أبعاد المعنى وكينونتها، وحجم الكائن وبعده السيمائي في النص الموالي ارتباط الوردة بمجال شاسع (الصحراء- العطش- الصورة- البركة-الفم-  نجمة...) بلوغ مراتب الأشياء مكمل للمعنى في تراكيبه اللفظية، ترتيب وإزاحة مستمرة بين ثنائيات (اليد/الوردة) ( الصحارى/العطش) (صورة/ البركة) تمكن الأشياء من فقدان خواصها أو تخصيص خاصية أخرى لانشطار الفهم بين مسافة البعد و القرب في النص الشعري الآتي:

"أبعد الأمكنة عن الوردة

يدي..

أقدم الصَّحارى تاريخاً عطشي ..

أبشع اللحظات

صورتي في البركة

وسقوط نجمة بفمي ..

أكثر ما أتمنّاه الآن

لو الحبّ لو اسم الموت"

الشعر لغة تتنامى والزمن، والزمن شعرٌ يداعب الأشياء يلامس حسها أو يشتغل في فضاء خواصها من أجل أنسنة الكائن باختلاف مركزية الشعور(الحزن-الفرح-ماهية الانسان) حيث تتحقق درجة المحاكاة وشكلها، وتندرج لغة النص الشعري المعاصر، يمزج الشاعر(عامر الطيّب) كينونته بفن الشعر فيصفه:

"إنما الشعر احتفاء بالأشياء

أو هو ذلك الحزن القريب

الذي يدفعنا إلى اختًراع سعادات بعيدة"  !

تيمة لفظة (الاختراع) يفتعلُ بدائل كثيرة في الكتابة أو يعرف ماهية النص الشعري، من دوافعه اختراع جسد آخر للكون المعلوم الذي لم يحقق فيه إنسانيته وحسه الوجداني، في سلب الهوية الدائم والوطن والعلاقات البشرية في هشاشتها ومكرها ووهمها لم تعد تؤسس منافذ للحياة والتعايش لذلك يكون النص لغة تزحف للعالم الحقيقي الذي يفرغُ هاجس الفنان نحو وعي التفاصيل واستيلاب الزيف مقاربة السكينة، رغبة الشاعر (عامر الطيّب) تلوين الفراغات وبعثرة الوجود من ماهياته وتعاريفه وايديولوجياته للبحث عن الهشاشة التي تدمر الحياة واللجوء نحو فوضى الكلمات لفك رموز الصوت المتعالي، وترتيب أنظمة الفهم بفتك الجمود وافتراض شجرتين تتجذبان وحدته بين عبثية مكانية وزمانية لذلك يُلجم الشعر فرس الكلمات نحو هودج العالم الذي يراه الشاعر بلا نظام ومن أفق الفوضى ينسجم العبث بالعبث المجازي والتخيلي والصورة الخلاقة للحركة والديمومة.

مراجع المقال:

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين، دار الكتب والوثائق ببغداد، دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر والتوزيع، 2018، ص.07

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.07

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.29

  - أحمد ياسين السليماني، التّجليات الفنية لعلاقة الأنا بالآخر في الشعر العربي المعاصر، دار الزمان للطباعة والنشر، دمشق، سوريا، ط/1، 2009،  ص.134

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.08

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.13

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.14

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص. 19

  - عامر الطيّب، ديوان يقف وحيدا كشجرتين ص.117