أخبار أدبية

الذكرى الثامنة عشر لرحيل الدكتور مصطفى الحدري

الذكرى الثامنة عشر لرحيل الدكتور مصطفى الحدري

2172 مشاهدة

وفاته كانت في 27/ 5 / 1994

 " ولد الشاعر الدكتور مصطفى بن محمد حدري حَبَط في 5 /2/ 1945 في حي شعبي من أحياء مدينة حماة، لأسرة فقيرة، وكان والده يعمل في صناعة العُقل (البرمان)، وكان الطفل مضطراً للعمل لمساعدة أسرته، فعمل في بيع المثلجات المحمولة، واقتنت الأسرة بقرة فكان يبيع حليبها، ورغم شظف العيش استطاع أن يتابع دراسته.
تأثر الحدري كثيراً بقسوة الحياة التي عاشها، وظهر ذلك جلياً في شعره، ولا سيما فقده شقيقاته الأربع نتيجة الفقر والجهل والمرض (إسعاف وأميمة وفطمة وزهرة) وقد ذكرهن في قصائده.
أتم شاعرنا مراحله المدرسية في مدينة حماة، ونشأ على العموم نشأة دينية عززتها دراسته الإعدادية في المدرسة المحمدية الشرعية.
دخل قسم اللغة العربية في جامعة دمشق عام 1964، وأقام في غرفة بالمجان في جامع الخياطين، وشاءت المصادفة أن تجمعه هناك بالشاعر العراقي الكبير أحمد الصافي النجفي الذي كان يقيم في غرفة مقابلة في الجامع ذاته، فكانت صداقة حميمة جمعت بين مزاجين نادرين، ولا شك أن الصافي قد أثر تأثيراً بالغاً في شخصية الحدري وفلسفته للحياة، وقد كان حصيلة هذا اللقاء بين الشاعرين كتاب أعدّه الحدري من أقوال النجفي وآرائه في الأدب والدين والسياسة سماه (مجالس الصافي النجفي) وهو كتاب هام وطريف نأمل أن تسنح الفرصة قريباً بإعداده للنشر.

حصل الحدري على إجازة في الأدب العربي عام 1968، ويذكر شقيقه الصيدلاني (بدر) أن شاعرنا مرَّ بصدمتين كبيرتين في حياته كانت أولاهما عندما لم يتحقق حلمه بأن يصبح معيداً في الجامعة، أو يوفد للدراسة خارج القطر، والصدمة الثانية هي الفتنة الشعرية التي حاكها بعضهم عام 1972 بقصد الإساءة إليه، وكان لذلك ضجة كبيرة في مدينة حماة، نُعِتَ على أثرها بالكفر والإلحاد، واستبعد إلى دمشق احترازياً.
حاز دبلوم الدراسات العليا عام 1976، وفي عام 1981 حاز على درجة الماجستير بتقدير ممتاز عن رسالته "أبو علي الفارسي وتحقيق مسائله المنثورة" وحاز على درجة الدكتوراه بتقدير امتياز عن أطروحته "ابن سيده في جهوده النحوية والصرفية" وعمل مدرساً في قسم اللغة العربية في جامعة البعث، وفي عام 1992 عمل مدرساً معاراً في جامعة قار يونس في ليبيا حتى وافته المنية باكراً إثر مضاعفات مرض السكري في المشفى العسكري بدمشق بتاريخ 27 /6/ 1994، تاركاً العديد من الآثار المطبوعة والمخطوطة في تحقيق التراث والدراسات اللغوية والعديد من المشاريع التي لم تنجز.
خلّف الدكتور مصطفى الحدري قصائده مخطوطة على عدد من الكراسات –لم ينشر ديواناً في حياته، وأغلب قصائده غير منشورة –وأقدم قصيدة عثرتُ عليها كانت بتاريخ 1963، ومطلعها:
ضميري جد مكتئبِ……..وروحي في يد النَوبِ
وهي قصيدة ساخرة يهجو فيها أحد الموجهين في الثانوية التي كان فيها طالباً، وتبرز في هذه القصيدة الملامح الأولية لشخصية الحدري، هذه الملامح التي تؤكد أن ما سنلمسه في قصائده التالية من سمات ليس طارئاً، وإنما هو أمر متأصل منذ وقت مبكر، ومن هذه السمات السخرية المرّة:
أقالوا عنك ثوري…… لأنك أحمر الذنبِ
والإحساس بأنه مظلوم ظلماً كبيراً، ومن قِبَل الجميع:

فقدامي أبو لهبٍ…..ومن حولي بنو لهبِ

و(أبو لهب) رمز سيتكرر كثيراً في قصائده ليؤكده أنّ ما وقع عليه من ظلم شبيه بالظلم الذي عاناه النبي محمد(r) من مشركي مكة.
وقصائد الحدري جميعها اعتمدت من الناحية الشكلية البحر الخليلي أو التفعيلة، وربما كان الحدري أول من كتب قصيدة التفعيلة في مدينة حماة، وأعني بـ )قصيدة التفعيلة) تلك البنية الجديدة للقصيدة العربية التي لا تقوم بالتأكيد –على مجرد تخريب البيت الخليلي عبر الإخلال بالنظام العددي لتفعيلاته.
في إعدادي لمخطوطة الديوان قمت بمقابلة النُّسخ التي تزيد على أربع في بعض القصائد، وأثبتُّ النسخة التي رجحت أنها الأحدث، وأحياناً الأكمل، وربما قمت بأخذ صيغة بيت من نسخة أخرى رأيت صيغته أجمل، ولكنني في جميع الأحوال أبقيت القصيدة دون أي تصرف مني لتبقى معبرة عن أسلوب صاحبها خير تعبير.
كثير من القصائد جاءت بلا عنوان، فكانت عناوينها المثبتة من وضعي، أما القصائد التي عنونها الشاعر فهي:
أنا القدر– معلم أنا– الرحيل– حزن النواعير – هواي كإيماني – أرتريا –الجلادالعودة (=أعود إليك يا بلدي)– أجيريني – أعود يا حبيبتي – إعدام التاريختهمة – أطفئ المصباح – أنت لي (=ريم) – رسالة (=يا أمي الحنون)– الحقيقةمطية الأحزان– غرّتك نفسك– الآنسة حسن – بحيرة الأحزان – فراشة الليل– أبو الموتى– نهدان – في بصرى (= بائع الأيام) –حارتنا– قصة – الهزار الغريبالشوك– الإخفاق– شكوى – أحرقت قلبي –خطبة – غيداء (=لم لا؟)– رويدكعلامات – عتاب – مصياف – اسقني –الشام – ذابت الروح – سأغني لك يا شرّ.
ورأيت أن ترتب القصائد وفقاً لتاريخ كتابتها، لأنها من جهة أولى ستكون في مجموعة واحدة، ومن جهة ثانية لأن صاحبها قد اعتمد هذا الترتيب في الكراسات التي خطها بيده ". المعلومات هنا من دراسة عن الحدري كتبها الشاعر "رضوان السح" عام 2009

وكتب الشاعر "أحمد بشار بركات" مقالة في صحيفة الفداء بتاريخ / 1-9-2010/ يشير إلى ظاهرة "الشكوى" في شعر المرحوم، ويقد لمقالته بالقول: "وبهذا المقام أريد أن أسجّل نقداً ذاتياً أبدأ به بنفسي ولا أبرّئها أبداً- من حيث التقصير في حقّ مفكّرينا وأدبائنا، فلا نتذكّر أعمالهم الإبداعية، ولا فضائلهم إلا بعد رحيلهم!.‏

وأنا في هذه القراءة القصيرة، سأكتفي بالوقوف عند ظاهرة الشكوى في شعر الدكتور الحدري، ولقد لفت نظري قصائده التي تقطر حرارة وحسرة وأسىً، ففي قصيدته "شكوى" وهي مقطوعة من سبعة أبيات يقول فيها الشاعر:‏

قضّيت عمريَ في العذاب فلا وصالَ ولا سواهْ‏

لم أدرِ مامعنى الحياة، وما المروج وما المياهْ‏

فكأنّما أنا أنّةٌ ثكلى، تردّدها الشفاه‏

لاتسألي عنّي فعمري كلّه آهٍ و... آهْ‏ ".

وكتب عنه الدكتور "موفق السراج" دراسة نشرها على ثلاثة أجزاء في جريدة الفداء بتاريخ /3-9-2008/ قال فيها: "والشاعر مصطفى الحدري يكاد يكون مجهولاً في عالم الشعر ليس بين شعراء القطر فحسب، بل بين شعراء مدينة حماة التي ينتمي إليها، ويعيش في أحضانها، ومايعرف عنه في الوسط الثقافي أنه باحث في علوم اللغة العربية ليس إلا، ولكن وللحقيقة المنصفة أقول: إن مصطفى الحدري- إن لم يكن شاعراً متميزاً- فهو لايقل شأواً عن أي من الشعراء المبرزين في حماة، إذ إنه يملك موقفاً ورؤيا، وهما مع الشعر صنوان متلازمان، وقد قيل لاشعر بلا موقف ورؤيا، ولهذا فإن شعراء كثيرين يولدون من دونهما فيموتون وهم أحياء.. وليس من المبالغة في شيء أن أقول إن شاعرنا يتبدّى، من خلال شعره، أنه شاعر حقيقي لحمته الفقر، وسداه المعاناة، ومآلهما ثورة مزقت صاحبها بين الحلم والواقع ".

إحدى الأشعار النادرة للدكتور المرحوم مصطفى الحدري

 

الإخفاق

 

أنا مخفقٌ في كل شيء مخفقُ

فعلام أنت على مصيري تقلقُ

أغرقت قلبي في الدموع جهالة

والشوق نار في الجوانح تحرق

أنا حين أسلمت الفؤاد إلى الهوى

وكويته بلظى المحبة أحمق

ماذا سأفعل، أو أقول، وهكذا

باب السعادة دون وجهي مغلق

لما أتوني بالكتاب فتحته

والقلب منه خائف متشوق

خفق الفؤاد وقد قرأت سطوره

فغدا كياني مثل قلبي يخفق

أرتجّ من ألم وروحي تزهق

والصدر صار بكل حرف يفأق

إسودّ في عيني الوجود وإنه

صبح بآيات المحبة مُشْرق

صغرتني في عين نفسي فانطفا

مصباح سعدي والدجى بي محدق

أحببتها مثل الصباح طهارة

وكأنها دمعي الذي يترقرق

تختال في روض الشباب كأنها

خمر على شفة الخلود تعتق

وأفقت بعد السكر مقتول الرجا

لأرى الدموع بلا لسان تنطق


حماة 1/5/1970

إعداد كنعان البني

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية