قالت الصحف

السوري الصميم نضال سيجري

السوري الصميم نضال سيجري

2250 مشاهدة

السوري الصميم نضال سيجري

حسن م يوسف

أعترف أنني شعرت بالارتياح عندما علمت أن المبدع نضال سيجري قد اعتذر خلال فترة مرضه السابقة عن استقبال الزوار في البيت، فعيادة مرضى السرطان باتت ترضني وتخيفني، لأن هذا الخبيث سرق مني ثلاثة أصدقاء أعزاء هم: سعد الله ونوس وسعيد حورانية وبرهان بخاري، والحق أن تبرير نضال لعدم استقبال الزوار أرغمني على الضحك: «خشيت أن يصبح عندي عدد كبير من (البيجامات) أو أن يمتص الورد كل الأوكسجين في المنزل».
صحيح أنني ونضال لم نكن يوماً أصدقاء بالمعنى السائد للكلمة، فنحن لم نأكل ولم نشرب ولم نعمل معاً، كما لم نترافق في سفر، رغم هذا أجده مؤتمناً على الجانب الأكثر سورية من روحي، ما يجعلني أفخر بحبي له الذي يزداد عمقاً مع كل دفقة جديدة من ضوء فنه الحقيقي مثله.
التقينا أمام صالة الخير حيث مضينا لتقديم واجب العزاء للصديق الكبير أيمن زيدان لمناسبة رحيل ابنه نوار، كان قلب نضال سيجري ينطلق من عينيه أسرابَ طيور من لطفٍ وضوء. فتح ذراعيه وتعانقنا. ارتطمت أمواج الروح بشواطئ الرؤية وارتعش القلب كعصفور «بلله القطر»، وفي العناق رأيت سعد اللـه عندما رافقته إلى مركز طبي للتصوير الطبقي المحوري. قلت له ونحن نغادر المكان: عندما رأيتك مستلقياً على منضدة جهاز (السكانر) تذكرت قولاً من القرن الرابع الهجري: (ما رزق رجلٌ قط عقلاً إلا واحتسب عليه من رزقه).
في العناق أخفق لساني أن يقول لنضال ما سبق أن قلته لسعد اللـه في سري: (يبدو أن رزقك يا صديقي لم يكف لتسديد حساب عقلك! لذا كان لابد أن تدفع بقية الحساب من صحتك!)
يؤمن نضال سيجري أنه قد انتصر على المرض في جولته السابقة، بحب الناس: «اكتشفت أنه مازال هناك حب لدى الناس يستطيع الإنسان الاعتماد عليه في الأوقات الصعبة».
وقد حدثني ممرضٌ جمعتني المصادفة به، يعمل في المشفى البيروتي الذي تلقى نضال العلاج فيه، كيف أن ابتسامة نضال كانت تنعش جميع من في المشفى، وقد شبَّهه بالوردة البلدية التي تترك خلفها نفحات من عطرها أنَّى مرَّت.
امتياز نضال سيجري يكمن في أنه لا ينحني إلا للموهبة، ونبله يتجسد في أنه حر من الحسد بدليل اعترافه «أن جيلاً بأكمله يمكنه التعلم من بسام كوسا...» سلامة خياراته تتحقق من خلال رفضه أن يكون حجر شطرنج وانحيازه لكل شيء جديد.
منذ بدء المحنة التي يمر بها بلدنا شرع نضال سيجري يعمل كرجل إطفاء، عبر صفحته على الفيس بوك، قبل نحو شهرين كتب بكل ما في روحه من رجاء: (يحيا السلام... تحيا المصافحة بين أيدي الجميع..... تحيا الابتسامات على شفاه الجميع... تحيا المسامحة بين الجميع.. يحيا أهل بلدي مع أولادهم وبأحضان أمهاتهم... يحيا السوريون الذين في الداخل والخارج.. يحيا الوطن. يحيا الوطن.. يحيا الوطن حتى يوم الدين...). وعلى الرغم من خضوعه لعملية جراحية أليمة، كتب يوم أمس الأول: (الوجع على وطننا الطاهر وأهله تجاوز الدموع.. استُبدلت دموع الأطفال والكبار والأمهات بالدم).
نضال سيجري، أيها السوري الصميم، إنني أغبط نفسي إبداعك وعظمة الإنسان فيك، كما أنحني لآلامك المضيئة.

جريدة الوطن السورية

12/6/2011

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية