قالت الصحف

الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل - معالم مدينة حماة في الثلاثينات من القرن الماضي الحمّامات

الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل - معالم مدينة حماة في الثلاثينات من القرن الماضي الحمّامات

2009 مشاهدة

 

معالم  مدينة حماة في الثلاثينات من القرن الماضي الحمّامات

عبد الوهاب  الشيخ خليل
مجتمع - الفداء
الثلاثاء : 2009/11/3

كتبت قبل سنوات قليلة عن بعض معالم " حماة"  أمنا الحبيبة ونشر ما كتبت في جريد "الفداء" بعناوين "رجال من سوق الطويل" و   "رجال من حماة "  و "اللباس في حماة" من لباس الرجال ولباس النساء في أوائل /الثلاثينات/  من القرن الماضي وجملة ماكتبته ونشرته في "الفداء" /أحد عشر/ مقالاً ثم انقطعت عن  الكتابة لأسباب لايهمنا ذكرها..

والآن رأيت أن  أعود إلى مثل تلك الكتابة قاصداً أن أطلع الشباب الأعزاء من أهل مدينة "حماة" الغالية  على معالم هذه المدينة قبل ما يقارب قرناً من الزمان- أو الزمن- ورأيت أن أبدأ   "بالحمامات".‏

 "الحمام" اسم مذكر  مع أن الكثيرين من أهل "حماة" يؤنثون هذا الاسم وكذلك "الدكان".

عدد "الحمامات" في "حماة"  وأسماؤها:‏

وأبدأ بالحمامات  التي كانت قريبة من بيتي حيث نشأت في حي "جورة حوا" ثم انتقلت مع أهلي إلى حي " عاقبة السريان " الذي يقع بين ثلاثة أحياء مشهورة في "حماة" هي "الجعابرة" من الشمال  وحي "جورة حوا" من الشرق وحي  "سوق الشجرة" من الغرب وحارة "الحكر" من الجنوب..‏

1ـ حمام القاضي  : يقع في "جورة حوا" وهو حمام كبير يؤتى إليه من عدة أزقة منها زقاق "الشيخ معروف" وزقاق   "بيت البوشي" وزقاق "بيت السبع" وزقاق "بيت الشواف" وغيرها من الأزقة الصغيرة والضيقة..‏

2ـ حمام الحلق :  يقع في سوق "الدباغة", وهذا الحمام منخفض عن أرض السوق بما يزيد عن عشر درجات وهو  حمام كبير.‏ 

3ـ حمام  الأسعدية نسبة إلى بانيه "أسعد باشا العظم" ويقع في منتصف سوق "الطويل" وهو حمام كبير  وما زال يستعمل.‏

4ـ حمام  الادرباك : ويقع في ساحة الموقف وقد ابتلعه "شارع 8 آذار"‏

5ـ حمام  العثمانية : وهو حمام كبير وما زال يستعمل, يقع في حي "الطوافرة".‏

6ـ حمام  المؤيدية : ويقع في حي "الطوافرة" أيضا وهو حمام صغير مازال يستعمل..‏

7ـ حمام الذهب  : ويقع في حي "المدينة" وقد أزيل بفعل الهدم والبناء..‏

8ـ حمام  الدرويشية : ويقع في شارع "المرابط" وهو حمام كبير مازال قائماً ولكنه معطل.‏

9ـ حمام الشيخ  : وكان يقع تحت قبو "الكيلانية" وقد هدم مع القبو المذكور.‏

10ـ حمام  السلطان : وكان يقع في حي "السعادة" على ضفة العاصي مقابل مقهى "السلطان" الحالي.‏

11ـ حمام  العبيسي : ويقع في حي "البارودية" وما زال يستعمل.‏

12ـ حمام المدار  : ويقع في سوق المدار في الحاضر وهو حمام صغير لكنه الآن معطل.‏

وهذه هي حمامات   "حماة" في أسمائها ومواقعها وسوف نتحدث عن بنائها وطقوس استعمالها من قبل الناس.‏

بناء الحمامات‏

يكاد يكون بناء  الحمامات متشابهاً تشابهاً كبيراً فيتألف من باب كبير أو بابين, يفضي الباب إلى ممر  منكسر بطول /عشرة أمتار/ وعرض /مترين/ يكون في أوله مستقيماً ثم ينكسر بشكل زاوية قائمة  على امتداد /ثلاثة/ أمتار ثم ينكسر بشكل زاوية قائمة على عكس الأولى على امتداد /مترين/  حيث يفضي إلى ساحة مربعة ضلعها من /عشرة/ أمتار إلى /خمسة عشر/ متراً, والغاية من تكسر  المدخل الذي يسمى دهليز الحمام هو منع هروب الدفء, وتعلو الباحة المذكورة قبة كبيرة  جداً مثقبة بأعداد من الثقوب الدائرية, ويكون قطر الثقب /عشرين/ سنتيمتراً, وتوزع تلك  الثقوب بأشكال هندسية على القبة, ويثبت فوق كل ثقب كوب كبير من الزجاج يصنع في  معامل الزجاج خصيصاً لهذه الغاية, ويسمى كل ثقب وزجاجة " قمرية" والغاية من هذه  القمريات إضاءة الساحة المذكورة, وتسمى هذه الساحة وقبتها وقمرياتها "البرّاني" ثم  تحدث في منتصف الساحة بركة ماء كبيرة لها نافورة, ثم تُحْدَثُ على جوانب البراني  مساطب ولواوين تفرش جميعها .. وفيها مشاجب لتعليق الثياب.‏

يتصل "البراني"  بدهليز آخر يؤدي إلى "الوسطاني" وتكون المراحيض في هذا الدهليز, أما الوسطاني فيشبه  البراني, إلا أنه أصغر منه وفيه جرنا ماء ( مثنى جرن) ساخن, ودافىء متوسط الحرارة , وسقفه قبة بقمريات أيضاً, وعلى هذا سمي الوسطاني, ومن هذا الوسطاني باب يؤدي إلى   "الجواني" , والجواني يشبه البراني من حيث شكل البناء, إلا أن على جوانبه غرفاً  صغيرة, كل غرفة سقفها قبة وقمريات , وفوق باحته قبة أصغر من قبة البراني, إلا أنها  تشبهها من حيث القمريات, الجواني حار جداً وماء أجرانه حار.. فمن أين تأتيه هذه  الحرارة وأين مصدرها؟‏

الأمِّيم وبلاط  النار والخزانة:‏

 "الأميّم" هو مكان  بجانب الحمام يخزن فيه الوقود ويوجد فيه الموقد ويهمنا في الأمر الموقد, إذ يتكون  من حفرة كبيرة في أرض "الأميم" وهذه الحفرة لها مداخن مصنوعة من الآجر, وفوق هذه  الحفرة يوجد حلة من "النحاس" تصنع خصيصاً لهذا الأمر سعتها لاتقل عن "خمسة آلاف" لتر من  الماء تصب بوساطة ميزاب في حاصل ماء يسمى الخزانة, ومن الخزانة يوزع الماء الساخن  إلى أجران الحمام, أما نوع الوقود فهو مؤلف من الروث المخلوط بالتبن وهو الأهم  , وقد يكون من نشارة الخشب والمهم في الحمام هو بلاط النار, بلاط النار هو أرض  الجواني ويكون تحته طبقة على سمك /عشرة/ سنتمترات من "الملح الخشن" و "نترات الحديد", أما  الموقد فله فتحة من الأعلى يجلس قربها الوقاد ويسمى "أممجي" يذر فيها الوقود  بمقادير, فتشتعل تحت الحلة ويتسرب دخانها تحت بلاط النار بتصميم محكم فيحمى الملح  ونترات الحديد ومن ثم يحمى بلاط النار والغرف التي تسمى الأجران حوله.‏

وللأجران ولبلاط  النار مصارف للماء المستعمل يسيل منها بمجار تصب في البالوعات فيصرف الماء الممزوج  بالصابون بسرعة هائلة, وقد ضرب ذلك مثلاً للحمقى الذين لايحافظون على أموالهم  "مصاري المجانين في مجاري الحماميم" أي سريعة النفاذ.‏

هذا هو تكوين  الحمام, دهليز ثم البراني ثم الوسطاني ثم الجواني, والبراني يكون مزداناً بالرسوم  الجميلة على جدرانه, وكان دهان ـ بل قل رسام يسمى "بدر الدهان" يبدع هذه الرسوم , وكل رسم يكتب بجانبه "بدر" رحم الله  "بدر الدهان" وتلك الأيام الجميلة!.‏

طقوس الحمام‏

كان الحمام  يستقبل زبائنه على فترتين "فترة للرجال" وتبدأ من "الفجر" إلى "الظهر", و"فترة للنساء"  تبدأ /بعد الظهر/ بقليل إلى /العشاء/, ولم يكن أجر الاستحمام محدداً , بل حسب قيمة  الإنسان الذي يرتاد الحمام سواء أكان رجلاً أم امرأة, وحسب مركزه الاجتماعي, ويسمى"الوفا" وسأتحدث عن طقوس الحمام في فترة الرجال.‏

عمال الحمام:‏

أولاً "الحمامي" , أو صاحب الحمام, وهو يجلس على مسطبة قرب باب تقع على يمين الداخل, ويكون مكانه  مفروشاً بالسجاد والطراريح, وعلى يمينه مسند وأمامه صندوق من الخشب مدهوناً ومرصعاً  بالصدف ويسمى صندوق معظم, يرتدي صاية حرير فوقها ساكو من الجوخ ويعتمر لفة غباني  على طربوش أحمر, يستقبل كل داخل بعبارة

 "أهلاً وسهلاً" وبالقرب منه منضدة كبيرة  عليها صرر المناشف وكل صرة تسمى"بقجة" وحول البحرة عمال ينتعلون "القباقيب" يتحركون حول البحرة ولكل منهم عمل خاص به. منهم "المرجل" وهو الذي يضع حذاء الزبون  بالكوة التي تقع أسفل المسطبة, و"المشحط" وهو الذي يساعد الزبون على خلع ثيابه ويقدم  له "وزرة" يأتزر بها, ثم يقدم المناشف عندما ينتهي من الاستحمام, ويدلك ظهره  ويساعده على ارتداء ملابسه, وعندما ينزل الزبون من المسطبة يقدم المرجل قبقاباً ثم  يتجه الزبون إلى الوسطاني فيستقبله الناطور التي يغيرله الوزره بأخرى يستحم بها, ثم  يستقبله "المكيّس" بجملة "أهلاً وسهلاً" ويطلب منه أن يفيض على جسمه الماء ثم يتمدد  على بلاط النار حتى ترتخي عضلاته, ثم يأتي إليه فيدلك جميع جسده بكيس خشن يضعه  المكيس في كفه اليمنى, ثم يغسله بالليفة والصابون حتى يتأكد من نظافة جسمه بعدها  يتركه للراحة, فيقدم له كأساً من الشاي أو من عصير البرتقال, ويتابع الزبون  استحمامه حسب رغبته وعندما يريد الخروج من الحمام فما عليه إلا أن يقرع "الطاسة  النحاسية" ويطرق بها طرقاً خفيفاً على حافة الجرن يأتيه المشحط حاملاً المناشف..‏

يبادره المشحط  بقول : "نعيماً", ويلفه بالمناشف ويقدم له قبقاباً, وعندما يخرج من الوسطاني  يستقبله مشحط آخر يغير له المناشف بأخرى, ثم يخرج إلى البراني فتنهال عليه عبارة "نعيماً" من جميع العمال, ثم يأتي مشحط ثالث فيساعده على الصعود إلى المسطبة حيث  ثيابه ويغير له المناشف ويدلك له ظهره , ثم يأخذ راحته على المسطبة حتى يشعر أنه قد  أصبح أميل إلى ارتداء ملابسه فيرتديها بمساعدة المشحط, ثم يتقدم المرجل فيقدم له  حذاءه, وعندها يمد يده إلى جيبه ويكافئ كل من خدمه من المرجلين والمشحطين والمكيسين  , ثم يتقدم إلى الحمامي الذي يستقبله بعبارة نعيماً, فإن كان يعرفه يقول "نعيماً  يا أب فلان.. حمام الهنا" فيدفع الوفا حسب قيمته الاجتماعية وقد يحدث مثل هذا مع  النساء أو شبيهاً به ويذهب الزبون, ونريد أن نذكر أن في الحمام أماكن لإزالة الشعر  وقد يوجد حلاق.‏

هذا مرور سريع  على الحمامات أما ماتركه الحمام في الفلكلور الشعبي من الغناء والأمثال فأذكر  قليلاً منه:‏

يارايحة ع  الحمام خديني معك‏

لحملك البقجة  وأمشي وراك‏

وان كان أبوكي  ماعطاني ياكي‏

لعمل عمايل  ماعملها عنتر‏

انزلت ع الحمام  لتغسل‏

آمو الحبايب  غسلوني‏

لاه بصابون ولاه  ببيلون‏

إلا بدمع  العيون‏

نزلت على الحمام  تشحط بديلا‏

ماوصلت الحمام  بيوم وليله‏

هاتي آنونك  وسهريلك ليله‏

إنتي بتغني وأنا  على صوتك بسهر‏

 مع الحب والتقدير وتمنياتنا بعطاء دائم
للمربي الفاضل الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل
كنعان البني

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية