مواضيع للحوار

العلم والفن في العيادة المسرحية

العلم والفن في العيادة المسرحية

996 مشاهدة

 

العلم والفن في العيادة المسرحية

الدكتور جبار خماط أكاديمي عراقي

لون الحقيقة في الفكر المعاصر مخطوف، لا يقين فيه، فوضى ارادوا لها ان تكون خلاقة، فانقسم العالم الى حروب فرعية لا تتوقف !!

ضحيتها الناس الذين غاب لديهم اليقين بمستقبل أفضل، بسبب تقييد الارادة بمقولات العجز والاحباط والانكسار، لذا جاءت العيادة المسرحية، طاقة سلام، تقوم على فرضية " المستقبل اولا " وقودا للفكر والعمل، لا تنظر الى العمل الفني، بوصفه حمولة للماضي، جاهزة للتفريغ في وعي المتلقي، عنوة وقسرا، بل تجد العيادة المسرحية، ان الفن حرية مشروطة بالإبداع، لا يتقنها الا من لديه القدرة على تدوير السلبي في حياتنا الى إيجابي، لنكون قادرين على استيعاب الازمات المحيطة بنا، وابعاد سجن الاغتراب الذي يقيد الارادة في المجتمع المعاصر.

ولهذا كانت الغاية من العيادة المسرحية الذهاب الى الناس قي كل مكان بعيدا عن المؤسسات النخبوية التي جعلت من المسرح محاصرا في خطاب ضيق، العيادة المسرحية تذهب الى الناس لتؤسس مسرحا منهم، اساسه الصدق والإيمان، ونتاحه التلقائية والحميمية، العيادة المسرحية لها هدف اساسي اكتشاف مهارات التمثيل في الاماكن القصية من أولئك المبعدين او الذين يعيشون في هامش الوجود، انه مسرح يعود الى الناس الذين يحتفلون بالبساطة العميقة، بعيدا عن الخطاب المترف الذي اوجد هوة بين المسرح والناس، ورمم علاقة بينه وبين النخبة، العيادة المسرحية افق جديد في عالم ضيق، إن القوالب الفكرية الجاهزة توابيت ثقيلة لا تصلح سوى لأجساد الموتى. ثمة أفكار ميتة، واخرى حية لها القدرة على العود الابدي، وانتاج دورة حضارية قوامها الإنسان في بعده العلمي والثقافي، الذي يسعى نحو التغيير الايجابي، وما الفن المسرحي سوى طاقة تغيير كبرى - إذا كان استثماره فاعلا - ولهذا اصبحت العيادة تؤمن بالأفكار الحية التي تؤمن بالمستقبل، إذ لا يمكن ان نعمل من دون جديد، ولا يمكن ان نركن الى الجديد، من دون حمولة خيال وتصور كافيه لإنتاجه، لان الفرضيات التقليدية في مختبر الحاجات المعاصرة، لا يمكن ان تجيب على أسئلة ملحة، أساسها تفكيك العالم وارتباطه بفوضى قصدية ، فتتت المركب، وقوضت القوميات، وازاحت مراكز قرار سياسي، بسبب الحروب الداخلية، فضلاً عن مخاوف تطرد المواطن العادي من مستقبل، زجاجه مضبب بالتشويش، هذه التحولات الكبرى اقليميا ودوليا، في الجغرافيا السياسية والثقافية والاقتصادية، تتطلب منا اسئلة فكربة ونسيج اشكال جيد يتقن التركيب والتحليل للمتناقضات في صناعة وانتاج الشكل ، وهنا يأتي سؤال مفاده، هل بإمكاننا توفير مثل هذا المسرح؟

وهل يرتدي ثوب المغايرة غير الثابتة، اي هل بإمكانه نزع ثوب المغايرة، ليرتدي العمل المسرحي الجديد، ثوبا آخراً، له طاقة مغايرة جديدة، فاعلة التأثير ؟ وكيف يكون طريق الابداع سالكا بروح العمل الخال من شوائب عنتريات الريادة والتفوق الابداعي ؟ للجواب ينبغي أن نعرف بان نظم العمل المسرحي قد تغيرت من النظم مغلقة الحلقة، الى ذلك النظام مفتوح الحلقة، او ما يسمى بالورشة المسرحية المتجددة في عنصرها المادي والبشري الذي كثيرا ما ينتج عروضا مسرحيا، متميزة ولها بعدها الجاذب للجمهور، لأنها تنطلق من فرضيات تعيش بين الناس، وبالتالي تكون مجدية في انتاج اجوبة من التفاعل مع اسئلة العرض المسرح، التي تطرح بطريقة جمالية، يتفاعل معها الجمهور، وليس على نحو ارشفة او استعادة تاريخية للبكاء والافتعال، ومعالجة الازمات بأزمات جيدة، لا يريدها الجمهور . ان قانون العمل الفني المسرحي، هو التحويل الجمالي للواقع المحيط بنا، فلا معالجة للحرب بالحرب، بل ينبغي ان يكون بالسلام، لأنه مستقبل عادل يريده الناس، ان جفاف المخيلة، تجعل من ماء المعالجة شحيحا، وبالتالي تكون أرض العروض المسرحية، غير صالحة لإنتاج ثمار جمالية، تهدى الى الجمهور، لأن صانعي العرض المسرحي افتقروا الى تحويل الخبرة المألوفة لدى الناس، إلى عرض مسرحي فيه طاقة اللامألوف متجددة، وهو ما يثير دهشة المتلقي، وارتباطه جماليا برسائل العرض البصرية والسمعية والحركية. ا لفن المسرحي الجميل يحقق جلال الروح في التناغم ما بين الذات والعمل الفني .. لحظة لا يعرفها إلا الراسخون في المعنى الجمالي !! وهنا تكون العيادة المسرحية بوصلة مهارية تتيح للمشاركين فيها، فرصة اكتشاف طاقات كامنة لديهم، يتم تحويلها بالتمرين الى طاقة متحركة، لها هدف التغيير بوساطة العلاج الجمالي، الذي يزرع الارتياح في المشاركين، ولذلك لا يمكن حصر العيادة في افق فسلجي ضيق، اذ تكون من الناحية العلمية ، استثمار لعلم الذاكرة وعلم الدم وكيف تنقيتهما من رواسب مقيدة للأداء ، لإنتاج سلوك جديد في الذاكرة طويلة الامد، أبعد الادمان لدى المشاركين من نسيج يومياتك، والسعي نحو تنقية الدم بتمارين تنفس مبرمجة، اوصلتهم الى طاقة اوكسجين كافية ونقية لتفعيل انزيم (( الدوبامين ))الذي يحقق اللذة في التمثيل مثل ما يحققه الكحول او المخدر، مع التمارين المستمرة، تم استبدال لذة المخدر بلذة التمثيل، من خلال بعد الطاقة الايجابية الذي يجعل من ايعازات الدماغ حيوية ومستقرة، وتجربتي مع مصابي حليجة حققت تمارين تنقية الدم بالتنفس، التخلص من الصداع المزمن والالام ضيق التنفس الذي رافقهم منذ 29 سنة !!