مواضيع للحوار

العميل البريء زياد عيتاني يحاكم الحاضر اللبناني بعرض ساخر

العميل البريء زياد عيتاني يحاكم الحاضر اللبناني بعرض ساخر

731 مشاهدة

العميل البريء زياد عيتاني يحاكم الحاضر اللبناني بعرض ساخر

 منى مرعي

المصدر / العرب

المصدر: موقع الخشبة

 

الممثل اللبناني زياد عيتاني يقدم تفاصيل حادثة اعتقاله في مسرحيته الجديدة “وما طلت كوليت” التي تعرض حاليا في بيروت.

هي أكبر تهمة يمكن أن يُبتلى بها عربي، فما بالك بمسرحي معروف، هو الفنان اللبناني زياد عيتاني، وهو ما أحدث صدمة في الرأي العام، خاصة أن التهمة مفادها تواصل عيتاني مع العدو الإسرائيلي والتعامل مع جهازه الاستخباراتي الموساد، لكن المسرحي تمت تبرئته لاحقا، ليخرج من سجنه مستثمرا مأساته ليحولها إلى ملهاة عبر مسرحية “وما طلت كوليت”.

 في 23 نوفمبر عام 2017 تمّ اعتقال الممثل اللبناني زياد عيتاني وألصقت به تهمة التعامل مع إسرائيل، وفي مارس 2018 تمت تبرئة الممثل من قبل السلطات القضائية اللبنانية بعد إلحاق أذى معنوي كبير به وبعائلته وابنته.

مئة وتسعة أيام وزياد عيتاني يتعرّض لأقسى درجات التعذيب والتهديد، حيث تمّ التعرض لأسرته داخل أسوار السجن، وفي الخارج تستثمر الوسائل الإعلامية في الحدث لاهفة وراء تحقيق “السكوب” (السبق الصحافي)، بينما تتلقف أسرة عيتاني كل هذا الظلم المحيط، لوهلة صدّق عدد كبير ممّن عرف زياد أنه تعامل مع جهاز الموساد، ومنذ اللحظة الأولى لخروجه كان لا بد لزياد أن يسترد حقه عبر القانون من ناحية وعبر العودة إلى الخشبة من ناحية أخرى.

ثلاثة فصول

“وما طلت كوليت” (وما ظهرت كوليت) هي المسرحية التي انكب على كتابتها خالد صبيح وفقا للمعطيات التي قدمها زياد إثر خروجه من السجن، وتعود خلفية الاتهام الملفّق إلى تعليق دوّنه الممثل زياد عيتاني على الفيسبوك وأثار حفيظة المقدّم سوزان الحاج، رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية آنذاك.

و”كوليت” بحسب الاتهامات الموجهة إلى زياد عيتاني هي السيدة التي أغوته بجمالها وحسنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم أغرته بالتعامل لصالح إسرائيل بهدف استهداف شخصيات سياسية لبنانية.

أما المسرحية التي تقدّم حاليا في “مترو المدينة” بالعاصمة بيروت، فهي ليست توثيقية بقدر ما هي ترفيهية، إذ أنها تستحضر فوزي فوزي نجم بديلا عن زياد عيتاني، والذي يشتغل كعامل ديليفيري في فرن مناقيش، هو ابن الرجل الذي يتولى تصليح الأعواد لأنه لا يستطيع أن يرى عودا مكسور الخاطر.

ومن خلال حكاية فوزي هذه يستشف المشاهد تفاصيل حادثة اعتقال زياد عيتاني وما رتبه هذا الاعتقال من أذى على الممثل وعلى عائلته، ويُقسم العرض الذي قام بإخراجه هاشم عدنان إلى ثلاثة فصول تتخللها استراحتان.

في الفصل الأول يتم التركيز على مرحلة الاعتقال الأولى والتحقيق، فيما ينقل الفصل الثاني بعض مراحل المحاكمة، في حين يركز الفصل الثالث وهو الأطرف على مرحلة انتقال زياد عيتاني إلى سجن رومية وصولا إلى مرحلة إطلاق سراحه.

وأجاد النص محاكاة الأحداث بنبض شعبي لا يخلو من شخصيات كاريكاتورية مرسومة تفاصيلها بإتقان، إذ يجد المُشاهد نفسه أمام صورة بانورامية تجول في زواريب المدينة الضيقة وتتسلل إلى سجنها.

المسرحية ليست توثيقية بقدر ما هي ترفيهية، في استحضار هزلي لتفاصيل حادثة اعتقال زياد عيتاني وما لحقه من أذى

 

شخصيات كشخصية الخال، وهو كبير الزنزانة التي وُضع فيها فوزي، الشيخ عطا المتهم بأنه داعشي، المحامي ضو الفرانكوفوني، ساكو.. كلها شخصيات نُسِجت بعفوية وذكاء يسهبان في استخراج مواقف مكثفة وطريفة من الشارع دون إغفال تمرير إحالات سياسية بعضها لا علاقة له بحادثة زياد عيتاني، ولكنها تحاكي بؤس الحالة السياسية الراهنة في لبنان.

النص المكتوب بحنكة ودراية وبحس فكاهي عال، بالرغم من بعض الإطالات غير الضرورية، تضاهيه قدرة زياد عيتاني المهولة في تحويل مأساته إلى ملهاة، فليس سهلا على أي فرد أن يعيد تمثيل أوجاعه على الخشبة، وهنالك أمثلة عن عدد كبير من الأفراد أو حتى الممثلين الذين عايشوا على الخشبة تماسا مع حياتهم الشخصية والذين أصابهم التعب حتى انسحبوا من العروض المتكررة.

علاج على الخشبة

أن يتمّ تحويل ظلم فرد إلى ملهاة يقوم بتمثيلها ضحية هذا الظلم، ففي الأمر اقتدار وعلاج في نفس الوقت، أتت الفكاهة هنا لتعالج زياد من مصابه ولتزيد على رصيده كممثل: هي قدرة ليست متاحة لأي ممثل أن يتعامل مع مواقع ألمه عبر إضحاك الآخرين وعبر إعادة تركيب كل ما عاناه مستعينا بحس تهكمي ساخر لا يسعى في أي لحظة إلى اقتناص انتقام رخيص، وكذلك برع بشكل استثنائي الممثل زياد شكرون الذي أدّى أدواره المتنوعة بإتقان، متنقلا بين دور المحقق في المخفر إلى دور المحامي إلى دور الخال، وبشكل عام كان أداء جميع الممثلين (أحمد الخطيب، خالد صبيح، فراس عنداري) عفويا وإن تفاوت أداء خالد صبيح أحيانا.

ولم يخلُ العرض من الحضور الموسيقي الذي تمّ استخدامه بدهاء، بالإضافة إلى الأغنية الأخيرة في العرض، وقدم زياد في الفصل الثاني مشهدا غاية في طرافته، مستحضرا الملحنين الذين لحنوا لأم كلثوم كرياض السنباطي، ومحمد عبدالوهاب، وزكريا أحمد وبليغ حمدي مفسرا أن لكل ملحن بصمته، فزكريا أحمد تتسم أغانيه بـ ”الألحان السكرانة”، أما عبدالوهاب “ فيشط من الشرقي للغربي ومن الغربي للشرقي”، وبليغ حمدي “يفقّع” في ألحانه..

وأثناء هذا الشرح يقوم فوزي بغناء أغاني أم كلثوم بنفس بيروتي، مشيرا للقاضي في النهاية باستحالة تعاون جهاز الموساد، الذي تعوّد على وزن معيّن من العملاء كإيلي كوهين الذي يدخن السيجار وشولا ثرية الملامح، مع عامل من طينة فوزي فوزي نجم، هو الشاب الذي يعمل في خدمة توصيل المناقيش، مفسرا بشكل مضحك جدا أن لكل جهاز استخباراتي في العالم بصمته الخاصة في العمل والتعامل.

وتنتهي مسرحية “وما طلت كوليت” بمشهد خروج فوزي من السجن وبوقوفه ليقول إن هذه القصة هي قصة زياد عيتاني، وهو مصر على نقلها على الخشبة كي لا تتكرر مع أي من المشاهدين، ولعل أكثر اللحظات تأثيرا في العرض بالإضافة إلى اللحظات التي يتحدث فيها فوزي عن أمه وعن والده، اللحظة التي تلي مشهد تعرض فوزي للضرب المبرح من قبل القوى الأمنية، حيث يستشهد الأخير بصلاح جاهين “أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس/ جلجلت بيه صحيوا الخدم والحرس/ أنا المهرج… قمتوا ليه خفتوا ليه.. لا فْ إيدي سيف ولا تحت مني فرس!”.