مواضيع للحوار

العيادة المسرحية والسؤال الجمالي

العيادة المسرحية والسؤال الجمالي

1047 مشاهدة

العيادة المسرحية والسؤال الجمالي

الدكتور جبار خماط – أكاديمي عراقي

 

لا يمكن ان نعمل من دون جديد، ولا يمكن ان نركن الى الجديد، من دون حمولة خيال وتصور كافي لإنتاجه، الفرضيات التقليدية لا يمكن ان تجيب على أسئلة ملحة، أساسها تفكيك العالم وارتباطه بفوضى قصدية، فتتت المركب، وقوضت القوميات، وازاحت مراكز قرار سياسي، بسبب الحروب الداخلية، فضلاً عن مخاوف تضرب المواطن العادي من مستقبل، زجاجه مضبب بالتشويش، هذه التحولات الكبرى اقليميا ودوليا، في الجغرافيا السياسية والثقافية والاقتصادية، تتطلب منا اسئلة فكرية ونسيج اشكال جيد يتقن التركيب والتحليل للمتناقضات في صناعة وانتاج الشكل، وهنا يأتي سؤال مفاده، هل بإمكاننا توفير مثل هذا المسرح ؟

وهل يرتدي ثوب المغايرة غير الثابتة، اي هل بإمكانه نزع ثوب المغايرة، ليرتدي العمل المسرحي الجديد، ثوبا آخراً، له طاقة مغايرة فاعلة التأثير ؟

وكيف يكون طريق الابداع سالكا بروح العمل الخالي من شوائب عنتريات الريادة والتفوق الابداعي، والتفكير بان نظم العمل المسرحي قد تغيرت من النظم مغلقة الحلقة، الى ذلك النظام مفتوح الحلقة، او ما يسمى بالورشة المسرحية المتجددة في عنصرها المادي والبشري الذي كثيرا ما ينتج عروضا مسرحية، متميزة ولها بعدها الجاذب للجمهور، لأنها تنطلق من فرضيات تعيش بين الناس ، وبالتالي تكون مجدية في انتاج اجوبة من التفاعل مع اسئلة العرض المسرح، التي تطرح بطريقة جمالية، يتفاعل معها الجمهور، وليس على نحو ارشفة او استعادة تاريخية للبكاء والافتعال، ومعالجة الازمات بأزمات جيدة، لا يريدها الجمهور  ان قانون العمل الفني المسرحي، هو التحويل الجمالي للواقع المحيط بنا، فلا معالجة للحرب بالحرب، بل ينبغي ان يكون بالسلام، لأنه مستقبل عادل يريده الناس، ان جفاف المخيلة، تجعل من ماء المعالجة شحيحا، وبالتالي تكون أرض العروض المسرحية، غير صالحة لإنتاج ثمار جمالية، تهدى الى الجمهور ، لأن صانعي العرض المسرحي افتقروا الى تحويل الخبرة المألوفة لدى الناس، إلى عرض مسرحي فيه طاقة اللامألوف متجددة، وهو ما يثير دهشة المتلقي، وارتباطه جماليا برسائل العرض البصرية والسمعية والحركية. ولنا في الرسام العالمي "بيكاسو"، اسوة حسنة، اذ فهم لعبة الابداع وتأثيره في الناس، حين رسم لوحته الشهيرة (( الجورنيكا)) التي عالجت مرحلة قاسية من تاريخ "أسبانيا" المعاصرة، الحرب الاهلية في زمن "فرانكو"، راح بسببها الالاف من الضحايا، ومن بينهم شاعر اسبانيا (( لوركا )) اللوحة تعالج الحرب، لكن بنيتها وعناصر تكوينها المشكلة للوحة، كلها علامات وافكار للسلام، لانه – "بيكاسو"- عرف كسر افق التوقع، حين استبدل المألوف باللامألوف حين عالج موضوع الحرب جماليا، لذا عدت من اعظم نتاجات الفن المعاصر، واتخذتها الامم المتحدة في مبناها؛ ايقونة للسلام. تلك هي عبقرية المبدع، حين تعرف بالحدس والقوة الايجابية للذهن، طريق الوصول الى المتلقي، من فرضية قالها لنا (( بوبوف )) في كتابه ( التكامل قي العرض المسرحي ) العبقرية صنو البساطة، أو السهل الممتنع الذي نجده في الشعر، اذا الجميع يجد القصيدة في متناول التأثير والتفاعل ، بيسر وسرور جمالي، وكأنها تمثله بالكامل، هذا التمثل نوع من الاستبدال الوظيفي بين المتلقي وصانعي العرض، يكون شريكا معهم في صناعة العرض واستقباله غلى حد سواء. هذه المعادلة تتطلب وعيا فنيا عميقا في تواصله مع تيار الحياة والناس، لتأكيد ان العرض المسرحي، ينتمي الى تيار الحياة جماليا وليس تاريخيا، لان العمل الفني بحسب ما يراه الفيلسوف (( هوسرل )) تعليق مؤقت عن تيار الحياة، سرعان ما يرجع اليها، عند هنا و آن التلقي، هذه اللحظة الابداعية للعمل المسرحي، ما بين الخروج عن الوعي، والدخول في لحظة ابداعية جديدة، هي ما تبحث عنه العيادة المسرحية. اذ تقوم على فرضية " المستقبل اولا " وقودا للفكر والعمل، لا تنظر الى العمل الفني، حمولة للماضي، جاهزة للتفريغ في وعي المتلقي، عنوة وقسرا، بل تجد العيادة المسرحية، ان الفن حرية مشروطة بالإبداع، لا يتقنها الا من لديه القدرة على تدوير السلبي في حياتنا الى إيجابي، لنكون قادرين على استيعاب الازمات المحيطة وابعاد سجن الاغتراب الذي يعيشه الانسان المعاصر، ان المسرح العربي يتطور تكنولوجيا، على حساب الفكرة التي اصبحت تائهة، متناسين ان التوازن في الرؤية يضمن تفعيل التكنولوجي والفكري على حد سواء، ولو تنبهنا الى حاجات الانسان الجديدة، نجدها تتلخص بكلمتين، "الحميمية والتلقائية " الذي نكاد نفتقدهما في كثير من عروضنا المسرحية، والسبب هو غياب الفهم لأصول تقنيات الصنعة المسرحية، التي لا تضع شيئا على خشبة المسرح إلا بقدر، يحتمل استيعابه لدى المتلقي، وشرطية الاستيعاب والفهم لا تعني التسطيح او التكلف، بل تلك الحميمية في التواصل، والتلقائية في اداء العناصر البصرية والسمعية والحركية.