مواضيع للحوار

الفنان سمير الحكيم مسيرة حافلة بالإبداع

الفنان سمير الحكيم مسيرة حافلة بالإبداع

3140 مشاهدة

الفنان سمير الحكيم مسيرة حافلة بالإبداع

 

الفنان المرحوم سمير الحكيم ، متعدد المواهب الإبداعية، التي تنطلق من ذات نفت الفردية، وذابت بالروح الجمعية للإنسان عشقاً وعطاءً. كانت الولادة في 22 / 8 / 1948 .

وهو الممثل، المخرج، المؤلف، الكاتب الساخر، الذي احترف المسؤولية، بحجم الواجب، كبعد ذي قيمة معرفية إطارها الأخلاق المتماهية مع الشرط الإنساني.

وكانت حساسيته تتجسد في الملاحظة والرؤية الخصبة المؤطرة بالذوق الذي لمسناه بأعماله المتنوعة، كتابة وتمثيلاً وإخراجاً .

أخلص بعشقه للمسرح فنذر حياته له، ولم تغره الشاشة الصغيرة ليترك المسرح ويتجه لها كما فعل الكثيرون، وإنما بقي ضيفاً عليها وأعطى جل وقته للنشاط المسرحي والعمل في ميدانه.

خصوبة العطاء المسرحي لأكثر من ثلاثة عقود أفناها الفنان سمير الحكيم في سبيل المسرح والمسرحيين على مساحة الفعل الثقافي محلياً وعربياً، خدمة لهذا الفن الحضاري والإنساني .

فهو مؤسس فرع نقابة الفنانين في حماة عام 1986، ومؤسس فرقة المسرح الوطني عام 1987، التي أصبح اسمها ( فرقة سمير الحكيم المسرحية ) تكريماً لإسهاماته المتعددة في المشهد الثقافي، وهو مؤسس المهرجان الذي أصبح علامة واضحة وفاعلة في المشهد المسرحي العربي، مهرجان حماة المسرحي عام 1989، ومدير دوراته الثمان الأولى .

عمل في فرق المسرح الجامعي والعسكري والشبيبي والعمالي ثم في مسارح وزارة الثقافة،القومي والجوال .

المرحوم سمير الحكيم له في سجل الإبداع المسرحي ما يزيد  عن سبعين عملاً كمخرج نذكر منها : " مغامرة رأس المملوك جابر، صانع المطر، السجين 95، في انتظار غودوت، زيارة الملكة، حفلة سمر من أجل 5 حزيران، الكراكي، غوما، انت يللي قتلت الوحش، لعبة السلطان والوزير، أنت لست غارا، وحش المدينة، الطريق إلى الوزارة، البحث عن نوفان ..." إضافة إلى تجربته الرائدة في مسرح الطفل، ومن أعماله فيه : " الصياد الطماع، تاج الملك، الشاطر سامر، البساط العجيب، أنشودة المحبة، أحلام حسان، مملكة الأشكال الهندسية " .

كتب في النقد والقصة القصيرة. تضم المكتبة المسرحية له كتاباً صدر عام 1979 بعنوان( محاورات في المسرح العربي ) أثار فيه العديد من القضايا المسرحية الهامة.

شارك في العديد من الملتقيات المسرحية العربية في / مصر، ليبيا، الأردن، لبنان، الكويت، الإمارات العربية /  ومهرجانات دمشق المسرحية .

البدايات كانت منذ ستينيات القرن الماضي، متأثراً بالحضور الفني لوالده الذي كان يعزف على آلة العود ويؤدي بعض الأغنيات المحلية الطربية، وسماعه للمطرب الكبير محمد عبد الوهاب،والسيدة أم كلثوم، من آلة التسجيل القديمة الموجودة في بيت الوالد.

ولقرب دكان والده الخياط من السينما، لعبت دوراً مهماً في شحذ همته للكتابة والتمثيل والإخراج، والتعرف على المسرح بشكل أكثر حرفية عن طريق الفنان المسرحي المرحوم عمر زكية والفنان المسرحي المرحوم عبد الكريم الكيلاني .استمر على هذا الحال حتى السبعينيات حيث نضجت لديه التجربة وتوضحت معالم الفن المسرحي عبر القراءات والمشاهدات للعروض المسرحية في العاصمة دمشق. هكذا تراكمت لديه الخبرة النظرية والعملية واقتنع أن على من يعمل في المسرح أن لا يتراجع مهما صادف من عقبات وصعوبات في عمله. فهو درب شاق ... صعب لكنه جميل، يؤرق ولكن نسعى إليه ... والمسرح ميدان لا يستمر فيه إلا عاشق له يعطي ولا ينتظر أن يأخذ .

واستفاد الفنان سمير الحكيم من دراسته الجامعية لعلم الاجتماع والفلسفة، التي كان يميل إليها منذ مراحل دراسته الأولى، وميله للمطالعات في مجال الفنون بشكل عام،والمسرح بشكل خاص، بالدخول إلى عمق النص المسرحي، وعوالم الشخصيات، بالتالي قراءة الجمهور والشريحة التي سيتوجه إليها مسرحياً قراءة معرفية علمية متأنية.

لذلك كان هناك هاجس يؤرقه، كيف يستمر في الحفاظ على تقديم مسرح نظيف وجاد يحترم المتلقي، ويوازن بين المتعة والفكر، بين الفرجة السارة والمقولة الفكرية، ويكون قابلاً للانتشار والوصول إلى الجمهور العريض...أي كيف يحقق هذه المعادلة الصعبة المؤرقة، بأن يقدم فناً حقيقيا يرضي النخبة والعامة معاً، المختص في المسرح، والذي يرى أول عرض مسرحي في حياته،المسرح الحريص على عدم مخاصمة الناقد والمختص، وفي الوقت ذاته، على عدم الابتعاد عن الجمهور الواسع .

كان يبحث عن النص المسرحي، اللبنة الأولى للعرض المسرحي، ويختار ما يحمل همّ الناس ويلامس حياتهم المعاشة، ويقول كلمة مفيدة لهم . وقد كان المتلقي يرى في كل عمل مسرحي يخرجه المرحوم سمير الحكيم ومضات جديدة،لكنها استمرار لخط سابق، يحمل الكثير من الومضات المشعة ليحصل في النهاية على الولادة الشرعية للجديد.

هذه الولادة التي  تحقق للعمل المسرحي الشكل والمضمون الجيد، لقد كان الفنان سمير الحكيم حريص على المضمون الذي يتطلبه الشكل، والشكل الذي يبرز المضمون. فالعمل المسرحي لديه يمتلك قوانينه الخاصة التي تتوالد منه ومعه. بمعنى آخر كان يعالج كل جزئية من العمل حسب ما تتطلبه اللحظة الدرامية بما يصل بها إلى الإقناع والتواصل، ثم دون تردد يلبسها الشكل الذي يتطلبه المضمون شريطة أن لا يكون نشازاً . وفي قناعته أن الفن في النهاية لا يخضع للقوننة . وإنما هو دائماً يتمرد على المألوف والسائد ليدخل في عوالم الإبداع  والتجديد .

وقد أشار إلى أن الفصل بين شكل عمل ومضمونه هو حالة دراسية لا تنطبق على واقع العمل الفني، وهي ليست تجريداً للجسد لنراه عارياً أو إلباسه لنرى هذا الزى أو ذاك عليه.. وإنما هنا في الفن هو علاقة أبعد من ذلك وأمتن فالجسد واللباس منصهران معاً. والمضمون لا يتمظهر إلا بشكله ، والشكل غير ذي وجود إلا بمضمونه .

ولا بد من الإشارة هنا للعلاقة المتميزة بين الفنان المرحوم سمير الحكيم والكاتب التركي " عزيز نيسن " وقد صرح حول هذا الموضوع بالقول : أستطيع القول أنني قرأت عزيز نيسن ، وأكثر من مرة، تلك القراءة المتأنية، كل مانشر له من مترجمات، وحتى التي لم تنشر بعد، ولكن وصلتني كمخطوطات من الأصدقاء المترجمين، وأسرتني تلك الصياغات التي يكتب بها أعماله، والأفكار التي تحملها، مسرحياته وقصصه ورواياته ومقالاته،أخذتني تلك السخرية المرة التي تغلف طروحات أعماله، وعشقه للإنسان،محترماً حراً، فاعلاً.

وجدت حتى في كتاباته غير الدرامية بذوراً درامية. وتنتابني رغبة تحويل عدد من قصصه إلى أعمال مسرحية،وقد يكون هذا مشروعاً أو مشاريع قادمة. على غرار ما فعلته في قصة " السماد الكيماوي" التي قدمتها عرضاً مسرحياً تحت اسم " بانتظار السماد " .

في كتابات عزيز نيسن تقاطعات كبيرة ومتعددة مع واقع قريب منا، كتابات تعزف على أوتار تبحث ريشتي عنها، لتعزف اللحن ذاته بمقام عربي ولحن نألفه.

إن العمق الإنساني الذي تذهب إليه كتابات عزيز نيسن وتقاطع طروحاته مع هموم تلح عليّ، والتقاطاته الذكية للحدث الدرامي، هو بعض ما يحفزني لاختيار نصوصه.   

بعد ذلك ينتقل لدراسة الشخصية المسرحية فقد قال في هذا المجال : المفروض لكل شخصية مسرحية تكوينها الإنساني / الاجتماعي / الاقتصادي . الذي يشكل موقفها من الحياة، والذي يترجم فعلاً ورد فعل في أحداث العمل الدرامي.والشخصية المسرحية عندما تمر في مشهد ما .. لا بد لمعرفة تكوينات وجودها في هذا المشهد، من معرفة من أين جاءت إلى هذا المشهد، وإلى أين ذهبت.مما تقدم كان لابد لي في كل شخصية ألعبها على المسرح، أن أعرف تاريخها وأفكارها وتكوينها النفسي لأستطيع أن أكسوها لحماً ودماً على الخشبة، حتى أصل إلى مرحلة الإقناع في تصرفاتها، الإقناع الذي هو أساس التواصل الذي لا بد منه ليحقق العمل نجاحه.

وعندما تكون الشخصية مستجلبة من التاريخ أعمل على الاطلاع على ما كتب عن هذه الشخصية ومعرفة موقفها حتى في أحداث لم ترد في العمل الدرامي الذي وظفت فيه، وهذا الاطلاع يمكنني من تعميق معرفتي بالشخصية، وبالتالي رسم الإطار الخارجي، وتوظيف أدواتها الخارجية وإن كانت شخصية مفترضة.فإنني أستدل على تكوينها الخارجي من تكوينها الداخلي وفعلها ورد فعلها تجاه الأحداث.

عموماً بعد كل ذلك، هناك حس فطري ، لا أعرف كيف أصفه أو أحدد معالمه واسميه.هذا المجهول الذي يعمل باللاشعور نتيجة دخولي إلى عوالم الشخصية بالدراسة والمعرفة فيشكل إطارها العفوي ويجعلها حية على الخشبة .

وعن النقد المسرحي يقول : أنا أرى الناقد المسرحي مبدعاً لا يقل درجة عن الكاتب أو المخرج ،وأن دوره في الحياة المسرحية يوازي دور صانعي العرض المسرحي وأن الخطاب النقدي المتطور في بلد ما يحتم تطوراً متناغماً مع الخطاب المسرحي في تلك البلد.وأن تخلف احدهما عن الآخر يشكل عرجاً في مسيرة المسرح.

في سورية كانت هناك نهضة مسرحية مع ستينات وسبعينيات القرن الماضي وشهدت خشبات المسارح عروضاً مسرحية متألقة ومتنوعة ولكن تلك النهضة والتألق لم يرافقهما خطاب نقدي على المستوى ذاته وقد يكون هذا أحد أسباب التراجع الذي كان لاحقاً. ولا زالت الكتابات النقدية هي مجرد انطباعات لا تدخل إلى جوهر العمل المسرحي وعمق تفاصيله ويغلب عليها التنظير من خارج العمل وليس من داخله، فبعض النقاد ينقدون ويقيمون ما يتخيلون أنه كان يجب أن يكون وكأن للفن رؤية واحدة هي ما تحمله أذهانهم .

وقد تحدث كثيراً عن ضرورة الدعم المادي والمعنوي للمسرح والعاملين فيه، لأنه وحتى الآن لم يتحقق لمسرح عربي  جاد شباك تذاكر يحقق موارد تتوافق مع ما يتطلبه المسرح من ميزانية تسد نفقات العرض المسرحي،وتؤمن دخلاً معقولاً للعاملين فيه، ولا زال المسرح الحقيقي بحاجة إلى رعاية المؤسسات المعنية له مادياً ومعنوياً.

للأسف المسرح بالمعنى الذي نعرفه له وبعيداً عن تلك الأعمال اللا مسرحية التي تقدم تحت ظل المسرح ، لا زال بعيداً عن تحقيق انتشاره الجماهيري الذي يحقق له تسديد مصاريفه وأعبائه، والمعادلة ذات طرفين..أولاً على المسرحيين أن يعملوا ويجدوا لإيجاد ذاك الخطاب المسرحي الذي يعمق جذور تواصلهم مع الناس والجمهور الواسع العريض، وثانياً على المؤسسات المعنية ان تمد يد العون والمساعدة للمسارح الجادة والمسرحيين الذين يعملون بصدق وإخلاص.. وعشق ومحبة.. ليتمكنوا من متابعة مشوارهم وقطع خطوات جديدة فيه.. فمن غير المعقول التعامل مع المسرح كالتعامل مع أية سلعة وإنما لا بد من اعتبار المسرح مشروعاً حضارياً وثقافياً  وعلى جميع الجهات التي تعمل من أجل رفعة الوطن وتقدمه أن تتبناه وتتيح له سبيل الحضور والتطور. المسرح في بلادنا لا يزال يحتاج إلى مؤسسات ترعاه،فمهامه أكبر من أن يحملها كتف فرد أو مجموعة أفراد.فهو مهمة عامة في أهدافها وفي رعايتها. 

والمتتبع للفنان سمير الحكيم يجد فيه فناناً شمولياً، متعدد المواهب الإبداعية على أكثر من صعيد، بالإضافة لما تم الإشارة له في هذا النص ، فهو إداري ناجح بجدارة، ومنظم مهرجانات من الطراز الأول ، بشهادة الضيوف ( نقاد، ومهتمين بالمسرح، أدباء وشعراء، إعلاميين ...) الذين تشرف بهم مهرجان حماة المسرحي على مدار دوراته الثمان ، كاتب ساخر، فقد كتب الخاطرة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، ومشروع رواية، لكن لم يسعفه القدر لإنجازها.وصحفياً لامعاً ، كتب في العديد من الصحف المحلية والعربية.

يقول في هذا الصدد : ان الكتابة الصحفية، والتعبير عن الذات بخواطر أدبية كان منذ أعوام مبكرة، وقد بدأت النشر في الصحف المحلية والعربية مع بدايات توجهي المسرحي. ولكن هذا لم يستمر إلا لسنوات قليلة ثم سيطر التوجه المسرحي على نشاطاتي وشغل كل مساحات الزمن وكنت أعود لأمثال هذه الكتابات في فترات مختلفة متقاربة ومتباعدة وذلك تبعاً للظروف والمشاغل.... وما تلح به الذات للتعبير بهذه الصيغة ،أو تلك، وقد كانت مكثفة ما بين عامي 1978 – 1984 وشبه يومية، بعد ذلك ابتعدت عن الكتابات لكثافة النشاط المسرحي الذي بدأته والمشاركة في المهرجانات المسرحية المختلفة. والحنين إلى الكتابة لا يفارقني ، لكنه لا يجد دائماً متسعاً من الوقت ، أو موضوعاً يلح في التداول.

في الفترة الأخيرة من حياته وإبان معاناته مع المرض العضال ، كان يكتب بشكل يومي  في الصحافة ، وكان له زاوية في الصحيفة المحلية ( الفداء ) اسبوعياً بعنوان ( ومضة ) يعبر من خلالها عما يجول بخاطره من أفكار وخواطر. وهي في غالبها تأتي ساخرة وأقرب للقصة القصيرة أو المسرحية، وكما في المسرح فقد كان شكل الكتابة يأخذ لبوسه من الفكرة.  

ونختم بهذا القول للفنان المرحوم سمير الحكيم الذي غادرنا صباح 13 / 8 / 2003 :

لابد للعاشق من المحن لاختبار عشقه...

لابد من ألم الولادة للفرح برؤية الوليد ...

ألم نأتي إليه مسكونين برغبات العطاء..

ولا بد لمن يعمل بالمسرح من العشق والألم فالفرح بالعطاء ..

وببساطة ينسحب من لا يحتمل الألم .. ومن لا يسمو إلى العشق .. ولكنه حتماً لا يجني الفرح ..

 

كنعان البني
 

   

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية