الـفـنـانـة : فـضـيـلـة عـسـوس .
" الـمـسـرح رسـالـة إنـسـانـيـة سـامـيـة "
-إنّ الـحـديـث عـن الـسـيـّدة فـضـيـلـة عـسـّوس يـتـطـلـّب مـن الـواحـد فـيـنـا الـتـنـقـيـب الـجـدّي فـي مـسـار حـيـاتـهـا الـحـافـل بـالـتـضـحـيـات ، الـجـسـام فـي سـبـيـل الـرقـيّ بـالـفـنّ لا سـيـمـا الـمـسـرح .
فـضـيـلـة عـسـوس واحـدة مـن الـلائـي تـألـقـن فـي الـعـطـاء الـفـنـّي دون هـوادة ،
وهـي مـن الـمـبـدعـات الـجـزائـريـات الـوفـيـّات للـخـشـبـة .
بـدايـتـهـا كـانـت مـع الـمـسـرحـي الـكـبـيـر عـبـد الـقـادر عـلـولـة بـعـاصـمـة الـغـرب الـجـزائـري وهـران ، وكـانـت الـبـدايـة مـع عـلـولـة سـنـة 1970 ، ولـمـّا اشـتـدّ عـودهـا انـطـلـقـت مـع الـمـبـدع كـاتـب يـاسـيـن فـي سـيـدي بـعـبـاس .
فـالإرهـاصـات الأولـيـة لـلـسـيـّدة " فـضـيـلـة " تـسـتـوقـفـنـا عـنـد عـدّة مـحـطـّات كـلـّهـا حـبـلـي بـالـمـعـانـاة و الآمـال والـتـحـديـات الـتـّي رفـعـتـهـا ومـا تـزال ذودا عـن الـرسـالـة الـنـبـيـلـة الـتـّي يـحـمـلـهـا كـلّ فـنـان دفـاعـا عـن الـمـبـادئ وتـرسـيـخـا لـلـقـيـم الـجـمـالـيـة .
إنّ عـمـلـهـا مـع الـمـسـرحـي الـمـبـدع " عـلـولـة " جـعـلـهـا تـدرك أنّ الـمـسـرح رسـالـة نـبـيـلـة وسـامـيـة ، إنـّهـا دعـوة لـلأمـل و الـتـّأمـل ، وقـد مـثـّلـت فـي عـرض " الـخـبـزة " مـجـسـّدة دور الـخـادمـة فـي بـيـت الأسـيـاد .
وفـي عـام 1973 إلـتـحـقـت بـحـركـة الـنـّشـاط الـثـقـافـي لـلـعـمـّال والـتّي كـان يـديـرهـا " كـاتـب يـاسـيـن " ، وقـد كـانـت أهـداف فـرقـة الـعـمـل عـلـى نـقـل الـعـروض إلـى الـمـنـاطق الـنـائـيـة ، ومـن خلال عـمـلـهـا عـلى مـسـتـوى الـفـرق تـقـمـصـت عـدّة أدوار حـيـث سـجـلـت مـشـاركـتـهـا فـي عـرض " مـحـمـد خـذ حـقـيـبتـك " ومـسـرحـيـة " فـلـسـطـيـن الـمـخـدوعـة " و " حرب 2000 سـنـة " الـتـّي لـبـسـت فـيـهـا دور الـكـاهـنـة ، هـذا الأخـيـر الـّذي أسـال الـكـثـيـر مـن الـحـبـر نـاهـيـك عـن عـرض " صـوت الـنـّسـاء " و " سـلاطـيـن الـعـرب " .
مـجـمـل الـعـروض الـتـّي جـمـعـتـهـا وحـركـة الـنـّشـاط الـثـقـافـي مـيـّزتـهـا الـلـغـة الـعـمـيـقـة ، الأفـكـار ذات الـنـبـرة الـصـادقـة بـبـعـديـهـا الـجـمـالـي و الإنـسـانـي .
أمـّا سـنـة 1978 فـقـد كـانـت مـرحـلـة جـدّ هـامـّة و مـؤشـرا فـعـّالا ، حـيـث أنّ فـرقـة" كـاتـب يـاسـيـن " هـي مـن فـتـحـت أبـواب الـمـسـرح الـجـهـوي لـسـيـدي بـلـعـبـاس ، والـذّي عـرف ركـحـه آنـذاك كـمـا لا بـأس بـه مـن الـعـروض الـمـسـرحـيـة أهـمـهـا " أنـت وأنـا " و " يـا بـن عـمـّي ويـن " لـمـحـمـّد بـخـتـي ، بالإضـافـة إلـى " الـجـلـسـة الـمـرفـوعـة " .
كـمـا سـجـلـت الـسـيـّدة فـضـيـلـة حـضـورهـا الـقـويّ فـي عـرض " مـسـحـوق الـذكـاء " لـكـاتـب يـاسـيـن ، وفـي نـفـس الـفـتـرة الـزمـنـيـة 1978 قـامـت الـفـرقـة بـجـولـة فـنـيـة تـنـضـوي تـحـت لـواء قـضـيـة الـصـحـراء الـغـربـيـة عـلـى مـسـتـوى الـجـنـوب تـحـديـدا بـتـيـنـدوف وقـد دامـت شـهـرا .
وفـي عـام 1980 قـامـت الـفـرقـة بـعـرض مـسـرحـي لـ " سـلاطـيـن الـغـرب "
و " فـلـسـطـيـن الـمـخـدوعـة " ، وقـد أكـّدت الـسـيـّدة فـضـيـلـة عـسـوس بـأنّ الـمـرحـوم كـان الأب الـروحـي الـذّي دعـّمـهـا وقـلـّدهـا مـسـؤولـيـة الـفـنّ وأسـمـى مـعـانـيـه وفـي عـرض " الـكـاهـنـة " و " عـائـشـة لـفـريـك " كـانـت الـمـرأة الـتـّي تـمـثـّل الـخـصـوبـة والـعـطـاء، وكـاتـب يـاسـيـن مـنـبـع كـلّ الـهـبـات والـسـّخـاء، إنـّه الـنـبـع الـصـافـي الـذّي تـذوقـت مـنـه مـعـانـي الـنـّضـال والـتـّحـدي و الـمـجـابـهـة، فـقـد رحـل بـها إلـى عـالـم الاحـتـكـاك ومـدّ جـسـور الـتـّواصـل لـتـحـقـق وجـودهـا وتـصـقـل مـلـكـتـهـا الإبـداعـيـة وتـطـور أدواتـهـا الـفـنـيـّة.
وفـي سـنـة 1992 أسـّسـت الـسـيـّدة عـسـّوس رفـقـة زوجـهـا " أحـسـن عـسـّوس " فـرقـة " لامـالـيـف " والـتـّي كـانـت ثـمـرة جـهـد سـنـيـن ومـراحـل هـامـّة جـمـعـتـهـم ، وكـاتـب يـاسـيـن كـان الـهـدف وراء تـأسـيـس الـفـرقـة لـتـكـويـن الـشـبـّاب ودعـم الـمـواهـب خـدمـة لـرسـالـة الـرّكـح ، وأوّل عـصـارة لـتـلـك الـفـرقـة كـان مـيـلاد مـونــولـوج تـألـقـت فـيـه نـجـمـة الإبـداع فـضـيـلـة " الـبـسـمـة الـمـجـروحـة " مـن تـألـيـف عـمـرفـطـمـوش و إخـراج أحـسـن عـسـّوس ، وقـد رسـمـت لـمـشـوارهـا مـن خلال " الـبـسـمـة الـمـجـروحـة " أرضـا خـصـبـة مـمـثـلـة الـجـزائـر الـمـطـعـونـة فـي زمـن الـحـرّيـات ، بـلـد الـمـلـيـون ونـصـف الـمـلـيـون شـهـيـد ، والـعـرض الأولـي كـان سـنـة 1993 وقـد كـان رهــانـا صـعـبـا طـبـعـه الـتـّمـرد و الـجـرأة فـي الأداء .
كـمـا جـسـّدت " نـجـمـة " فـي عـرض الـحـروب الـصـلـيـبـيـة بـتـاريـخ 22 مـن شـهـر جـويـلـيـة 1994 بصـفـاقـص ( تـونـس ) وكـانـت نـجـمـة بـالـنـسـبـة إلـيـهـا نـبـراسـا لـلـحـبّ والـسـلام والإنـسـانـيـة .
وقـد مـثـّلـت " الـبـسمـة الـمـجـروحـة " فـي عـدّة مـحـافـل عـربـيـة ودولـيـة ، سـرقـت بـهـا الأضـواء وسـجـلـت اسمها بـأحـرف مـن ذهـب ومـثـلـّت الـجـزائـر أحـسـن تـمـثـيـل .
عـمـلـهـا الـمـسـرحـي لـم يـثـنـهـا عـن الـوقـوف أمـام عـدسـة الـكـامـيـرا لاقـتـحام حـقـل الـفـنّ الـسـابـع لـتـمـثـّل فـي فـيـلـم " حـرب الأطـفـال " لـلـمـخـرج رشـيـد بـن عـلاّل سـنـة 1980 ،
و " تـاريـخ تـلـمـسـان " لـلـمـخـرج الـرّاحـل مـحـمـّد بـوعـمـاري عـام 1990 ، وخـاضـت تـجـربـة الـتـكـويـن بـإنـشـاء أوّل مـدرسـة بـإيـطـالـيـا " إيـطـالـيـانـو " .
السـيـدة فـضـيـلـة عـسـّوس لـم تـتـوار عـن الأنـظـار ، بـل عـادت بـقـوّة لـتـعـيـد الـصـلـة الـوثـيـقـة مـع الرّكـح والأضـواء ، وعـلـى هـامـش لـقــائـنـا بـهـا فـي إطـار فـعـالـيـات مـهـرجـان سـيـدي بـلـعـبـاس لـلـمـسـرح الـمـحـتـرف 2008 ، اتـضـح أنـّها نـفـس الـسـيـّدة الـتـّي لا تـأبى للاسـتـسـلام و الـتـّراجـع .
التعليقات