مواضيع للحوار

القصة القصيرة جدا من خلال وجهات نظر عُمانية وعربية

القصة القصيرة جدا من خلال وجهات نظر عُمانية وعربية

534 مشاهدة

الدكتور #جبار _خماط حسن

# مشاركتي استطلاع حول القصة القصيرة جدا، مع مجموعة من الاعزاء من سلطنة عمان والعرب   في جريدة الوطن العمانية

الرئيسية / ثقافة وفنون / #القصة القصيرة جدا من خلال وجهات نظر عُمانية وعربية

المصدر: http://alwatan.com/details/430246?fbclid=IwAR3TrCpiX1UGAa2iNtaHNqMIgJF8VHYfFI26v71YBL1-s8yvytu5d_lK1PQ

القصة القصيرة جدا من خلال وجهات نظر عُمانية وعربية

ثقافة وفنون 5 يوليو,2021

بين دهشة الصورة السردية وكثافة اللغة الأدبية

■■ مسقط – العمانية: يعد فن القصة القصيرة جدا، من بين الفنون السردية التي انتشرت منذ فترة ليست بالقصيرة، ولاقى استحسان متلقيه، حيث دهشة الصورة السردية وكثافة اللغة الأدبية في مضامينه، إلا أنّ هناك مَن لا يتّفق مع حقيقة ماهية هذا الفن لأسباب قد تكون فنية لا أكثر. في السلطنة والمنطقة العربية هناك مَن كتب هذا النوع من الفن وبشغف كبير، وكوَّن مساحة خاصة به، لأجل هذا انبثق عدد من التساؤلات في شأن هذا الفن قرّبنا من خلالها وجهات نظر عُمانية وعربية، وتمثلت تلك التساؤلات في ماهية التفسير الأدبي الفكري لفن القصة القصيرة جدًا وهل من الممكن أن نُعده وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العربي؟

 وماذا عن القواسم المُشتركة بين القصة القصيرة جدًا والومضة الشعرية؟ كما أن البعض يرى أن هناك استسهالا في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، كيف لنا أن نوازن هذه المعادلة، ونقنع القارئ بأقل عدد من الكلمات؟ ■■

الدكتور "سعيد بن محمد السيابي" وهو قاص ومسرحي يُجيب على تلك التساؤلات بحديثه بدءًا من تفسيره لهذا الفن ويقول: إن القصة القصيرة جدًا هي تطوُّر كتابي لم يكن وليد اللحظة، إنما مثلها مثل جميع الأنواع السردية التي خضعت لتراكمات فعل التجربة الكتابية واستمراريتها، والدليل أنها كُتبت بمعظم اللغات العالمية المعروفة بما فيها لغتنا العربية الفصحى. وناقشت القصة القصيرة جدًا واستعرضت القضايا الإنسانية بمختلف أنواعها من الاجتماعي إلى السياسي والاقتصادي والفكري والقضايا المطلقة وحتى الضيقة منها لموقف أو لجنس بشري أو لمكان جغرافي. ما أود التأكيد عليه أن القصة القصيرة جدا كلونٍ سردي حجزت تذكرة محبتها من إقبال القراء ودراسة النقاد لها وهي موجودة بفعل الواقع الكتابي الذي يستفيد من تقنيات الاختزال وموسيقى الكلمة وقوة الفكرة التي تطرحها القصة القصيرة جدا. وما إذا من الممكن أن نُعدّه وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العربي وعن القواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدًا والومضة الشعرية يقول السيابي: تجارب الكتابة الإبداعية لا تخضع إلا لمعيار القبول والرفض من القرّاء وما يحاول البعض من إخضاع وصايته على جودة المنتج الكتابي تظل وجهة نظر قائلها حتى لو تمثل ذلك في مجموعة رافضة أو مدرسة نقدية متشددة (مثلما واجه شعر النثر الرفض بداية تداوله).

ومع ذلك شخصيًا اتّفق مع وجود انتشار في كتابة القصة والرواية في هذه الفترة التاريخية من القرن الحادي والعشرين وله ما يبرّره بوجود سهولة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي ووجود الطمع المادي من قِبل بعض دور النشر التي تستسهل النشر دون تحقق ملكة الموهبة ودون المراجعة اللازمة التي تجعل من قيمة الرصانة الأدبية للكتابة والكاتب من خلال اللغة السليمة وتكرار الأخطاء الإملائية في معظم النصوص المكتوبة. وحول ما يراه البعض أن هناك استسهالا في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، يشير السيابي إلى كيفية موازنة هذه المعادلة، وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات وهنا يوضح: شخصيًا ككاتب لهذا النوع من السرد أجد أنه ليس من السهولة الاستمرار فيه دون أن يكون هناك استعداد شخصي بالقراءة المستمرة في تجارب سابقة في القصة ودون الإبحار في المخزون المعرفي والذاكرة المصوّرة التي تحتفظ بتفاصيل لامعة لأحداث طويلة في هيئة ومضة مكثفة لها .. وختامًا نحن نعيش تجارب كتابية لها متابعون مستمرون من القراء وشغفهم لقراءتها متواصل بمتابعة الإصدارات الجديدة.

أما الدكتور الكاتب والأديب العراقي "جبار خماط حسن" فيُبدي تفسيره لفن القصة القصيرة جدا، وما إذا من الممكن أن نُعدّه وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العرب، وما يتعلق بالقواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدًا والومضة الشعرية وهنا يوضح في حديثه: إن خوض مغامرة الكتابة الأدبية، أشبه بمحاولة الرسم بالكلمات على جدار الروح، لا نهائي ولغز وحميمي في الوقت ذاته، والمبدع من خالف القناعات الجاهزة، وأنتج مغايرة في بنية اللغة وخطابها التواصلي مع القارئ؛ إنها لحظة الإبداع شاردة من عمر الزمان، يتلقفها المبدع في اختيار، ويجعل منها ضرورة لوجوده الذاتي والموضوعي، وإلا ما الذي يجعل الكاتب يختزل العالم والخبرة البشرية في عبارة أو بضع كلمات يضع لها نسقًا أدبيًا.

وفي السياق ذاته يضيف خماط: من بين المهارات اللغوية في عالم المدونات الكتابية، القصة القصيرة جدا، أو نص الصدمة، أو فن صناعة الدهشة بأقل الكلمات، تسعى من خلال السرد، إلى ربط الحكي ـ السرد بالفعل ـ الذات بوصفها شخصية متمركزة في جسد النص، تنتقل إلى القارئ بوساطة حمولة اللغة.

وفيما يراه البعض أن هناك استسهالاً في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، يخبرنا خماط بالمعادلة هنا وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات ويؤكد من خلال حديثه: ما أراه ليس استسهالاً بل قدرة فلسفية ضمنية في اختزال فهمنا للحياة بكلمات معدودات، وأجده ليس أمرًا هيّنًا، بل قدرة إبداعية على انتقاء الفكر والحدث الذي وإن استطال فإن التعبير عنه بأقصر العبارات. إن قابلية الكاتب على الاختزال والتكثيف والتضمين البلاغي للإشارات المكانية والزمانية، تعطي للنص القصصي القصير جدًا فاعلية اتصالية، تتيح له الإمساك بالقارئ وكأنه اصطياد جمالي مثير ومقنع، يحقق أفقًا مدهشًا في أفق مستقبل القراءة للنص، ولهذا يحاول الكاتب ربط الحدث بالحكاية وكأنها متلازمة أدائية في النص القصصي القصير؛ لأن أية متن سردي لا بد من فكرة تتم معالجتها من خلال أحداث مركّزة، تؤديها شخصيات حاضرة وغير حاضرة في الحدث السردي، ضمن معمار زمني متسلسل أو متقاطع أو هابط سرعةً وبطيء، في بنية لغوية وأسلوبية؛ للتعبير عن الفكرة المتحكمة بالنص.

في حيثيات وإطار فن القصة القصيرة جدًا هنا تفسّر الكاتبة العُمانية "زوينة سالم السليمانية" هذا الفن وتشير إلى إمكانية اعتباره وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العربي من عدمه وتقول: هو وميض قوي وموجز ومثير للدهشة، ورغم قصره هو نص مكتمل وليس شظية من نص لا يكتمل إلا بما يليه، نص مختزل جدًا لكنه يستطيع أن يغمر القارئ في عمقه في لحظة، وينعطف به في لحظة أخرى، كل كلمة فيه تسوى عبارة في رواية، كل فاصلة تساوي كلمة، وكل نقطة تساوي حرفا. وفي ذات السياق توضح السليمانية: أعتقد أن القصة القصيرة كشكل أدبي قديم قدم اللغة، فالبشرية عُرفت عبر تاريخها الطويل، عرفت أشكالاً مختلفة من القصص القصيرة التي حملت في طياتها الدعابات، والحكايات والأساطير القصيرة والنصائح. وعرف العرب القصص القصيرة في الآيات القرآنية أيضا، لكن كل هذه الأشكال في تقديري لا تشكّل القصة القصيرة كما تم تعريفها منذ القرن التاسع عشر، رغم أنه يمكن اعتبارها البيئة التي ترعرعت فيها القصة، كما أنه لا يمكن اعتبار القصة القصيرة امتدادًا طبيعيًا لنصوص التوقيعات نظرًا لطبيعة نصوص التوقيعات البعيدة عن السرد بكل محتويات الحبكة؛ ففن التوقيعات كما نعلم قد يكون إبداعًا من ذات الكاتب ولكن أيضًا كان فيه قدر كبير من الاقتباسات والتضمين من القرآن والأحاديث والأمثال والأشعار، لا تراعى فيها عناصر القصة القصيرة جدًا مثل (أُدن من الموت توهب لك الحياة). وعن القواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدًا والومضة الشعرية تشير الكاتبة السليمانية: من الناحية التاريخية على الأقل، كان يُنظر إلى الشعر على أنه أفضل طريقة لرواية أي قصة؛ بمعنى أن الشعر ممكن أن يكون هو أصل الكتابة الأدبية، شعرها ونثرها، الكثافة والاستعارات تقرب القصة القصيرة جدًا من الومضة الشعرية، ولكن القوافي والحبكة تصنع الفارق بين النوعين، رغم تداخلها خلال الكتابة. وفيما يتعلق بالاستسهال في كتابة هذا الفن السردي، كما أنه في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، ولأجل الموازنة في هذه المعادلة، وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات تقول الكاتبة زوينة السليمانية: البعض يرى أن هناك استسهالاً في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، وكتابة القصص القصيرة أمر صعب للغاية إذا كنا نريد كتابة نص جيد، وسهل إذا كنا نريد فقط التلاعب بالكلمات، نحن عندما نكتب نميل إلى التطويل مدفوعين بتدفقنا وهذا يجعل كتابة رواية أسهل من كتابة قصة قصيرة جدًا جيدة، الأمر يشبه الفرق بين قول شيء بمجموعة لا متناهية من الكلمات أو قوله بكلمات قليلة منتقاة بعناية، ناهيك عن تحديات أحكام الحبكة وكتابة النهاية المدهشة، حيث يحتاج الكاتب لمهارة لغوية واسعة، ورؤية ذات أبعاد، والأهم القدرة على الاختزال دون فقدان عناصر القصة ودهشتها. لا يبتعد الكاتب والناقد الكويتي "فهد الهندال" عن خصوصية الطرح أعلاه فهو يفسّر فن القصة القصيرة جدا، ماهيته، وإذا من الممكن أن نُعدّه وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العربي، ويوضح تلك القواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدًا والومضة الشعرية حيث يقول: فن “ق.ق.ج” أحد التعبيرات التي استفادت منها المنظومة الاتصالية الجديدة للإنسانية ولو بشكل غير مباشر، وأعني بذلك منشورات التواصل الاجتماعي التي تحتمل المعنى الكبير وسط التعبير القصير. فأعتقد أن فن القصة القصيرة ساهم في اختصار العالم في بضع كلمات، ينحصر شكلها في الجملة الواحدة ولا تتجاوز الفقرة الواحدة. اضافة إلى ذلك، الدهشة التي تحدثها، والمتعة التي تسحب فضول المتلقي لمتابعة منجز كاتبها، وهذا يعتمد على براعة التكثيف اللغوي والرمزية العالية. وفيما يتعلق برؤية البعض أن هناك استسهالاً في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، هنا يخبرنا الهندال عن كيفية موازنة هذه المعادلة، وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات ويؤكد بقوله: القصة القصيرة جدًا لا تعيش على سطح المباشرة والتقريرية، وإنما تحلّق إلى أعلى فضاءات العوالم الممكنة، وتؤدي الذاتية دورًا مهمًّا في جانب كبير من تلفظها؛ فتجربة الكاتب واتصاله بالعالم المحيط مهمة غير يسيرة في ترجمتها لنص قصة قصيرة جدا، ولا تختلف في ذلك عن مهمة الشاعر وتجربته الذاتية مع شعره. وفي لقاء سابق وقديم، ذكرت أن القصة القصيرة جدًا سلسلة المثل والقول السائر؛ لكونه يولد من رحم حدث أو موقف معين مر به أو شهده المُتلفّظ، ولو كان مجهولا، لذلك، ليس يسيرًا ولا في المتناول أن يحترف من كان هذا الفن الصعب دون عمق لغوي وفكري، ودون امتلاك جماليات رسم العناوين التي تعدّ بوابة الدخول والخروج للنص. وهنا استغرب ممن يستسهل إطلاق مصطلح القصة القصيرة جدًا على ما يعتقده من كتابات قد لا تتعدى نكتة أو تغريدة أو منشورًا منغلقًا في المباشرة والسطحية. باختصار، فن القصة القصيرة جدًا هو فن الممكن، فن التأويل، فن الانفتاح على عوالم متجددة من الوعي، وتجدد السياق، وأعتقد بأن فن القصة القصيرة جدا، هو أيضًا وريث ثقافة اللغة العربية، شأنها في ذلك شأن بقية الثقافات اللغوية العالمية. في شأن هذا الأمر تجيب الكاتبة والأديبة البحرينية "فتحية ناصر" وتشير مفسّرة فن القصة القصيرة جدا، وإذا من الممكن أن نُعدّه وريثًا لنصوص التوقيعات في التراث العربي، أضف إلى ذلك الكشف عن القواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدا والومضة الشعرية، وهنا تقول إنه بالفعل يمكن اعتبار فن القصة القصيرة جدًا الوريث (الفني) لنصوص التوقيعات في الأدب العربي؛ ذلك أنها تعتمد كثيرا من الخصائص التي احتوت عليها التوقيعات، من الإيجاز ودقة الصياغة ومتانة التركيب، كما تتسم، مثلها، بجمال الألفاظ وقوة المعنى والتأثير، ولكن من ناحية أخرى، فإن التوقيعات ارتبطت حصرًا بالساسة والمتنفذين وأدّت دورًا في توجيه الواقع السياسي آنذاك، وهو دور يمكن بالطبع للـ “ق.ق.ج” أن تؤديه اليوم أيضا، بالإضافة إلى أدوار كثيرة أخرى، فيمكنها أن تمارس النقد الاجتماعي وتسلط الضوء على حالات ومواقف إنسانية وتوجهات فكرية عديدة؛ أي أنها ليست محصورة فقط في الجانب السياسي والخطاب الرسمي. القصة القصيرة جدًا يمكنها أيضًا أن تكون حكمة، أو حتى نكتة، أما علاقتها بالومضة الشعرية، فإن اتكاء القصة القصيرة جدًا على التكثيف، كما احتوائها على الإيقاعات الموسيقية، كل ذلك يجعل منها قريبة من الومضة الشعرية، ولكن تبقى القصة قصة متميزة ببنائها التركيبي ومكوناتها السردية، ومهمًّا آمنًا بتداخل الأجناس واستعارتها آليات بعض، شريطة توظيفها توظيفًا صحيحًا، فإنه لا بد لنا من حد أدنى يفصل بينها. وفيما يخص برؤية البعض أن هناك استسهالاً في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، والعمل على موازنة هذه المعادلة، وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات تقول الكاتبة فتحية ناصر: يبدو لي أن استسهال الكتابة في هذا الفن نابع من فكرة أن القصة القصيرة جدًا تتطلب عددًا قليلاً من الكلمات، مما يعني في تفسير البعض أنها ستستغرق وقتًا أقل في الكتابة وبالتالي أيضا ستكلفك جهدًا أقل! لكن الأمور لا تسير بهذا المنطق في الإبداع بطبيعة الحال. أن تختصر زمنًا طويلاً بأحداثه الكثيرة وتقدّم للقارئ فقط خلاصة تلك الأحداث بكلمة واحدة، راجيًا أن تكون الكلمة كافية لتوضيح كل شيء، هو أمر في غاية الصعوبة. إنه يعني أن عليك القيام بعملين متناقضين في الوقت نفسه: تختصر كل شيء، وتوضح كل شيء. وإذا وُفِّقت في تجاوز هذه العقبة بنجاح فإنّ هناك أمرًا آخر يخشى منه، وهو أن تجاوز التفاصيل قد لا يحدث ذات التأثير كما لو شرحتها كلها، وأيضًا قد يتسبب في عدم إقناع القارئ وبالتالي خسارة تعاطفه. وتشير في ذات السياق: إن القصة القصيرة جدًا فاتنة بلغتها المجازية، وباعتمادها المفارقات و(اللعب اللغوي)، وهي تشعرك بلذة التعبير الموجز، لكنها تمثل تحديًا للكاتب الذي يبذل جهده، كي لا يقول أكثر من اللازم.

الكاتبة العمانية "بشاير حبراس السليمية" وهي تختم هذا التطواف الأدبي، تقولها صراحة إنه لا يمكن أن نُطلق على أي نوع من الكتابة القصيرة القصة القصيرة جدا. لبشاير مجموعة قصص قصيرة جدا “شبابيك زيانة” صادرة عن مجلة نزوى في يناير ٢٠٢٠، وضمت المجموعة ٤٢ قصة، وهنا تشير في تفسيرها لفن القصة القصيرة جدًا وما إذا من الممكن أن نعده وريثا لنصوص التوقيعات في التراث العربي، وعن القواسم المشتركة بين القصة القصيرة جدا والومضة الشعرية بقولها: القصة القصيرة جدا بالنسبة لي بالون لا يحتمل أن تنفخ فيه من الهواء أكثر مما يحتمل وإلا ضاع منك؛ لأنه يتطلب إيجازًا وتكثيفًا في الفكرة والحدث، وأعتقد أنه يمكن أن نصنع من كل حدث قصة قصيرة جدا، لكن لا يمكن لكل فكرة أن تكون قصة قصيرة جدا، ورغم ذلك هناك مَن يكتب فكرة ويطلق عليها قصة قصيرة جدا، وهناك مَن يكتب حكمة ويطلق عليها قصة قصيرة جدا، ولكنهما (الفكرة والحكمة) ليستا كذلك إطلاقا؛ فلا يمكن أن نطلق على أي نوع من الكتابة “قصة قصيرة جدا” لمجرد أن عدد كلماتها قليل، فالمسألة لا تكمن في القصر وحسب. وأجزم أن القاسم المشترك بين القصة القصيرة جدا ونصوص التوقيعات الذي أشرت إليه هو القصر وحسب، إضافة إلى الإيجاز والتكثيف، ولا أظن أن هذا أيضًا يجعلهما شيئًا واحدًا ولا يجعل من القصة القصيرة جدًا وريثة لنصوص التوقيعات.

وعما يرى البعض أن هناك استسهالاً في كتابة هذا الفن السردي، في المقابل هو فن صعب ويرتكز على التكثيف والإيجاز، وكيفية موازنة هذه المعادلة، وإقناع القارئ بأقل عدد من الكلمات تقول السليمية: أعتقد أنك إذا كنت قادرا على إنهاء قصتك القصيرة جدًا بقفلة مدهشة بعد أن تكون قد كثفت وأوجزت بشكل مترابط، ستستطيع أن تقنع قارئك بالنوع الذي تكتب، سيدرك كيف أنك أدهشته في القليل من الكلمات. لعل الاستسهال – الذي أعتبره الدبوس الذي يهدد البالون الذي نفخ ببراعة – هو من صنع النظرة السائدة بأن هذا الفن يكتبه “مدّعو الموهبة” كما قال أحدهم في مقال لست أذكره الآن. وعلى الرغم من أن القصة القصيرة جدًا فن صعب فإن عدم تقبُّل القراء له أو شكهم به يزيده صعوبة.