أخبار أدبية

الكاتب المسرحي  عمار نعمة جابر  مسرحية  رماد

الكاتب المسرحي عمار نعمة جابر مسرحية رماد

798 مشاهدة

الكاتب المسرحي  عمار نعمة جابر  مسرحية  رماد

#عمار _نعمة _جابر

14/04/2020

الأول : تفضل يا سيدي

الثاني : ما هذه العلبة !

الثالث : نحن نعتذر منك ، ونبلغك التعازي .

الثاني : ولكني لا أفهم ما تعني ، ماذا يوجد في هذه العلبة ؟

الأول : سيدي يوجد في هذه العلبة رماد .

الثالث : لا تقلق سيدي ، انه مجرد رماد .

الثاني : رماد !

الأول : نعم رماد جثة زوجتك .

الثاني : ( مصدوما ) زوجتي !

الثالث : نعم سيدي ، لقد ماتت في المستشفى ، وطلبت قبل موتها أن نحرق جثتها .

الثاني : ولكن كيف فعلت ذلك بنفسها !

الأول : نحن نقدر مدى حزنك وألمك ، ولكنها أوصت بذلك ، وأن ينفذ بسرعة .

الثاني : ولكني كنت معها في المشفى ، حتى المساء يوم أمس .

الثالث : تقول أنها لا تريد قبرا ، ولا حتى عزاء .

الأول : وكتبت أيضا في وصيتها ، أنها كانت تخجل كثيرا من جسدها ، ولا تريده بعد الآن .

الثاني : لكنها كانت زوجة مطيعة ومسالمة ، كيف فعلت ذلك بنفسها !

الثالث : نحن مجرد رجلان من الامن كلفنا المستشفى بتسليمك الرماد ، حسب وصيتها المسجلة .

الأول : وقد قرأنا نسخة من وصيتها الموجودة في دار العدالة في وسط المدينة .

الثالث : كانت زوجتك تشعر بالعار من جسدها ، تعتقد أنه جبل ثقيل ، كانت تحمله على كتفها .

الأول : نعم فعلا يا سيدي ، كانت تراه عار وخطيئة .

الثاني : ولكنها لم تتحدث معي في هذا الموضوع ، طوال العشرين عاما التي قضيتها في الزواج منها .

الثالث : نحن لا نعرف سبب هذا الموقف ، ولكن يبدو انها كانت تعاني كثيرا .

الأول : وبصراحة اكثر يا سيدي ، لا نعرف سبب عدم صراحتها معك بخصوص ذلك .

الثاني : لقد كانت بطبيعتها قليلة الكلام .

الثالث : هل كنت تراها حزينة أغلب وقتها ؟

الثاني : مطلقا ، لقد كانت ، كانت ( لحظة ) نعم لقد كانت حزينة أغلب وقتها .

الأول : وهل سألتها عن حزنها ، خلال هذه العشرين عاما .

الثاني : لا ، لم يحدث أن سألتها أبدا .

الثالث : امرأة تعيش معك عشرون عاما ، ولم تسألها عن سبب حزنها .

الثاني : أمي هي الأخرى ، كانت حزينة مثلها .

الأول : عفوا ، وكيف ماتت أمك .

الثاني : لا أتذكر .

الأول  : ولكنها كانت أمك .

الثالث : حسنا ، نحن نتفهم ذلك الان .

الثاني : هل استطيع أن أقرأ نسخة من وصية زوجتي ؟

الأول : آسف سيدي ، هذا غير ممكن .

الثاني : ولكنها زوجتي !

الثالث : الوصية معنونة الى رئيس دار العدالة فقط ، وفيها شرط عدم قراءتك لها .

الثاني : ولماذا ، ماذا كتبت فيها !

الأول : لقد كتبت الكثير من التفاصيل .

الثاني : كيف أمكنها أن تفعل ذلك بي ، أنا لم أفعل لها شيئا سيئا .

الثالث : أنت لست كل المشكلة ، انت فقط جزء من مشكلة هذه السيدة .

الثاني : ولكنها زوجتي ، لم يحدث أن اخبرتني عن هذه المشاكل التي تتحدث عنها !

الأول : تقول أنك بلا شعور ، عفوا ، لاستخدام هذا اللفظ الجارح سيدي ، ولكنه مذكور حرفيا في وصيتها ، أكرر أسفي .

الثاني : لا أصدق ذلك ، لم يحدث أن أخبرتني بذلك !

الثالث : ربما كانت تخبرك ، ولكن أنت لا تهتم لما تقول .

الثاني : لماذا لم تؤكد علي ، تنبهني أكثر من مرة ، تحاول أن تشرح لي .

الأول : ربما تكون فعلت ذلك ، ولكنك بلا شعور كما قالت ، عذرا سيدي لخشونة اللفظ .

الثاني : لا تعتذر ، زوجتي هي من قالت ذلك ، ولكن أنا في صدمة ، كأنني أعرف زوجتي الان فقط !

الثالث : كم طفل لديكم ؟

الثاني : لا أحب انجاب الأطفال .

الأول  : قالت انها كانت تتمنى أن تنجب خمسة أطفال .

الثاني : زوجتي !

الثالث : وتقول أنها تشعر بوحدة فضيعة من جراء عدم موافقتك على انجاب طفل .

الأول : زوجتك يا سيدي كانت تعاني ضغوط كبيرة في حياتها .

الثاني : وكأنكم تتحدثون عن شخص لم أقابله في حياتي ، شخص لا اعرفه ، وليست زوجتي التي تعيش معي لعشرين عاما .

الثالث : الواضح أنها هي من كان يعيش معك فقط ، أما أنت فكنت لا تقيم وزنا لوجودها ، لقد حددت أنت كل شيء ، وفرضت عليها قواعدك الخاصة ، دون مراعاة لرغبتها وخصوصيتها ، سيدي لقد كنت تتحكم حتى بشكل مشيتها ، وما قد يبدو من جسدها من خلف ملابسها ، وتتحكم بحركاتها ، وضحكاتها ، وتمرر يديك على وجهها لتتأكد أنها لم تضع ماكياج ، كنت تشعرها بالعار من جسدها ، ومن كون أنها انثى .

الأول ، زوجتك قررت أن تحرق جثتها بسببك أنت ، بسبب كل هذا العنف الكامن خلف تصرفاتك معها ، لقد حولتها الى كائن منبوذ وتافه .

الثاني : ولكنها لم تخبرني كل ذلك ، نعم ، أذكر أنها طلبت مني أن أغير طريقة تعاملي معها ، أن أحاول فهمها ، أن أتفهم شعورها .

الأول : ومن الطبيعي أنك لم تحرك ساكنا تجاه كل ما قالت لك .

الثاني : وهل ما قالت لي هو شيء خطير ؟

الثالث : إنه بحجم درب التبانة يا سيدي ، لا يعقل ما فعلت بها .

الأول : حسنا ، لقد طلبت في وصيتها أن لا يتم تحميلك مسؤولية ما جرى لها قانونيا .

الثالث : خذ يا سيدي ، خذ رماد زوجتك .

الثاني : عفوا ، في رأيكم ، ماذا قد يفعل شخص مثلي بهذا الرماد ؟

الأول : يعتذر من صاحبته ، يعتذر كثيرا  .

الثالث : أو يذهب الى الجحيم .

عمار نعمة جابر