المؤتمر الفكري في يومه الخامس
مهرجان المسرح العربي بالأردن
فيزياء الجسد ومكاشفات" مجد القصص"
تطبيقات في البيوميكانيك لــ "فاضل الجاف "
بــقـلـم : عـباسيـة مــدونـي- الــجزائــر
فعاليات المؤتمر الفكري ضمن المحفل العربي لمهرجان المسرح العربي بالأردن بإضاءاته ومكاشفاته ووقوفه عند عديد التجارب الفنية والإبداعية ، وفي يومه الخامس من البرنامج المسطر ، تفتتح جلسته الأولى الدكتورة " مجد القصص" والتي أدارها الدكتور" نضال نصيرات" ، وقد أضاءت " القصص" من خلال الجلسة أبعاد فيزياء الجسد في تجربة المسرح الحر من الاردن ، وقد قسمت ذلك عبر مرحلتين زمنيتين ، الأولى خاصة بتغليب الجسد والصورة على حساب النص الدرامي مع تغييب الحكاية واعتماد تقنية " الكولاج" مستدلة بمثالين في مسرحيتي " قبو البصل" و" سجون " .
في حين المرحلة الثانية تتسم بالعودة إلى النص الذي يشغل حيزا اكبر والحكاية دونما التخلي عن لغة الجسد كأيقونة ومسرح الصورة ، هته التجربة التي استهلتها " مجد القصص" سنة 2014 بعد أن حازت على شهادة الدكتوراه وهي تحاول وتسعى جاهدة إلى جسر الهوّة المتواجدة ما بين المشاهد والعمل المسرحي .
كما استذكرت مراحلها التي دعمت مسارها ، بداية من مرحلة دراستها للعلوم السياسية بالجامعة الأردنية إلى مشاركاتها بأعمال تلفزيونية وتجربتها مع فرقة الفوانيس حيث قدمت معهم مسرحية " دوم دوم تك" عن بريخت ، لتصل إلى عملها المستقل وتركيزها على مكونات الجسد والتقنيات ذات الصلة بفيزياء الجسد .
وفي عرضها لسلسلة من أعمال الفرقة ن بينت ان مسرحية " قبو البصل " تعتمد على قصة الكاتب الألماني " غونتر غراس" وقصة أخرى للكاتبة " بسمة النسور" بعنوان " اعتياد الأشياء" ، وكانت تقنية الشعر من التقنيات التي منحت النص المسرحي عروبته .
وعن حركات الجسد أردفت " مجد القصص" أنه تم اختيار حركات الجسد من الحركات العادية اليومية والتي بدورها خضعت إلى الأسلبة ، وكذلك من الحركات التجريدية لإيصال رسالة العمل المسرحي ، وحول الأنموذج الثاني أضافت أن مسرحية " القناع " جاءت بلا حوار ، وتحولت فيه المرأة من خلال مفرداته إلى سلعة من الإعلانات التجارية والفيديو كليب ، في محاولة الوقوف عند قضايا المرأة وتعرية القمع والتسلط الممارسين عليها .
وقد اعتمدت في هذا العمل على تقسيمه على قسمين أولا كان الارتجال من طرف الممثلين لمحاكاة قهر المرأة ، مع استخدام حركات من الرقص الحديث ، ثالث أنموذج عرضته " مجد القصص" كان مسرحية " بوابة 5" وهي تنتمي إلى المرحلة الثانية ، وكتب النص الاديبة " ليلى الأطرش" بأسلوب الكوميديا السوداء تماشيا والرؤية الإخراجية ، حيث تحويل بعض المشاهد من العرض المسرحي إلى صور بصرية وموسيقية ، مع استخدام الغناء الحي على الركح ، وأضافت بأن :
" هذا العمل المسرحي مثّل بداية الانحراف عن مسرح فيزياء الجسد من خلال تكسير بنية النص إلى تقديم النص وفق مقدمة وسط وخاتمة ، دونما التخلي عن جسد الممثل اتوصيل فكرة العرض "
هذا ، وأوضحت أن فرقة المسرح الحديث تسعى من خلال أعمالها إلى تعريف الجمهور بمسرح فيزياء الجسد كنوع فني جديد ، مع الابتعاد عن النمطية حتى يتم تحقيق المتعة والذائقة الجمالية روحا وفكرا ، مع المزج بين مسرح الجسد ومسرح الصورة ، من خلال الورشات التي تعمل على تقديمها الفرقة على مستوى الجامعات والمدارس للتعريف بهذا الفن ، أين تمّ تقديم سلعة عشر (17) ورشة لحد الآن .
وفي نشر مسرح فيزياء الجسد تم تحقيق الكثير من الغايات والأهداف ، وحقق الوصول الى المضمون بحكم كمّ الورش والتجارب المقدّمة ، بخاصة وأن الفرقة اتّكأت في عملها على التعاون مع أكثر من مدرب ومدربة لإيصال صدى أفكارها ، بالاستعانة بخبراء وراقصين ومدربين ذوي اطّلاع على مدارس الرقص العالمية مازجة ما بين الحداثة وما بعد الحداثة .
لتبقى تجربة فيزياء الجسد من التجارب الرائدة ، بخاصة وأنها تسعى لربط جسر تواصل مع المتلقي وحمله على الانفتاح والمشاركة في الأعمال المسرحية ، برؤى إخراجية واعدة ، وأن هذا المسار من التجربة يعدّ تيارا متجدّدا بحضور إبداعي وازن ورصين هي التي تقاوم ( مجد القصص) من خلال المسرح ، طارحة قضايا الأمة ، إذ ترى في تلكم المقاومة نبع شغف هي العارفة بأدوات المسرح والتي ما تزال تتعلم ضمن هذا الإبداع الساحر .
جلسة ثانية من فعاليات اليوم الخامس للمؤتمر الفكري كانت للدكتور " فاضل الجاف " وهو يستعرض تجاربه أين قدّم بيانه النظري لتجربته المسرحية التي انبثقت من أفكار مسرحيين عالميين هو الذي صرح انه بدا حياته المسرحية منذ ان عرف نفسه ، ممثلا نشطا في خضم فعاليات المسرح المدرسي بمدينة كركوك ذات الثقافات المتعددة بقومياتها واديانها المختلفة .
وأن بداية تكوينه الاساسي في الجامعة انصب اهتمامه من خلالها على دراسة فن الممثل حسب منهج " ستانسلافسكي" في الواقعية النفسية ، منهج اعتمده غالبية اساتذة المسرح في اكاديمية الفنون ، محاولا التعمق فيه بشغف وتفان .
مشيرا الى تاثير قراءة كتاب " فن المسرح " لــ" مايرهولد" الذي ترجمه الدكتور" شريف شاكر" وهو من اهم الكتب النظرية في علم المسرح ، أين كان هذا الكتاب نقطة تحول في مسيرته الفنية مكنته من فهمه جوهر المسرح .
تناول بعد ذلك ، تجاربه النية في أكثر من محور ، ومنها كونه مخرجا أين تشكلت رؤيته الاخراجية وتبلورت عبر عديد المراحل وهو يشرف على اخراج مسرحيات من التراث المسرحي العالمي ، مسرحيات شكسبير ، موليير ، إبسن ، بيكت ، كولتيس وغيرها بخمس لغات وهي العربية ، الكردية ، السويدية ، الإنجليزية والروسية وببلدان عربية وأوربية ، أين شكل ذلك أرضية خصبة ذات ثقافات وروافد إنسانية في تكوينه مخرجا ، مدربا وباحثا مسرحيا .
وأضاف أنه وفي كتابه " فيزياء الجسد" حاول ان يبين للقارئ العربي التكوين الإنساني الشمولي متعدد المصادر والمناحي لمنهج " مايرهولد" ، محاولا عقد صلة متينة بين اهمية هذا الثراء الانساني وبين مفهوم " ماير هولد" لممثل الغد او المستقبل ، مؤكدا أن " البيوميكانيك ليس مجرد سلسلة من التمارين المتقنة في الجسد او الحركة بل هو يمثل منظومة متكاملة تمتلك كل مقومات وخصائص المنهج المسرحي في فن التمثيل" .
ومن تلكم القناعة ، استهل " فاضل الجاف" التأسيس لتجربته الفنية في الاخراج المسرحي وتجربته التربوية في التدريب وتنظيم الورشات طوال ثلاثة عقود ، مستندا في ذلك على الرؤية الاكاديمية والبحث العلمي .
كما أشار إلى أنه يمكن اعتبار منهج " مايرهولد" في " بنائية جسد الممثل" منهجا بنائيا ، أما البيوميكانيك فهو البنائية في فن الممثل ، إنهما مترابطان لدرجة يتعذر فيها فهم البنائية من دون الحديث عن البيوميكانيك ، وانه يرى فن الممثل فن ابتكار الاشكال البلاستيكية في الفضاء المسرحي اذ يجب على الممثل دراسة آلية جسمه ، اذ لابد من الالمام بميكانيكية الجسد والقوانين العامة ، متوقفا عند كثير من المفاهيم التي انطلق منها منهج " ماير هولد" .
وعليه ، يأتي المؤتمر الفكري بمساءلاته العلمية والعملية لتجارب فرق وقامات عربية ليقربنا من كثير التجارب والإبداعات التي ذات صلة وطيدة بحقل الفن الرابع بشتى مجالاته وحقوله.