مواضيع للحوار

المرأة وشعرية التعويض

المرأة وشعرية التعويض

291 مشاهدة

المرأة وشعرية التعويض ...

الدكتور #جبار _خماط _حسن

#رقية_ايبلي_ديدي

#المرأة_وشعرية_التعويض

#تركيا

حين يغادر الوجه ملامحه الأيقونة المباشرة بوصفها هوية فسيولوجية، إلى فضاء رحب من مطر الألوان، فإنه يتحول إلى حكاية غنائية او مهرجان لطقوس البدائية، ملامح تعويضية، تضاف إلى الوجه من خلال شبكة لونية متقنة الملمس والحركة، تتبادل فيها، الحواس وظائفها فالبصري يكون سمعيا، والشم يشترك مع اللمس في التمازج مع روائح طيبة تخرج لنا من كيان اللوحات وكأنها إشهار او إعلان لأنطولوجيا المرأة في نص اللوحة البصري، ومن الذكاء اختيار الوجه كمؤشر لوجود أمراه غائبة مكانية، حاضرة ذهنيا،  تتجول بين غرف اللوحات، بزيها ونفسها المزدحم بعلامات اللون الصاخبة وكأننا في ليلة صاخبة من الفرح المكبوت حينا او المعلن حينا آخر ؛ هكذا تعمل الفنانة ( رقية ايبلي ديدي ) المولودة في تركيا والمقيمة بين أنقرة واسطنبول، هذا التأرجح المكاني نجده في تأرجح لوح الوجوه المحفوظة في طاقة التعبير العالية حد الوحشية في تراكيبها اللونية في علاقات تجعل الوجه هو الصورة وادراكنا له هو الخلفية البارزة للوجه، علامة ادراكية مهيمنة، ما بين السمع والبصر واللمس؛ كلها تأتيك من نصها البصري، ليكون المتلقي شريكا في صناعة الوجه بوصفه امنية او حرية تشترط الإبداع ومهارة فائقة ليتحول الوجه من سرديته الواقعية في حياتنا اليومية إلى نص إبداعي وكأننا نرى للمرة الأولى وجها بشريا، تختلط في ملامحه الخارجية كل أقاليم الجغرافيا العالمية بتضاريسها المتنوعة وألوانها المختلفة، لكنها جميعا تتوحد في نص الوجه التشكيلي الذي هو مقترح جمالي لدى الفنانة رقية في فهم الآخر والوجود، فالوجه هو جواز العبور من حدود الاتصال الضيقة إلى عوالم وفضاءات واسعة لا حد لها، أنه الموقف الجمالي الذي يتجاوز المحاكاة والمشابهة بين الوجوه، الى وجه تتلخص فيه المعاني وتجتمع فيه  موقفا جماليا هو لغة ثانية يتفاعل معها المتلقي !

ان تزاحم اللون على الوجه يذكرنا بالمهرج الشيخ الذي يكوم الألوان على وجهه العجوز لعله يفتح نافذة لاستعادة شباب مفقود لن يعود !

 انها أزمة الإنسان مع الزمان الذي هو سجن كبير يأكل من جرفك ويستبيح حريتك، وأول علاماته هو شيخوخة الوجه، حزن ورغبة مكبوتة ومقاومة ذاتية، تتيحها الألوان المتنافرة مع بعضها، وكأنها لقطات سينمائية بأحجام متباينة تزاحمت لالتقاط وجه حائر في وجود قاس !

ان العلاقات الدرامية بين الوجوه تتصاعد مع تباين التعبير من وجه لآخر وكأننا أمام حوارات  تتبادلها الشخصيات من وراء إطارات اللوحات، وكأن الوجوه  من نوافذها تطل على الآخر مرحبة او متصارعة، المهم لديها هو حضورها في اللحظة والمكان ، تلك هي صناعة خبرة إنتاج وجودنا الذي يناقض اغتراب الشخصيات في وجوهها المسجونة في إطار اللوحة، قدرة فائقة لدى المبدعة ( رقية ) في استنطاق المسكوت عنه في لغة الوجوه التي ابتكرتها بعد إضافة ملامح تعويضية تغادر المألوف، وتحقق الانزياح الإبداعي لنصل معها إلى شعرية الوجه، بوصفه نصا متجددا في وعي وإدراك المتلقي.

هكذا تجسد الابداع لديها في بساطة عميقة يتفاعل معها الرائي وكأنها جزءا من هويته الفكرية والجمالية والمعرفية .