مواضيع للحوار

المسرح الرحال  ايقاع الدهشة وتجاوز الأمكنة

المسرح الرحال ايقاع الدهشة وتجاوز الأمكنة

709 مشاهدة

المسرح الرحال  ايقاع الدهشة وتجاوز الأمكنة

غادة كمال

المصدر / صدى العرب

المصدر: موقع الخشبة

 

انتابتني مشاعر الدهشة مقرونة بالاعجاب وانا أشاهد في قلب جامعة القاهرة عرضا لمونودراما  “سأموت في المنفي” التي ألفها واخرجها ومثلها الفنان العربي المبدع غنام غنام .

ففي ذلك العرض الشيق للمسرحية امام طلبة  قسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب في جامعة القاهرة

ازددت دهشة وانا ارى عن قرب  تجاوب هؤلاء الطلبة مع العمل وهم من جيل الشباب الذي تنعقد عليه آمال الاوطان .

اما سر الدهشة فهي ليست فقط في الاداء المسرحي كتابة وتمثيلا واخراجا…لكنه ايضا يرجع الى ذلك التجاوب العالي مع المسرحية حوارا وأداء بعد ايام من تقديم الفنان غنام لرائعته ذاتها أمام أطفال احدي المدارس المغربية وتجاوب هؤلاء  الاطفال مع العمل وتفاعلهم معه مع انه قد  يبدو عملا صعبا  يتجاوز اعمارهم … الا ان غنام الفنان المبدع استطاع بمهارة ان يتخطي سنواتهم القليلة بل وان يرسخ صورته في اذهانهم وان يتعلقوا به لأنه خاطب قلوبهم النقية  قبل ان يخاطب اعمارهم الغضة.

وها هو غنام يقدم أمامنا هنا في القاهرة نفس العمل لطلبة كليه الاداب وينال تجاوب هؤلاء الطلبة مع العمل بصورة مدهشة .. فقد استطاع الفنان غنام غنام بلغته ومفرداته الخاصة ان يجعل الدموع ترقرق في عيونهم في بعض المواقف… وما هي الا لحظات حتي تعلو البسمه شفاههم…في مهارة فائقة علي نقلهم من شعور لأخر ومن حالة الة عكسها بمنتهي السلاسة .

إن مونودراما “سأموت في المنفي” … والتي تجاوزت المسافات … وجالت الامكنة … وذهبت الي المتلقي اينما كان … وحققت اكبر جولة عربية و عالمية في اهم عواصم قارات العالم .. أن هذه المسرحية ليست قصة انسانية لشخص من فلسطين ولا لعائلة فلسطينية … ولكنها قصة وطن … قصة الارض الفلسطينية  التي انجبت محمود درويش … غسان كنفاني .. سميح القاسم … ناجي العلي … ادوارد سعيد …. و غنام غنام …الأرض التي تزرع مع كل ميلاد لمبدع جديد شوكة في ظهر الاحتلال.

هي قصة انسانية .. نعم … تحكي عن عائلة تتمسك بالإرث الفلسطيني بداية من الأب صابر والذي له من اسمه نصيب وكان عنصرا رئيسيا في العمل الدرامي … الي الام التي تتغني بأغنية من التراث الفلسطيني تغيرت معها كلمات الأغنية بتغير احساس الام عندما فقدت ابنها البكر وتحولت الي انشودة حزينة .. ومرورا بالابناء .. ومعاناة الغربة وألم الشوق الي الوطن … وانتهاء بموت البطل.

وهنا وعند مشهد النهاية تتجسد تراجيديا الموقف والتي جمع فيها الفنان غنام بين تناقض المشاعر فتارة نشعر بحزن الفقد … وتاره نضحك من القلب في مشهد من المفروض ان نبكي فيه علي موت البطل ولكن براعة الفنان جعلتنا ننتقل من حالة الي حالة في نفس اللحظة بمنتهي السلاسة وبمهارة  يحسد عليها.

لقد شاهدت العمل اكثر من مرة.. وفي كل مره اكتشف بعدا جمالياجديدا يدفعني لإعادة المشاهدة مرات ومرات وكأن البطل يضفي من روحه في كل مرة جزءا جديدا يجعلك تري جانبا لم تره من قبل.

هذا هو …غنام غنام الكاتب والمخرج والفنان الذي حمل المسرح علي اكتافه متخطيا المسافات ومتجاوزا كل العناصر المكملة للعرض من اضاءة وديكور و اكتفي فقط بالكوفية الفلسطينية … وهي الرمز … وبكرسي متنقل طوال العرض …. ولم يقدم فقط المونودراما التي تعتمد علي شخص واحد لنجاح العمل … ولم  يحمل علي عاتقه اختزال العمل في شخصه … لكنه تجاوز المونودراما  مستعينا بالحكي …. ليثبت لنا انه بالفعل حكاء بارع ينقلك الي عالم سحري .. تتمنى ان تبقي فيه ولا تغادره .

لقد تجاوز الفنان غنام غنام المسافات … والامكنة…. والاشكال التقليدية ليقدم لنا عملا فريدا … تجاوز  فيه نصا واداء حالة الفنان التقليدي … فذهب بابداعه الي كل الامكنة لينشر ثقافة المسرح وليسهم بشكل مباشر في خلق جيل واع بدور المسرح في الحياة…وهذا ما ادهشني في جمهور العرض من الطلبة والذين كانت تعليقاتهم عقب العرض  تنم عن فهم للعمل وتجاوب لا محدود للرسالة.

ومن الانصاف ان نقول ودون اي مجاملة او  مبالغة أن مسرحية “ساموت في المنفي” قد تجاوزت المسافات والأمكنة … واستقرت في وجدان الجمهور وظلت عالقة في الاذهان وهو ما يعزز ثقتنا بأنه بعد هذا العرض اصبح لدينا مئات من المتابعين الجدد للمسرح العربي بعد أن عزفت ” سأموت في المنفي ” لحنها بإيقاع الدهشة .. وسوف يتكرر هذا الايقاع مع كل عرض جديد.