مواضيع للحوار

المســـــرح واللعــــــــب الدكتور حسن يوسفي

المســـــرح واللعــــــــب الدكتور حسن يوسفي

1308 مشاهدة

المســـــرح واللعــــــــب الدكتور حسن يوسفي

الخشبة - خاص

#المسرح _واللعب _تقاطعات _الجوهر _والوظيفة

#يعتبر اللعب مدخلا جوهريا لفهم المسرح وعوالمه، ذلك أن تفكيك العلاقة بينهما يكشف، بوضوح، أن ثمة تقاطعات كبيرة بينهما، من حيث الجوهر والوظيفة، إلى الحد الذي جعل كلمة “لعب Jeu” تتحول في قاموس المسرحيين إلى مصطلح، أو بالأحرى إلى ريبرتوار من المصطلحات المتصلة بالمسرح، وبمختلف مكوناته بما في ذلك الفضاء والممثل واللغة والأداء، وحتى النوع الدرامي أيضا.

ويجـدر بنا، قبل إلقاء الضوء على هذا البعد في علاقة اللعب بالمسرح الذي أصبح يسمـح بالحديث، من الزاوية الاصطلاحية، عن “اللعـب المسرحي Jeu théâtral”، أن نستحضر الدلالة الأصلية لمفهوم اللعب، ونقف على مكوناته وخصائصه. في هذا السياق، يعرف هويزنكا اللعب بقوله: “يمكننا، من الزاوية الشكلية، أن نعرف اللعب بأنه فعل حر، يعاش باعتباره متخيلا، وخارج نطاق الحياة العادية. لكنه قادر، مع ذلك، على استغراق اللاعب. فهو مجرد من أية فائدة مادية، ومن أية نفعية. يتحقق في زمن وفضاء محددين بدقة، يجري وفق نظام خاضع لقواعد معطاة، ويخلق في الحياة علاقات اجتماعية تحيط بها العجائب، أو يعمق غرابتها بواسطة التقنع، مقارنة مع العالم العادي”(1).

يستخلص من هذا التعريف أن اللعب ممارسة واقعية حرة تعاش باعتبارها متخيلا من أجل المتعة، تخضع لقواعد وتتحقق في شروط زمانية ومكانية تجعلها تنزاح عن العادي والمألوف، وتقترب من العجيب والغريب.

وإذا حاولنا أن ننظر إلى المسرح في ضوء هذه الخصائص المميزة للعب، فإننا نلاحظ أنها تنطبق بقوة على هذا الفن إلى الحد الذي يجعلنا ننظر إلى المسرح باعتباره ضربا من اللعب، وإن كان اللعب المسرحي يتميز عن اللعب الحقيقي بكونه يفرق بين اللاعبين والمتفرجين، ويحول المتعة باتجاه الآخر، ويصبح محاطا بنوع من البراغماتية التي تجعله يتجاوز اللذة الخالصة. ولعل هذا ما جعل باتريس بافيس يؤكد أن “للمسرح علاقة وطيدة مع اللعب في مبادئه وقواعده، إن لم نقل في أشكاله أيضا”(2).

من ثم، فعندما نستحضر التصنيف الذي اقترحه روجي كايوا Roger Caillios لأنماط اللعب، والذي ميز فيه بين ما يعتمد المحاكاة (Micry) أو المنافسة (Agon) أو الحظ (Aléa) أو الدوار (Illinx)، فإننا نكتشف أن في المسرح، من خصائص هذه الأنماط، الشيء الكثير.

فالمسرح فن المحاكاة كما هو معروف منذ نشأته كما أكد ذلك أرسطو، وفن الصراع أيضا. لاسيما وأن المواجهة بين القوى الإنسانية والإلهية وبين الأفكار والحساسيات والنزوعات شكلت دائما موضوعا للأنواع الدرامية المختلفة من تراجيديا وكوميديا وتراجيكوميديا وغيرها من الأنواع المستحدثة عبر تاريخ المسرح. علاوة على هذا، فالصدفة ولعبة الحظ تشكلان جزءا لا يتجزأ من الدراماتورجيات لعل أبرزها مسرح اللامعقول ومسرح دورينمات. ناهيك عن كون الدوار يتخذ في المسرح طابعا سيكولوجيا مرتبطا بالوضعيات المعروضة وبمدى تأثيرها في المتلقي. من ثم، تغدو كل خصائص أصناف اللعب التي تحدث عنها كايوا حاضرة في المسرح، في بنياته الدرامية وأنواعه ونماذجه وعلاقته بمتلقيه، ويصبح، بالتالي، النظر إلى المسرح في ضوء مفهوم اللعب مدخلا مهما لإضاءة العديد من مقومات هذا الفن.

ولعل هذا ما تزكيه ماري إلياس وحنان قصاب في معجمهما المسرحي حيث تؤكدان وجود “تداخل لغوي في كثير من لغات العالم بين التعابير التي تدل على المسرح، وتلك التي تدل على اللعب.. إن هذا التداخل اللغوي يحمل دلالة واضحة تتخطى اللغة لتشمل علاقة كل من هاتين الظاهرتين ببعضهما مع بعضها الآخر على مدى الزمن. والمقارنة بين الظاهرتين تنطلق من التمييز بين بعدين تحملهما الظاهرة المسرحية بحد ذاتها كمحاكاة تقوم على إعادة عرض لشيء ما، وكنشاط لعبي يطال عناصر العرض المسرحي، وعلى الأخص أداء الممثل، وتاريخ المسرح يتأرجح بين هذين البعدين. فاستخدام تسمية لعبة للدلالة على المسرحية أو العرض المسرحي منذ القرون الوسطى في كل دول أوروبا يفسر بالظروف التي أدت إلى عودة ظهور المسرح في تلك الفترة حيث انبثق عن الاحتفالات التي تحمل في جوهرها طابع اللعب. وقد بقيت هذه التسمية سائدة حتى القرن الثامن عشر حيث ظهرت تسميات أخرى أكثر دقة”(3).

وإذا كانت الثقافة المسرحية الغربية قد أدركت أهمية هذا المنظور اللعبي للمسرح، وجعلته قاعدة لصياغة العديد من المصطلحات المتصلة بمكونات المسرح وأبعاده، فإن ما يثير، حقا، ويدفعنا إلى وقفة تأمل هو تعامل الثقافة العربية مع كلمة “لعب” لاسيما في جانب علاقتها بالأداء الفرجوي، وبالمسرح على وجه الخصوص.

في هذا السياق، يؤكد علي بن تميم على التحول الذي وقع في وصف الأداءات الدرامية في التراث العربي، حيث أصبح لفظ “اللعب” هو الإطار الذي يستوعبها كلها عوض مصطلح “الحاكية”. يقول “أشرنا فيما سبق إلى أن مصطلح الحاكية كان الأساس الذي انبثقت منه الأداءات الدرامية المتفرقة، لذلك استخدم ليعبر عنها ويحل محلها. فلقد مر بنا بأن كلا من المضحكين والمتمسخرين والمخايلين وأصحاب السماجات والكرجيين والصفاعنة، كانوا يوصفون بأنهم حاكية، أي يؤدون دورا دراميا ما. ولعل مصطلح الحاكية لم يستطع الاستمرار طويلا إذ استخدم حتى العصر العباسي ليتراجع في أواخره، ليكون لفظ اللعب هو المفهوم الشامل الذي تنضم تحته هذه الأداءات، والبديل الذي استطاع أن يعبر عنها بشكل كلي”(4).

وقد ترسخت كلمة “لعب” باعتبارها مفهوما شاملا للتعبير عن الأداءات الدرامية العربية القديمة، “لأنه استطاع أن يعبر باشتقاقات متفرقة من اللعب عن المؤدي والأداء ومكان الأداء”(5). فالمؤدون هم اللعابون، والأداء هو اللعب، ومكان الأداء هو الملاعب، وهي الأبنية المسرحية التي تستوعب أداء اللعابين.

والواضح أن هذا ما جرى حتى في سياق الثقافة المسرحية العربية مع روادها الأوائل، ذلك أن مسرحيا عربيا كيعقوب صنوع تعامل مع نصوصه المسرحية باعتبارها “لعبات تياترية”(6)، ومع الممثلين باعتبارهم “لعيبة”. وتشير د. نجوى عانوس في تقديمها لهذه النصوص/اللعبات إلى كون صنوع أطلق “على اللعبة التياترية هذا الاسم مترجما لكلمة Play الإنجليزية إلى “لعبة”، وهي عبارة عن مسرحيات قصيرة، كبتها ليشخصها أهل مصر في حفلاتهم ومسامراتهم، فهو يمدهم بمادة جديدة دائما للتمثيل… لقد استعاض صنوع عن مسرحه – بعد إغلاقه – بكتابة هذه اللعبات حيث استطاع أن يتناول من خلالها كثيرا من الموضوعات الاجتماعية والسياسية تناولا يؤثر على الجمهور ويغني عن المقالات”(7).

وعندما نستحضر إحدى المسرحيات الشهيرة ليعقوب صنوع، وهي مسرحية “موليير مصر وما يقاسيه” والتي نعتبرها من النصوص المؤسسة لما يعرف بـ “الميتامسرح Métathéâtre”(8) في المسرح العربي، سنلاحظ أن هذا التصور اللعبي للمسرح هو الذي تحكم في حديث صنوع عن معاناته في تأسيس وترسيخ المسرح في التربة العربية، حيث يتحدث مثلا على لسان إحدى شخصيات المسرحية عن معاناة الممثلين الذين يسميهم “اللعيبين” من خلال الحوار التالي:

“متري: إن كان حيران احنا كمان تعبانين، ياما اشقى عيشة اللعيبين. دول يا اخواتي غلبانين جيوبهم دائما فارغين، ومع دا كله محسودين. اذا مشيو في الطريق، مساكين انفاسهم تضيق. من الهوان والتهزيق، والتنكيت عليهم والتقريق. واذا واحد منهم أراد يظهر محبته والوداد، لمن يعزه ويريده الفؤاد، يقولوا له احنا في التياترو ياواد”(9).

وفي حوار آخر يتضح جليا أن المسرح، بالنسبة لصنوع، لعب:

“حبيب: (يقول للجماعة) البنات كلهم حنّ قلبهم وأنتم ما ترحموش؟ ان كان مش على شان خاطر جمس اللي ما بيشفقش عليه قلبكم، العبوا الليلة على شان خاطر ابناء وطننا العزيز اللي بينبسطوا من لعبكم”.

         (جميع اللعيبين واللعيبات ماعدا حبيب يقولوا).

نلعب الليلة على شان خاطر عيون موسيو جمس ابونا، وافندينا والذوات والأهالي اللي يحبونا لان لم يكن اشمال انظارهم علينا، وحضورهم كل ليلة الينا ما كانشي التياترو العربي صح وانشهر، وخديوينا بنجاحه افتخر”(10).

والواضح أن هذا المنظور اللعبي للمسرح قد ألقى بظلاله على تمثل المسرحيين العرب للمسرح إلى الحد الذي جعل لغة اللعب وما يشتق منها من صيغ وكلمات سائدة في التخاطب بين هؤلاء المسرحيين.

إلا أن المسرح الغربي ذهب بعيدا في هذا الاستعمال بإدخاله لكلمة “لعب” للمعاجم المسرحية المتخصصة باعتبارها مصطلحا، بل وصاغ حوله ومن خلاله مصطلحات أخرى تعبر عن المسرح في أبعاده المختلفة باعتباره فضاء وأداء وتشخيصا ولغة، كما سنفصل في ذلك.

اللعب المسرحي.. مسرح اللعب:

تكشف العودة إلى المعاجم المسرحية المتخصصة أن كلمة “لعب” أصبحت تحظى بمدخل خاص باعتبارها مصطلحا مسرحيا. وتجدر الإشارة إلى كون الدلالة المسرحية للعب تقرنه، بالأساس، بعمل الممثل، كما تؤكد ذلك آن أوبرسفيلد قائلة: “إن فكرة اللعب نفسها تتضمن مفهوم الحرية، وذلك عندما يقال، في المجال الميكانيكي، إن هناك لعبا بين قطعتين. إلا أن هذه الحركية هي، في المجال المسرحي، جانب الإبداع الخاص بالممثل الذي يخلق العناصر المكونة للعبه، لكنه يستعمل أيضا، في كل لحظة، الإمكانات التي يتيحها له العشوائي “(11).

فاللعب، إذن، هو إبداع الممثل. لذلك حظي من لدن دراسي المسرح بأهمية بالغة من هذه الزاوية، حيث أثيرت قضية أساسية بشأنه تتعلق بالإجابة عن سؤال هو: هل اللعب فن أم علم؟ أو بعبارة أخرى: هل يرتبط لعب الممثل بمفاهيم الموهبة والحساسية والحدس والعبقرية والإلهام والغريزة والمعجزة، أي أنه نتيجة لعملية تعلم وتكوين وتدريب؟ وبالتالي: هل هو انعكاس لـ “أسطورة الفنان” أم هو “شأن مدرسي”؟

لقد حاولت الباحثة الكندية جوزيت فيرال معالجة هذه القضية في دراسة لها تحمل عنوان “اللعب: هل يمكن تعليمه؟” “Le Jeu s’enseigne-t-il ?”، استحضرت فيها آراء ممارسين ومنظرين وكتاب مسرحيين وممثلين مرموقين، وبعد تحليلها لهذه الآراء، اتضح أنها تميل إلى الرأي الذي عبر عنه دافيد بيلاسكو David Belasco، ومفاده أن “اللعب مثل الموسيقى، هو علم وفن في آن واحد؛ علم بنظريته وفن بممارسته”(12). لكنها تستدرك موضحة أن العلم المتحدث عنه هنا ليس علما حقا له مفاهيمه المعيارية الأحادية، لأن ذلك مستحيل في المجال الفني. إن الأمر يتعلق بالأحرى “بمناهج مختلفة خلقت بكيفية براغماتية انطلاقا من ممارسات تجريبية متنوعة أيضا وتسمح بالتخلص من تعلم حدسي خالص للعب”(13).

إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن اللعب في المسرح لم يرتبط بالممثل فحسب، ذلك أن العديد من المصطلحات المسرحية التي صيغت انطلاقا منه تربطه، أيضا، بالفضاء واللغة والنوع الدرامي والأداء المسرحي. ففي “معجم المسرح”(14) لباتريس بافيس يتم الحديث، فيما يتعلق بالفضاء، عن مصطلحين هما: فضاء اللعب Air de jeu، والفضاء اللعبي أو الحركي Espace ludique ou gestuel. يقصد بالأول المساحة الركحية التي يتحرك فيها الممثلون، وهي مساحة تشكل فضاء رمزيا غير قابل للاختراق من قبل الجمهور، أما الثاني فيعبر عن الفضاء الذي يخلقه الممثلون بحركاتهم وعلاقات القرب أو البعد بينهم. فهو فضاء يخلق انطلاقا من اللعب، ولذلك فهو في وضعية تغير دائم وغالبا ما تلعب الإنارة دورا في رسم حدوده فوق الخشبة عندما يتم التبئير على وضعية مشهدية ما، وذلك على عكس الفضاء المشهدي أو الرحكي الذي تحدده البنية السينوغرافية للقاعة.

أما بخصوص اللغة، فنجد في المسرح ما يعرف باللعب اللغوي Jeu de langage، ويقصد به البنية الدرامية التي تعوض فيها الحكاية أو المحتوى الدرامي بإستراتيجية للخطاب وبنمو للتلفظات خارج ملفوظاتها. فاللعب اللغوي في المسرح هو استعمال اللغة، ليس انطلاقا من معناها أو مما تدل عليه وإنما انطلاقا من شكلها وحجمها (تداعيات الكلام، مثلا، في مسرح العبث).

علاوة على هذا، قد ترد كلمة “لعب” في المجال المسرحي باعتبارها مصطلحا يعبر عن نوع درامي ينتمي للقرون الوسطى (القرن 12 و13). وهو نوع مقدس تمسرح فيه حلقات من الإنجيل أضيفت إليه موضوعات دنيوية.

ويتم الحديث في المسرح عما يسمى بـ “اللعب الدرامي Jeu dramatique” وهو تعبير عن ممارسة جماعية ارتجالية لا انفصال فيها بين ممثل ومتفرج، تقوم على المشاركة في النشاط المسرحي وليس في الفعل الدرامي. والهدف من هذا اللعب، ليس إنجاز عمل مسرحي وإنما تحسيس المشاركين فيه بالميكانزمات الأساسية للمسرح، وإثارة نوع من التحرر الجسدي والنفسي في حياة الفرد. لذا، نلاحظ أن الفضاء التعليمي هو من بين الفضاءات المميزة لهذا اللعب الدرامي، لأنه يشكل أداة أساسية لتنمية قدرات التلميذ التعبيرية جسديا ونفسيا، كما يتم اعتماده وسيلة لتمرير العديد من القيم التربوية والتعليمية.

وبالعودة إلى علاقة الممثل باللعب، نكتشف أن ثمة بعدا آخر في هذه العلاقة يعبر عنه باللعب المشهدي Jeu de scène، وهو عبارة عن فعل صامت للممثل لا يستعمل فيه سوى حضوره وحركاته من أجل التعبير عن إحساس أو وضعية ما، قبل أخذه الكلمة أو بعدها.

يستخلص من هذا الرصد لمجموع المصطلحات المرتبطة باللعب، في المجال المسرحي، أن الكلمة – نظرا لما تختزنه من دلالات مفتوحة جعلت منها نشاطا متعدد الأبعاد يقترن بالحركة والكلمة والإحساس – قد استطاعت أن تعبر عن جوانب مهمة من الممارسة المسرحية بمختلف أبعادها. ولعل هذا ما يسمح لنا بالحديث – ليس من باب الاستعارة وإنما من زاوية الاصطلاح – عن مصطلح “اللعب المسرحي Jeu théâtral”، الذي بات ممكنا وضعه في سياق مجموعة من الإبدالات Paradigmes المرتبطة بالممارسة المسرحية، والتي تعبر عن سيرورتها بصيغ مختلفة تتقاطع كلها مع اللعب في العديد من الأبعاد والدلالات.

اللعب المسرحي وإبدالاته:

إن اللعب المسرحي هو الممارسة المسرحية نفسها سواء أكانت بالكلمة أو الحركة أو الإحساس. من ثم، فهو يتقاطع، في دلالته العميقة، مع مفاهيم أخرى تعكس كل ما له علاقة بهذه الممارسة في أبعادها التمثيلية والتخييلية والفرجوية والأدائية. ذلك أن الوجه الآخر للعب المسرحي هو المحاكاة والتمسرح والتخييل والفرجة والفرجوي(15) والتمثيل والأداء. فكل الخصائص والمكونات التي يتشكل منها اللعب المسرحي تحيل على جانب أو جوانب مختلفة تتصل بالبعد المحاكاتي أو التمثيلي أو التخييلي أو الفرجوي للمسرح، أو بخصوصيته التي يعبر عنها بمصطلح “التمسرح Théâtralité”(16).

وكيفما كانت الصيغة الاصطلاحية التي تستوعب أبعاد اللعب المسرحي، فإن ما يتعين تأكيده هو أن كل هذه الإبدالات Paradigmes تندرج في سياق واحد ينتظم في إطار ما يصطلح عليه بـ “صناعة الفرجة” حيث يبرز دور المخرج المسرحي – بمفهومه المعاصر – باعتباره قطب الرحى في صياغة اللعب المسرحي وتخطيطه وتنفيذه اعتمادا على دعامة مركزية هي الممثل، لاسيما وأن اللعب هو جانب الإبداع الخاص بالممثل، يبدع فيه بخطابه، بجسده، بانفعالاته، بمواقفه من أجل متفرج يتقاسم معه متعة اللعب وما تتيحه من تحرير للطاقات الجسدية والنفسية.

الهـوامـش:

Patrice Pavis – Dictionnaire du Théâtre – Messidor/Edit Sociales – Paris 1987 – p 214.

Ibid – p 214.

ماري إلياس وحنان قصاب – المعجم المسرحي: مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض – مكتبة لبنان – بيروت 1997 – ص 394/395.

علي بن تميم – السرد والظاهرة الدرامية: دراسة في التجليات الدرامية للسرد العربي القديم – المركز الثقافي العربي – الطبعة الأولى 2003- ص 76/77.

نفس المرجع – ص 78.

انظر يعقوب صنوع 1839-1912 – اللعبات التياترية – تحقيق وتقديم د. نجوى عانوس – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987، حيث تشير المحققة في تقديمها قائلة: “بعد رحلة شاقة، تمكنت من العثور على خمس وعشرين لعبة تياترية ليعقوب صنوع، كان ينشرها في صحيفته المسماة بلقبه (أبي نظارة) فيما بين عامي 1879 و1911 والتي طبعت بعد ذلك في بيروت (دار صادر) سنة 1974” انظر ص 5.

نفس المرجع – ص 6/7.

انظر دراستنا للمسرحية من زاوية علاقتها بالميتامسرح في: د. حسن يوسفي – المسرح في المرايا: شعرية الميتامسرح واشتغالها في النص المسرحي الغربي والعربي – منشورات اتحاد كتاب المغرب – 2003 – ص 98.

المسرح العربي دراسات ونصوص: (يعقوب صنوع / أبو نضارة) – اختيار وتقديم الدكتور محمد يوسف نجم – دار الثقافة – بيروت 1963- ص 221.

نفس المرجع – ص 221/222.

Anne Ubersfeld – Les termes clés de l’analyse du Théâtre –Edit Seuil 1996- p 49.

Josette Féral – Le jeu s’enseigne-t-il (in) Mise en scène et jeu de l’acteur (Entretiens) – Tome 2 : le corps en scène – Edition jeu – Edition LANSMAN – 2001 – p 13.

Ibid – p 14.

انظر بخصوص المصطلحات المسرحية المرتبطة بكلمة “لعب”:

Patrice Pavis – Dictionnaire du Théâtre – op cit – p 215/216/217

ومنها:

Jeu de scène, jeu de langage, jeu dramatique, jeu et contre jeu, jeu et préjeu, jeu muet

ثمة فرق بين “فرجة Spectacle” و”فرجوي Spectaculaire”. فالفرجة ممارسة أو أداء أو إنجاز، أما الفرجوي فهو خاصية قد تتحقق في الفرجة وقد لا تتحقق لأنها تتصل بما يدهش المتفرج ويصدم حساسيته ويثير حواسه. للوقوف على هذا التمييز يمكن مراجعة كتابنا: د. حسب يوسفي – المسرح والفرجات – منشورات “المركز الدولي لدراسات الفرجة” طنجة – المغرب – 2012، ص 9 وما بعدها.

التعريف المبسط لـ “التمسرح” هو “ما يجعل من المسرح مسرحا، أي ما يعبر عن خصوصية المسرح، سواء تجلت في النص أو في العرض”. ولتسليط مزيد من الضوء على المصطلح والظاهرة في أبعادها المختلفة، يمكن مراجعة كتابنا: د. حسن يوسفي – التمسرح: من الاستعارة إلى الخطاب / بحث في خصوصية المسرح – يصدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة 2013.