قالت الصحف

الميراث..الدراما بلون واحد

الميراث..الدراما بلون واحد

1912 مشاهدة

الميراث..الدراما بلون واحد

ينتقي المسرح حالات استثنائية من شأنها تقديم الحالة الإنسانية المثلى لترسيخها فتتبدى من خلال حوارات العرض وأحداثه وصراعاته كي يصل في النهاية إلى غاياته وأهدافه الإنسانية ثم الثقافية حيث يدفع ذاك المقترح الفني بعملياته كافة للوصول إلى مقولته، أما في العرض المسرحي /الميراث/ والذي عرض على صالة مسرح القباني بدمشق من تأليف /ممدوح عدوان/ وإخراج /محمود خضور/ فقد ركزت عوالم العرض على دوائر سلبية مقيتة تكشف طبائع بشرية تعري الوجه البشع والجانب الأسود للدواخل الإنسانية وهذا الوجه لم يظهر على السطح بالشكل المجاني وقد ارتبط بشروط اجتماعية أفرزته وصاغته على نسخة تشابهه فحملته كل فظاعاتها فـ /بهجت/ الشخصية الرئيسية في العمل كان قواداً جمع أمواله من مزاولة هذا الفعل مستخدماً أخته وزوجته فهو بالأصل أحل نفسه من كل القيم الأخلاقية والإنسانية عبر متاجرته بأثمن القيم الإنسانية ثم تسليعها وبيعها لتكديس الأموال والثروات لذلك لن تكون ردة الفعل ضمن هذه الأجواء إلا بمستوى الفعل وهذه البيئة الممهورة بهذه المنظومة البشعة من السلوكيات لن تفرز إلا طبائع وحشية وها هو /بهجت/ يستغرب من موقف زوجته وأخته الخالي من أي إحساس إنساني تجاهه عندما أغمي عليه وحسبوه ميتاً فتبدأان بالبحث عن المال فكان موقفهما يلفه الجشع والعدوانية رغم أن لحظات الموت محطات شفافة وقوية جداً، لحظات تطهر النفس الإنسانية بكل معنى الكلمة تكشفها وتبحث في دواخلها دوماً عن المثل الإنسانية والنقاء فتتبلور عندها حقيقة النفس البشرية وفطرتها الخيرة، أما هنا كان العكس فقد ازدادت العدوانية والشرور وحتى /بهجت/ نفسه يقول: لم أكن أعرف أن الحياة قاسية إلى هذا الحد البشع بل وأكثر من ذلك وعند موته الحقيقي يطلب منهما الدواء فترفضا إعطاءه إياه فتصلا إلى حد الإجرام وهنا يبدو أن النفوس قد خلت من أي شيء غير الشرور، وقد بلورت مجريات العرض المسرحي هذه الحالة الشعورية المطلقة على مدى مساحته الزمنية وعن قصد لفضح ظلاميتها وأحاديتها المشؤومة من جهة ثم التحريض لحالة إنسانية نقيضة ترفضها وبالشكل المطلق أيضاً لذلك جسدت المشهدية المسرحية ككل حالة تطهرية بكل معنى الكلمة، حالة تجسد دوماً المحطة الأخيرة التي تقف عندها كافة الفنون وإن تغيرت أساليبها وألوانها ومفرداتها وقد صدر العرض لمتلقيه هذه الحالة بتميز، بما حمله من تكثيف لقيم درامية وانفعالية وتوجيهية يستفز بتلقائية قصد به الحالة الإنسانية الرافضة لكل تلك الطباع السوداء من الطمع إلى الشرور والعدوانية والتسليع للمشاعر الإنسانية والتي بيعت وقبض مقابلها ثمناً بخساً ثم بعدها الرفض لكل الظروف مهما كانت التي تفرز أمثال هذه الطباع والسلوكيات السوداء.‏

فعرض /الميراث/ تمكن بدورانه في مساحة ذات لون واحد أن يتعمق أكثر وأكثر في دهاليزها البشعة فاستحضر أفعالاً وأحداثاً وحالات تتسابق مع وحشية الذئاب بل تتجاوزها بعقلها المخطط وقد اعتمدت الأولى علىالغريزة، أما الثانية وحشية ساعدها العقل المدبر والمستعبد لمصالح دنيئة تنأى بالإنسان إلى أرذل الدرجات، هذا اللون الأحادي المقيت يرشد ويوجه بقوة إلى اللون النقيض فهو ضرورة ملحة كونه الوجه الآخر الوحيد القادر على التغلب على تلك السلوكيات الفظائعية التي تلغي الإنسان وفطرته القائمة على الخير بكل معانيه وهذه المقولات تمكن الممثلون من إيصالها بحرفية أدائية تقمصت حالات تحتاج إلى أداء مسرحي استفزازي بحق لحالات إنسانية قد تكون نائمة وقد تكون هاربة فيحاول العرض القبض عليها.‏

أما أداء الممثلين والرؤية الإخراجية كانت متميزة وولفت كل ذلك كي تؤطر هدفها المسرحي داعية إلى شكل إنساني أجمل.‏

الممثلون هم: يوسف مقبل - لمى الشمندي- ريم درويش- أما مجموعة العمل من الفنيين والذين ساهموا بإنجاح هذا العمل برفدهم عناصر مسرحية ومؤثرات دفعت بالعرض وساعدته على بلورة مهمته الدرامية والمسرحية والثقافية وهم الإضاءة: نصر الله سفر وبسام حميدي.الموسيقا نزيه أسعد. أزياء ربيع الحسين، مكياج: هناء برماوي، ديكور: زهير العربي، مدير منصة: أحمد السماحي، مخرج مساعد: كميل أبو صعب وغيرهم.

موقع عرب نيوز - الثلاثاء 27/4/2011

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية