مواضيع للحوار

الناقدة هند سلامة تكتب عن تجربة مسرح السجون بتونس

الناقدة هند سلامة تكتب عن تجربة مسرح السجون بتونس

364 مشاهدة

السجون على الطاولة

*  الناقدة هند سلامة تكتب عن تجربة مسرح السجون بتونس

* في تجربة #مسرح السجون. في #أيام قرطاج ينتصر للإنسانية ..

* المصدر: #موقع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي

* كتابة :  #هند _سلامة _تونس

* متابعة : الدكتور #عبد _الحسين _علوان

مشاعر مختلطة متناقضة حائرة بين الاستمتاع والانبهار بتجربة استثنائية في مجال المسرح وبين الإحساس بالوجع والحزن على أشخاص جفت أحلامهم على جدران السجون، كل هذه المشاعر ستواجهك وبقوة أثناء متابعة تجربة هي الأهم والأقوى ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية في دورته الحادية والعشرون برئاسة الدكتور "حاتم دربال"، تجربة مسرح السجناء التي أطلقتها إدارة أيام قرطاج منذ عام 2017 إيمانا منها بضرورة انفتاح الثقافة على فضاءات أخرى بعيدة عن المسرح.

كان مشروع مسرح السجون مشروعا رائدا بكل المقاييس سواء في فلسفته أو دقة تطبيقه كيف تحملت الحكومة التونسية مسئولية إخراج مجموعة غير قليلة من السجناء إلى مقر المسرح بوسط البلد في شارع الحبيب بورقيبة المكتظ بالضيوف والمدعوين للمشاركة ضمن فعاليات المهرجان داخل قاعة ابن خلدون تبدلت وتوالت العروض يوميا ما بين الحادية عشر صباحا والثالثة من بعد الظهيرة.

احتشد الجمهور بدافع الفضول والمتابعة والاكتشاف بعد الدهشة والانبهار عقب سماع تفاصيل العمل على هذه التجربة وآلية تطبيقها، التي أعدت لها وزارة الثقافة التونسية بالتعاون مع وزارة العدل إعدادا ضخما حيث ازدحمت تلك القاعة الصغيرة بالحضور وكان المهرجان شديد الحرص كي يتابع ضيوفه ويطلع على هذه التجربة الإنسانية العظيمة التي أرادت بها تونس الانتصار للإنسان أولا وأخيرا مهما ارتكب من حماقات أو ذنب، وبذلك تبدلت الأحوال داخل السجون وتبدل استقبال المجتمع لهؤلاء السجناء ففي اليوم الأخير ومع انتهاء آخر عرض لمسرح السجون خرج السجناء من قاعة المسرح وصفق لهم الجمهور بالشارع في مشهد إنساني بديع يحمل عمق الأثر النفسي الكبير الذي تركته تجربة الفرجة والمتابعة داخل الجمهور العادي المستقبل لهذه العروض ثم المساجين وكذلك السجان الذي أصبح أرق وأصفى في استيعابه واحتوائه لنزلاء السجن؛ كما تبدل سلوك السجناء مع بعضهم البعض وفتحت هذه التجربة الأعين على كيفية تطبيق منطق التهذيب والإصلاح بالاطلاع والعمل والمثابرة على أداء هذا العمل الشاق والصعب لمجموعة من أساتذة المسرح المتطوعين لتدريب السجناء ليس فقط على التمثيل بينما هناك ورش متنوعة داخل نوادي السجون في مجالات الارتجال والموسيقى وتركيب الديكور والإضاءة وكل شيء متعلق بصناعة العمل المسرحي بشكل متكامل.

كانت قد بدأت هذه المبادرة بمشاركة ثلاث سجون ثم توسع الأمر في العام الثاني وفي العام الثالث أصبح مشروعا كبيرا تعمل على دعمه وتغذيته إدارة المهرجان ووزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة العدل ليشارك هذا العام 11 عملا داخل مجموعة متنوعة ومختلفة من السجون تتنافس فيما بينها على جوائز المهرجان من بين العروض المشاركة “الحديقة السرية” إخراج "علي الماجري"، “الدنيا والزمان” تأليف وإخراج "سالم الورغي"، “الريح البر” السجن المدني للنساء إخراج "علي بوكادي"، “سنترا” "مروة بنت الشيخ سوقير" و "القنطاوي بن أحمد"، “المحطة الأخيرة” إخراج "لسعد حمده"، “مسرحية بلا قيود” إخراج "عفاف الأنداري"، “بيت برناردا ألبا” السجن المدني للنساء بمنوبة إخراج "أمل البجاوي"، “جوجمة..حس” إخراج "نضال الدين معازي ومحمد أمين زواوي"، “ديناميت” إخراج "رياض الزواوي"، “كرينتي” إخراج الصادق عمار، “كفارة” إخراج سامي الجويني؛ وحصل على جائزة الحرية لأفضل ثلاث أعمال بنوادي المسرح بالوحدات السجنية عروض “الحديقة السرية” للسجن المدني بالمرناقية إخراج "علي الماجري"، “الريح البرة” للسجن المدني بصفاقس إخراج "علي البودي"، “الدنيا والزمان” لمركز رعاية الأطفال الجانحين بالمروج إخراج "سالم الورغي".

مرت هذه العروض بمراحل كثيرة حتى تخرج للنور كان أصعبها وأهمها مرحلة تقديم السجناء أفكارهم ومعاناتهم داخل السجون وتجاربهم التي تحدثوا عنها في أكثر من عمل منذ عام 2017 والمفاجأة أنه لم تكن هناك أي محاذير رقابية على هذه الأعمال كما أكد وقال رئيس المهرجان الدكتور "حاتم دربال".. “ليس لدينا رقابة في تونس لا داخل أو خارج السجون ليس هناك أي تحفظات أو خطوط حمراء واعتبر تونس بلد الحريات بامتياز، لأن الرقابة الحقيقية هي رقابة الجمهور فهو مؤشر نجاح أو فشل اي عرض والمسرح داخل المؤسسات السجينة يستنطق قضايا المساجين من الفكرة للإنجاز هم يكتبون النص ويساهمون في تنفيذ الديكورات والملابس والإضاءة والموسيقى، ممارسة المسرح داخل السجن تفترض بالأساس وجود مكتبة وعندما نتحدث عن المكتبة نتحدث عن الآف الكتب هذا يغير تعامل السجين مع كامل الأفراد الموجودين داخل غرفة السجن شيئا فشيئا يجد أنه ليس هناك خلاص إلا بالعمل مع الجماعة، لأن الهدف هو وصول المشروع إلى بر الأمان حتى يصبح كل تركيزه استيعاب الاختلافات الجوهرية عن طريق الحوار والنقاش وقبول رأي الآخر بدون عنف والإقناع من خلال مرجعيات هذا يعيد إدماج الفرد “السجين” في إطار مجموعة ويصبح للمجموعة مشروع مشترك يعينهم على الإتفاق على كل مراحل العمل حتى يصل للهدف بإعانة مخرج محترف أو ممثل، وهم متطوعون في كامل الأنشطة ويؤمنون تمارين على مدار العام مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع”.

ويقول.. ”بالتدريج غزت هذه التجربة السجون وأصبحت مطلب أن يكون هناك ناد للمسرح داخل السجن وبالتالي اصبح السجان يعمل في اريحية وتربطه علاقة راقية جدا على مستوى الحوار لأنه يكتشف أن المسجون تغير ليس نفس الشخص وبالتالي سلوك السجان معه يتغير يصبح السجن فجأة مجالا للحوار الراقي، كانت هناك رغبة مشتركة من الدولة وإدارة المهرجان لتطبيق المشروع مع وجود بعض العراقيل الإدارية لأنه لم يكن من السهل او الهين خروج المودعين إلى فضاءات المسرح كانت خطوة تحتاج إلى ترتيبات كبيرة، بدأنا من سجن برج الرومي ثم تطورت التجربة، ففي البداية كان مطروح علينا عام 2017 حتى نواكب التحولات الموجودة في البلد بالعمل على مشروع خروج المسرح إلى مختلف الأوساط الاجتماعية كان من بين هذه الإمكان السجون، المستشفيات، القرى، المصانع، والضيعات نعمل على هذه المسائل وجمعيات فاقدي السمع الإعاقات لأن المسرح قادر على استيعاب مشروع متكامل عملت على تواجد المسرح خارج فضاءاته الانفتاح على اوساط اجتماعية مختلفة المسرح قادر على ترسيخ فكرة كيف نعيش معا رغم الخلاف والرؤى وكيف نتقبل الآخر داخل المجتمع الواحد من ضمن هذا المسار طبقنا المسرح داخل السجون”

ويضيف دربال ..”الجوائز عبارة عن قيمة مالية تذهب إلى النادي لمزيد من الدعم لهذه النوادي ولتزويدها بشراء معدات صوتية والديكورات الملابس كما أن الجميل في الأمر أن هناك جهة طرحت تقديم بطاقات بنكية لعائلات السجناء فيها قيمة مالية تذهب للسجين وعائلته تحمل بعض الأموال للعائلات كما نطمح أن تضاف جائزة لتخفيض مدة العقوبة لكل مشارك ونأمل أن يتم إنتاج 30 مسرحية السنة القادمة ونختار في قرطاج 10 عروض من بينهم، وأعتقد أنها رسالة مهمة جدا في كيفية إدماج السجين مع المجتمع الذي يعاود اكتشاف آلامه وطموحاته وانكساراته مشاغله عموما فيقدم ذلك داخل قاعة في إطار المهرجان الذي يسلط الضوء على هذه التجربة بحضور عائلات السجناء، والشيء الذي اعتبره في غاية الأهمية تقديم شهادة للعائلة تثبت إنجازه لهذا العمل هذه الشهادة لا تقدر بمال لأنه اصبح عنصر سوي وإيجابي وعائلته تتقبل ذلك بكل استحسان فهو نوع من المصالحة بين السجين وعائلته وإعادة إحياء هذه العلاقة التي ربما تأثرت كثيرا جراء ما اقترفه من إثم بجانب أن هذه التجربة شهدت صدق كبير في مراحل نموها وتطورها بالعروض التي قدمت خلالها، وبالتالي تحولت الثقافة من مجرد مادة على الهامش إلى نمط حياة اساسي”

مشروع انطلاقة مودع

اتسعت التجربة وانفتحت الرؤى حول تقديم المزيد كي تنمو وتزدهر خلال الأعوام القادمة وهو ما يفعله اليوم "زياد غنانية" المشرف على مشروع انطلاقة مودع والذي من المقرر تطبيقه مع بدء عام 2020 يتطلع "زياد" في المستقبل أن يتواصل نفس المشروع لإنتاج عشرين عملا مسرحيا قصيرا مع اختيار عدد قليل من الممثلين سيكون له طريقة بحث في اختيار الممثل وسينطلق المشروع تحت مسمى “تجليات مودع” يختص هذا المشروع بتقديم موضوعات مطروحة بعفوية مثل الارتجال والدراماتورجية يعملون عليه كعمل احترافي سنعمل على ضم من لديهم موهبة في هذا المجال وليس مجرد الرغبة في المشاركة حتى تكبر المنافسة فنحن نبحث عن الجودة الفنية كي يتعلمون مهنية المسرح والفن كيف خلق جو عام للفرجة وممثلين على طريق الاحتراف بأداء مقنع وسليم”

وأشار.. “لأننا نفكر في الدخول في عجلة الإنتاج بشكل عام هذا العمل سيتم تروجيه وسوف ترسل له مكافآت مع كل عرض لأننا نسعى للمساعدة في إعانتهم ماديا منهم من يحتاج للمال حتى يعين أو يكلف محامي لقضيته فهؤلاء الناس يستحقون المكافاة لأننا نرهقهم كثيرا يحتاجون للتغذية المادية مع التغذية المعرفية، انتجنا اعمال السنة الماضية وعرضت داخل قطاع السجون لأن تدريباتهم جزء منها داخل السجن وآخر بقصور الثقافة والمراكز الدرامية، بالطبع ليس من السهل إنتاج أعمال داخل السجون لأن المخرج عليه أن يبدع داخل هذه المعاناة وبالتالي نقوم بتهيئتهم نفسيا ونتحاور معهم حول المسرحية في شكل الأداء