مواضيع للحوار

بين انفتاح الوعي وتوجيه الأفكار

بين انفتاح الوعي وتوجيه الأفكار

329 مشاهدة

بين انفتاح الوعي وتوجيه الأفكار

السبت 28/09/2019

#الدكتورة _زينب _لوت _الجزائر

المصدر: #المجلة العربية

#تنتمي المعارف في مقابلها الوجودي مع العلوم المصاحبة للتعايش الحضاري والتمازج المكون للعقل ومن مؤثرات التقدم اتساع قدرة التفكير والتوسع في الوعي العلمي ومنذ نشوء الشعوب باختلاف انتماءاتها انشطر العالم بين الغرب والشرق تتضح روافدها في سؤال المنطق، وفلسفة الإنسان حول كلّ المتغيرات البينية، كالفارابي (وهو محمد بن طرخان بن أوزلغ أبو نصر الفارابي 260 / 330هـ) الذي شرح العبارة لأرسطو وكتاب المقولات لأرسطو. الألفاظ المستعملة في المنطق. شرائط اليقين. كتاب الشّعر. كتاب الخطابة، قوانين صناعة الشّعر، التي منح من خلالها سبقاً حضارياً ومعرفياً بالعلوم الإنسانية وكانت نَتَّاج خُصوبة وعيه العلمي لتأليف زخم من العلوم والاتجاهات العلمية في (كتاب الإحصاء) و(كتاب الحروف)، كتاب المسائل، أما عمله حول (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو) وهو ما يعكس مدى انفتاح الفارابي على المرجعية اليونانية في مختلف المسائل ويصفه (محمد عابد الجابري) في مؤلفه (تكوين العقل العربي): (فالفارابي مثلاً الذي فكر في قضايا الثقافة اليونانية، هو مفكر عربي لأنه فكر فيها، بواسطة الثقافة العربية ومن خلالها، ومثل ذلك المستشرقون فهم يظلون مستشرقين يطلبون الشرق لأنهم يقعون خارجها، بل ومن خارج محيطها الخاص، إذن فالتفكير بواسطة ثقافة ما، معناه التفكير من خلال منظومة مرجعية تتشكل إحداثياتها الأساسية من محددات هذه الثقافة ومكوناتها، وفي مقدمتها الموروث الثقافي، والمحيط الاجتماعي والنظرة إلى المستقبل، بل والنظرة إلى العالم، إلى الكون والإنسان كما تحددها مكونات تلك الثقافة) وغير بعيد عن هذا النموذج تزخر الحضارة العربية عامة وفي العصر العباسي خاصة بالمركبات المتمازجة بين علومها وآدابها في تفاعلها الإيجابي والتلقي الموجب للآخر دون خوف من انسلاخ الذات لأنها تملك ماهية توجيه الأفكار.

علم الاستغراب ومعالم الاستشراق

نشوء علم الاستغراب حسب الباحث المصري (حسن حنفي) يأتي على ضرورة ترجمة العلوم الغربية لتحدي التّسارع والوصول للتّوازن العلمي (وقد نشأ علم الاستغراب Occidentalism في مواجهة التغريب Westernisation الذي امتد أثره ليس فقط في الحياة الثقافية وتصوراتنا للعالم) كما يرى (مهمة علم الاستغراب هي إعادة التوازن للثقافة الإنسانية بدل هذه الكفة الراجحة للأدب الأوروبي والكفة المرجوحة للوعي اللا أوروبي، فطالما كانت الكفتان غير متعادلتين سيظل الوعي الأوروبي هو الذي يمد الثقافة الإنسانية بنتاجه الفكري والعلمي وكأنه هو النمط الوحيد للإنتاج) وقد حققت العديد من المنظمات تطلعها النظري حول علوم الغرب أهمها منظمة العربية للترجمة منظمة دولية متخصصة في بيروت، لبنان، اعتماداً على المرسوم رقم 2803 الصادر عن الحكومة اللبنانية بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2000، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس ALECSO التي انبعثت من جامعة الدول العربية، مؤسسة الفكر العربي في بيروت أنشأت عام 2000 بمبادرة (الأمير خالد الفيصل) التي جسدت رسالتها وأهدافها التنويرية وتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها، وتوثيق التضامن العربي والهوية العربية الجامعة، المحتضنة لغنى التعدّد والتّنوع، كما سعى المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في سوريا.

ويمكن الحديث عن مشاريع متعددة التوجه في ترجمة مختلف العلوم الغربية كالرياضيات والكيمياء والفلك والنقد والأفكار الفلسفية، ويعد كتاب (العلم بعد مئتي عام) لمؤلفه (هيرمان كان وآخرين) ترجمة (شوقي جلال)، من أهم المراجع المترجمة التي تبحث في تحولات الثابتة والمتغيرة للعلوم الإنسانية، أما الاهتمام الفلسفي حول المعطيات الفلسفية (من ديكارت إلى سارتر) تأليف (جان فال) ترجمة (فؤاد كامل) يمنح الرؤية العميقة للفلسفة المعاصرة (لذا فإن على المجتمع الإسلامي في مواجهة العصر أن يعطي لأصالة فكرته فعالية تضمن لها النجاح. إنه مدعو لأن يستعيد تقاليده العليا ومعها حس الفعالية. وبدلا من أن يغرق في تمجيد أصالة فكرته، لا بد أن يبحث في فعاليتها في عصرنا الحديث، والمسألة مسألة مناهج وأفكار، وإن لنا في نهضة الدول: كاليابان في منتصف القرن التاسع عشر، والصين في منتصف القرن العشرين، مثالاً على كيفية الاقتباس من العلوم الغربية وتوظيف حركة المجتمع في فعالية تستمدُ أصالتها من نماذجها الخاصة). حركة الاقتباس من العلوم الغربية تحيل الواقع الوجودي للمثقفين نحو ضرورة نمذجة المواقف والتوجهات التي تتناسب والتحريك الفعلي للحضارة نحو التقدم لبناء الهوية الثقافية.

الاستشراق والاستغراب من منظور الدكتور علي بن إبراهيم النملة

 من خلال مؤلفاته أهمها ما صدر سنة 2011 (مصادر الاستشراق والمستشرقين ومصدريتهم) ومؤلفه (مراجعات في نقد الفكر الاستشراقي حول الإسلام والقرآن والرسالة) 2014م التي تتحدث عن الاستشراق وعلاقته بالدراسات الإسلامية،

ويتحدث (علي إبراهيم نملة) في موجب كتابه (الاستغراب: المنهج في فهمنا الغرب): (نبَعَت الدعوة إلى وجود مثل هذا العلم من الشعور بأن الساحة العربية العلمية والثقافية تكاد تخلو من معرفة ثقافات الأمم الأخرى) ويحدد دوافع الاستغراب (من هذا المنطلق يمكن قبول الاستغراب، سعياً إلى فهم الآخر فهماً مباشراً، من أجل التعامل معه تعاملاً يعود نفعه علينا نحن مباشرة وبالدرجة الأولى، ثم يعود نفعه على المستهدف منه بالدرجة الثانية، إذا كان لهذا الأمر درجات! وهذا ما يسعى إليه المسلمون في سبيل التعامل مع ما حولهم ومع من حولهم، فلم يعودوا في معزل عن العالم، ولن يستطيعوا، ولم يعد العالم في معزل عنهم، ولا يستطيع).

أما (إدوارد سعيد) (بدأ اهتمامه بالاستشراق منذ عام 1973م، بدايته مع العصور الوسطى كانت أغلبها دينية في الفترات المبكرة، كدانتي مثلاً).

الاستشراق في طلائع الفكر الغربي

لا يمكن حصر الدراسات الاستشراقية للغرب لكن نمسك ببعض الطلائع المهمة في توليف الدراسات الحضارية للعرب من خلال أعلام مهمة كالفرنسي أرنست رينان (1823 - 1892) Ernest Renan الذي تلقى تعليمه اللاهوتي في مدارسها، وتعلَّم العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، وظهر اهتمامه بالعقيدة الإسلامية ودراسة ابن رشد والرشديين.

الروسي ف. ف. بارتول (1869-1930) V.V. Barthold تمكنه من دراسة التاريخ الإسلامي في جامعة بطرسبرج، والاشتغال أستاذاً لتاريخ الشرق الإسلامي تموضع في اهتمامه بالفكر الإسلامي ودراسة ابن خلدون ونظريته في الحكم.

أما الروسية (ماريا فيدياسوفا) (194Maria Vidiassova:5) م، تلقَّت تعليمها الجامعي في جامعة موسكو الحكومية: معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية، تخصصت في التاريخ وعلم الإنسان الاجتماعي. تنوعت رحلاتها العلمية في كل من تونس ( 1966 - 1967)، ومصر (1993)، والمغرب (1995). من بحوثها (ابن خلدون كما يراه المثقفون العرب) عضو رابطة المستشرقين الروس.

تشكل المعرفة درجة تقدم الشعوب ووعيها، والعلم لا يكتمل تفاعله واشتغاله إلا بالاندماج في خواص نظرية متعددة ومختلفة، لتوجه المنسجم نحو قضايا العصر، وعصرنة الفكر المتجدد في ظل الحركة والتوجه الإيجابي بين الغرب والعرب في سبيل التوازن الإنساني، وإبراز عملية النشاط المعرفي بين واجهتي العالم لاكتساب غنائم التنوع الثري بالآخر والتحكم في مهارات التفكير نحو التطور وخدمة المجتمعات وتسيير رؤى المستقبل.

رابط الموقع

http://arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?id=6995&fbclid=IwAR1LhiFUpHBNilQZDPkVoZNRfgFNlVI-YR5mRsMcQqwwLC3xBx0Qg_FMUiA